تشهد سوق الأدوية حاليا اختفاء مئات الأصناف من الأدوية من الصيدليات، خاصة تلك التي يقل سعرها عن 20 جنيها، في خطوة تسعى من خلالها حكومة الانقلاب إلى رفع الأسعار لمجاملة شركات الدواء على حساب المواطنين الغلابة ، والذين لا يستطيعون الحصول على احتياجاتهم اليومية من الغذاء والدواء وغيرهما ، خاصة أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وفق بيانات البنك الدولي .
يشار إلى أن النواقص تشمل عددا من أدوية الأمراض المزمنة، وأدوية تستخدم في علاج الأمراض الشائعة مثل منتجات «أكني» لعلاج حب الشباب والتي تحتوي على مادة إريثرومايسينا، وفيدروب نقط للأطفال، وسيتال نقط لخفض الحرارة للأطفال، وباراسيتامول وباندول الأزرق وهما من عقارات خفض الحرارة في بروتوكول كورونا، وعقار نصار ملين، وأليرجين للحساسية.
حول هذه الأزمة كشف مصدر مسئول بنقابة الصيادلة، رفض ذكر اسمه، أن هناك عددا من الأدوية ناقصة في السوق أسعارها أقل من ٢٠ و٣٠ جنيها وفي طريقها لأخذ تسعيرة جديدة أو صدر بشأنها قرار ولم تنتج بعد بالسعر الجديد، مشيرا إلى أن عقار حقن «كيتولاك» المسكنة للعظام والآلام، كان يباع بـ ١٨ جنيها ارتفع سعره إلى ٢٥ جنيها بعد طلب إعادة تسعيره من الشركة المنتجة.
وبالنسبة لاختفاء معظم منتجات «أكني» خاصة محاليل حب الشباب الأقل من ٢٠ جنيها، قال المصدر إن "هناك بدائل لحين عودتها بأسعار جديدة ، مثل أكني مايثن ٢٥ مللي وأكني مايثن مرهم وأكني بيوتك لسيون وأكني كير لسيون".
البدائل
وأكد الدكتور حسام حريرة، الأمين العام السابق لنقابة الصيادلة، أن ما يشهده سوق الدواء لا نستطيع تسميته بأزمة نواقص أدوية، لكنها أصناف تختفي من أجل إعادة تسعيرها وتعود بسعر مرتفع لتحقيق هامش ربح حتى لا يخسر خط إنتاجها.
وقال حريرة، في تصريحات صحفية إن "طبيعة السوق المصرية مختلفة، خاصة أن لدينا ٩٠٠٠ نوع دواء بالبدائل، وبالتالي إذا اختفى صنف دوائي فله ٢٢ بديلا ومثيلا، وتلك الخاصية تتفرد بها السوق المصرية، فنحن أكبر دولة بها مثائل وبدائل، وأضاف طالما المادة الخام متوافرة فإن الأمر لا يعد نواقصا، فمثلا عند اختفاء البنادول وقت أزمة كورونا فهناك بدائل له مثل نوفادول وباراسيتامول وغيره".
رمانة ميزان
وقال الدكتور محمد عز العرب، المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء إن "أزمة النواقص تلك المرة مختلفة، فهي في الأصناف التي لها مثيل أو بديل ، لكن هذه البدائل تتوافر بسعر مرتفع عن الأصلية".
وأضاف عز العرب في تصريحات صحفية أن الزيادات التي حدثت في ٢٠١٦ كانت مجمعة، فمثلا حصلت الزيادة لـ٤٠٠٠ صنف ثم في ٢٠١٧ حدثت الزيادة لـ«٣٠٠٠» صنف، أما الآن فأصبح كل صنف له قرار زيادة خاص به ، موضحا أن لدينا ١٦ ألف دواء مسجل في سوق الدواء المصرية، والتي تستخدم بالفعل ٧٠٠٠ صنف والأكثر استخداما ٤٠٠٠ صنف.
وأكد ارتفاع أسعار ٢٠٠ منتج تقريبا خلال السنة الأخيرة، مضيفا أن المجتمع المدني ضد رفع أسعار الأدوية ، وكان يجب التريث في زيادة أسعار أصناف كثيرة، لافتا إلى أن كل الشركات قدمت طلبات لزيادة أسعار المنتجات للهيئة العليا للدواء ، تتضمن فواتير استيراد المواد الخام وتكاليف الإنتاج وكل الأسباب التى يريدون من أجلها رفع سعر الدواء، وهذا ما يسمى زيادات أحادية للشركات .
وأوضح عز العرب أن أفضل نظام تسعير الآن هو COST PLUS وهو حساب أسعار الإنتاج وأجور التشغيل والطاقة والشحن والتوزيع مع إضافة هامش ربح، مطالبا بمراجعة نظام التسعير في هيئة الدواء لضمان عدم تكرار أزمة نواقص الأدوية كما حدث عام ٢٠١٦، ومساندة شركات قطاع الأعمال حتى لا تخسر ومراعاة المريض المصري وأن تكون الزيادات منطقية لصالحه.
