قالت ورقة بحثية بعنوان "المحكمة الدستورية ، نشأة استثنائية وتاريخ حافل من التوظيف السياسي" نشرها موقع الشارع السياسي، إن المحكمة الدستورية التي أُنشئت في 1970، كان لها دور بارز في تثبيت أركان الانقلاب، وقبلت بأن يكون رئيسها أول رئيس مؤقت بعد انقلاب عسكري عصف بالدستور الذي يفترض أن المحكمة حارسته وحاميته".
وأضافت أنها في جانب الانقلاب ، تعددت أدوارها الوظيفية في تكريس أركان حكم الجنرالات ، على نحو يبرهن على أنها ما نشأت إلا لتثبت دعائم حكم الجنرالات وقوننة إجراءاتهم الشاذة على نحو ما جرى في التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
وأضافت أن المحكمة أيضا تحولت إلى أداة بيد جنرالات -المجلس العسكري الذي حكم بعد ثورة يناير لعام ونصف العام- من أجل العصف بالمؤسسات المنتخبة من الشعب وعرقلة أي خطوة تؤدي إلى التحول الديمقراطي؛ فقضت بحل البرلمان المنتخب بغرفتيه الشعب والشورى، وقضت ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وأبطلت قانون العزل السياسي.
تحصين الانقلاب
وفصلت الورقة سبعة أدوار وظيفية للمحكمة الدستورية، أبرزها تحصين الانقلاب وحمايته ، حيث لعبت المحكمة دورا سياسيا بارزا في حماية وتحصين إجراءت الانقلاب العسكري ، وتحصين كل قراراته وانتخاباته مهما كانت مزورة وتفتقد إلى أدنى درجات التوافق الشعبي.
وأضافت أن قبول المحكمة تولي رئيسها المستشار عدلي منصور بمنصب الرئيس المؤقت بعد انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب وجمد العمل بالدستور الذي يُفترض أن المحكمة حاميته وحارسته.
ومن جدول التحصين الذي أحصته الورقة "رد الطعون بعدم دستورية قانون التظاهر" وقالت إن "قانون التظاهر استثنائي بامتياز ، فضلا عن صدوره من رئيس مؤقت استأثر بمهمة تشريعات الضرورة في غيبة مجلس النواب؛ فشرع قوانين معارضة للدستور".
إضافة إلى امتناع المحكمة عن الحكم بعدم دستوريته ، وأكدت هذا الرفض في عدة أحكام خلال أعوام 2016 وما بعدها.
وأشارت الورقة إلى دور آخر في "تحصين انتخابات الرئاسة والبرلمان ما بعد 3 يوليو" على عكس موقف المحكمة المتشدد من نتائج الاستحقاقات الانتخابية بعد ثورة يناير، وعرقلة التحول الديمقراطي بتدمير كل المؤسسات المنتخبة.
ولفتت إلى إصدار عدلي منصور قرارا بقانون عدل فيه نظام المواعيد وإجراءات التقاضي وصدور الأحكام بالمحكمة الدستورية، عند نظر قانوني تنظيم الانتخابات الرئاسية أو النيابية، بتقصير مواعيد الإجراءات استثناء على الأوضاع الطبيعية، لتحصين إجراءات السلطة الانقلابية.
وأوضحت أن المحكمة الدستورية حظيت بوضع مثالي في دستور 2014 فيما عده مراقبون مكافأة لدورها في الانقلاب العسكري، حيث اعتمد آلية الأقدمية البحتة في اختيار رئيس ونواب وأعضاء المحكمة بحيث أصبحت الجمعية العامة للمحكمة هي المعنية باختيار تلك المناصب فيما يقتصر دور رئيس الجمهورية علي إصدار قرار التعيين، إلا أن ذلك قد تغير في تعديلات 2019 الدستورية".
وأبانت أن المحكمة ساهمت في إجهاض الثورة وعرقلة التحول الديمقراطي، ومكافأة رؤسائها بتولي عدد من المناصب الحساسة في الدولة؛ واختير عدلي منصور رئيسا مؤقتا، والمستشار حنفي الجبالي رئاسة البرلمان، وهو صاحب الحكم الشهير بحل مجلس الشعب المنتخب، والمستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيسا لمجلس الشيوخ وهو الذي ترأس هيئة المحكمة التي قضت بعدم دستورية مواد العزل السياسي وبطلان تشكيل الجمعية التأسيسية لدستور 2012م، وكلاهما كان رئيسا للمحكمة الدستورية.
حل المجالس المنتخبة
وفي أعقاب ثورة يناير، حلت المحكمة الدستورية البرلمان وفقا لأجندة مصالح المجلس العسكري؛ فرغم إحالة مجلس الدولة إحدى القضايا بشأن تزوير انتخابات 1990م ، حيث طالبت بعدم دستورية بعض مواد قانون مباشرة الحقوق السياسية، لكن المحكمة تجاهلت الدعوى عشر سنوات كاملة ثم قضت سنة 2000 بعدم دستورية المادة 24 من القانون 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، ولكن المجلس المطعون ببطلان تشكيله كان قد أنهى مدته قبل خمس سنوات كاملة، على العكس من ذلك تماما جرى مع انتخابات 2012م التي تعتبر بحق أنزه انتخابات برلمانية في تاريخ مصر كله. والبرلمان الذي تكون بمقتضاها هو الأكثر تعبيرا عن توجهات الشارع المصري.
وأضافت أن المستشار فاروق سلطان رئيس لجنة الانتخابات التي أوقفت قانون العزل وأحالته للدستورية هو ذاته رئيس المحكمة الدستورية العليا ، كما أنه هو نفسه الذي أصدر في ذات الجلسة حكما بحل مجلس الشعب.
وقالت إن "المحكمة في بطلان قانون العزل بأن البرلمان رتب عقوبة دون صدور حكم قضائي بالحرمان من مباشرة الحقوق السياسية، وهو ما يمثل تغولا من السلطة التشريعية علي السلطة القضائية، في الوقت ذاته مارست المحكمة تغولا على السلطة التنفيذية ومنحت نفسها صلاحيات ليس منصوصا عليها في الدستور أو في قانونها ، حيث يتوقف دور المحكمة الدستورية عند الحكم بعدم دستورية النصوص القانونية تاركا أمر تنفيذ الحكم لرئيس الجمهورية، بحسب الورقة.
واعتبرت أن الحكم بحل برلمان 2012، توافق تماما مع رغبة المجلس العسكري الذي كان يسعى لاسترداد السلطة التشريعية من أجل حصار الرئيس الجديد المنتخب ومشاركته في السلطة قبل أن يتسلم مهامه.
وأوضحت أن المجلس واجه عقبة قانونية تتمثل في عدم أحقية المجلس العسكري الذي كان يمثل سلطة الرئاسة في البلاد في إصدار قرار حل البرلمان؛ حيث خلت الإعلانات الدستورية التي أصدرها من هذا الاختصاص؛ لكن المحكمة الدستورية تكفلت بحل هذه الورطة بالنص في حكمها على كون المجلس منحلا بقوة القانون بهدف قطع الطريق أيضا على الرئيس المنتخب في إمكانية الدعوة لاستفتاء شعبي علي حل البرلمان.
وقالت الورقة "عندما أصدر الرئيس الراحل محمد مرسي قرارا بإعادة البرلمان للعمل في 8 يوليو 2012م، من أجل حماية المؤسسات المنتخبة وإرادة الشعب، نهضت المحكمة الدستورية بذات الدور السياسي المساند للمجلس العسكري ، حيث أصدرت في 09 يوليو 2012م بيانا سياسيا تطالب بوقف تنفيذ قرار الرئيس ، وتزامن ذلك مع انعقاد للمجلس العسكري بغير دعوة من رئيس الجمهورية ، دافع فيه عن قرار حل مجلس الشعب وكونه استجابة لحكم الدستورية وبرر صدور الإعلان الدستوري المكمل الذي سحب به مهمة التشريع لنفسه، بالضرورة والظروف السياسية والقانونية والدستورية التي كانت تمر بها البلاد.
وذكرت أنه وبالتزامن مع انعقاد أول جلسة للبرلمان في 10 يوليو ، أصدرت المحكمة قرارها بعدم دستورية قرار الرئيس مرسي بعودة مجلس الشعب ، وهي السابقة الأولى التي تقوم المحكمة بتتبع أحكامها ومتابعة تنفيذها بنفسها، وإلغاء قرارات رئاسة الجمهورية السيادية بغير طلب القضاء بالفصل فيها كقرار إداري وهو التصرف النقيض لما انتهجته المحكمة الدستورية عند التصدي لقضية جزيرتي تيران وصنافير.
الجمعية التأسيسية
وأضافت الورقة شواهد أخرى قبل الانقلاب وبعد الثورة كما حدث في الجمعية التأسيسية الأولى لدستور 2012، حيث انسحبت المحكمة الدستورية في 02 يونيو اتساقا مع انسحاب بعض القوى العلمانية ، وهو الأمر الذي فهم على أنه استجابة لتوجهات المجلس العسكري سواء للمحكمة أو لهذه القوى المعرقلة للتحول الديمقراطي.
وقالت إن "البعض قد يدافع عن موقف المحكمة بأن القضاء الإداري قضى ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية استنادا إلى أن الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري في فبراير 2011م لم يتضمن صراحة مشاركة نواب البرلمان في التأسيسية، لكن الحكم تجاهل أيضا أن الإعلان الدستوري لم ينص صراحة على حرمان نواب البرلمان من المشاركة فيها.
وأضافت أنه عندما تشكلت الجمعية التأسيسية مرة أخرى عقدت المحكمة جلسة بتاريخ 2 ديسمبر 2012م، للنظر في دعويين بحل مجلس الشوري والجمعية التأسيسية رغم صدور إعلان دستوري من الرئيس بتاريخ 21 نوفمبر 2012م، ولولا حصار بعض الثوار للمحكمة اعتراضا على دورها السياسي لقضت بحل الشوري والتأسيسية.
وخلصت إلى أن حقيقة تاريخية وهي أن المجلس العسكري إنما يوظف المحكمة لحل جميع المؤسسات المنتخبة ووضع العراقيل أمام التحول الديمقراطي وهو الدور الذي مارسته المحكمة باقتدار.
وفي تضارب من نوع ما، أشارت الورقة إلى أنه رغم الاستفتاء على الدستور وإقراره رسميا ، إلا أن المحكمة عقدت جلسة بتاريخ 2 يونيو 2013م قبل الانقلاب بأسابيع، وقضت ببطلان قانون معايير تشكيل التأسيسية؛ الغريب في الأمر أن القرار صدر استنادا إلى دستور 2012 ذاته وهو الدستور الذي أتت به الجمعية التأسيسية المنتخبة وفق هذا القانون المطعون ببطلانه.
المدهشون الأربعة
وقالت إن "الأكثر دهشة أن المستشار عدلي منصور عضو هيئة المحكمة الدستورية التي أصدرت حكم بطلان قانون معايير الجمعية التأسيسية ، وهو ذاته الرئيس المؤقت للانقلاب الذي أصدر قرارا منفردا بتشكيل لجنة الخمسين بالتعيين المباشر مستندا لإعلان دستوري بعد انقلاب عسكري، ومن الملفت للنظر أن المستشارين محمد عبد العزيز الشناوي ومحمد خيري طه النجار عضوا الهيئة التي أصدرت حكم عدم الدستورية ، قد شاركا بعدها بأيام في عضوية لجنة العشرة التي شكلها عدلي منصور لكتابة مقترح تعديل دستور 2012.
وأضافت أن ذلك "تناقضا صارخا ومدهشا بين ما حكموا به على منصة القضاء، وما شاركوا في دعمه من خطوات انقلابية افتقدت للشرعية والمشروعية وخلت بحق من أي توافق سياسي وطني رأت المحكمة غيابه عندما قررت الانسحاب من الجمعية التأسيسية 2012م".
ولفتت إلى أنها أصدرت بيانا سياسيا حينها، أعلنت فيه الانسحاب من عضوية الجمعية نظرا (حسب نص البيان) لما طرأ من متغيرات علي التوافق الوطني حول معايير تأسيسها، وكان توقيت ذلك البيان قبل يومين فقط من إصدار حكمها بحل مجلس الشعب.