وشدد على ضرورة وجود ممثلين للمجتمع المدني في نظام التسعيرة الاسترشادية ، لأن المجتمع المدني هو صوت المريض.
ووصف «عز العرب» شركات قطاع الأعمال برمانة الميزان السعري للمريض المصري، لأن أسعار منتجاتها أقل من شركات القطاع الخاص أو الشركات المتعددة الجنسيات، موضحا أنه في ٢٠١٦ حدث تحرك سعري لـ٤٠٠٠ آلاف صنف ، وكانت الغالبية العظمى من منتجات شركات قطاع الأعمال.
وكشف أنه مع أزمة كوفيد ١٩ كان وضع شركات الأدوية بقطاع الأعمال حرجا مع زيادة أسعار المواد الخام والضغط على منتجاتها والتى كانت أغلب بروتوكول كوفيد العلاجي من أصنافها، ولذلك شهد قطاع الدواء زيادات في الأسعار نتيجة زيادة سعر الشحن.
وتابع «عز العرب» أن المجتمع المدني ضد زيادة أسعار الدواء ، لكن في الوقت نفسه لو أن تكلفة الإنتاج تسبب خسارة للشركة مقارنة بسعر تلك الأصناف التي سيعاد تسعيرها وعودتها للتداول من جديد فنحن نرحب بهذا، بدلا من إيقاف خط إنتاج تلك الأصناف، مؤكدا أنه لا توجد قوة تستطيع أن تجبر أي شركة حتى لو قطاع أعمال عام على إنتاج أصناف لا تحقق أسعار بيعها أي ربح .
الطبقة المهمشة
وأكد الدكتور محمد الشيخ، نقيب صيادلة القاهرة، أنه ضد زيادة أسعارالدواء خاصة الأدوية التي تخص الطبقة المهمشة المحرومة من قطاع التأمين الصحي ومظلته ، مثل الصيادين والفلاحين والعمالة غير المنتظمة والذين سيأخذون وقتا طويلا لإدراجهم.
وحذر الشيخ في تصريحات صحفية من أن اختفاء بعض اصناف الأدوية التي تقل أسعارها عن 20 جنيها ، يجعل تلك الفئات تلجأ إلى مثائل وبدائل بسعر مرتفع لا يناسب دخلهم ويجعل أمر الصحة بالنسبة لهم مكلفا.
وتساءل عن دور هيئة الدواء المصرية التي من إحدى وظائفها إعادة النظر في أسعار الدواء وتسعيره حتى لا يختفي ويعود بأسعار مرتفعة ، مشددا على ضرورة وضع معايير لارتفاع الأسعار خاصة الأصناف التي تحقق مبيعات عالية جدا.
وأكد الشيخ أن التتبع الدوائي بدءا من دخول المواد الخام للدواء حتى تصنيعه وتوزيعه يوفر علينا أزمة اختفاء الأدوية ومعرفة من له المصلحة في هذا، مطالبا حكومة الانقلاب بحساب الكميات التي تحتاجها السوق من كل صنف دواء من خلال منظومة التتبع ، حتى لا تكون هناك أدوية منتهية الصلاحية داخل الصيدليات.
القطاع الخاص
وقال أحمد عزب، باحث في مجال السياسات الدوائية إن "هيئة الدواء المصرية حلت محل قطاع الدواء بوزارة صحة الانقلاب في الاختصاصات المنصوص عليها في القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٥٥ ، وأعطى القانون هيئة الشراء الموحد اختصاصات واسعة لشراء احتياجات القطاع العام الصحي، حيث تتولى إجراء عمليات الشراء للمستحضرات والمستلزمات الطبية البشرية لجميع الجهات والهيئات الحكومية، وإعداد خطط وبرامج وقواعد التدبير والشراء الموحد من الداخل أو الخارج.
وأشار عزب في تصريحات صحفية إلى أن الهدف من إنشاء هيئة الدواء المصرية هو تنظيم جهات الرقابة في كيان واحد، بدلا من وجود أكثر من جهة رقابية، والهدف من إنشاء هيئة للشراء الموحد تقوية وتعزيز فرص الوصول لأسعار أقل والاستفادة من المزايا التي تنتج عن عملية الشراء الموحد .
وأكد أنه رغم ذلك لاتزال التحديات كما هي مثل سلوكيات القطاع الخاص في تفضيل استيراد المواد الخام المصنعة من الخارج، وعدم القيام بمحاولات لتصنيع المواد الخام محليا، بجانب معاناة القطاع العام من ضعف الإدارة وتوقف الاستثمار الحكومي، وبالتالي يخضع سعر الدواء دائما لتقلبات العملة الصعبة.
وطالب عزب، بنشر التوعية بين المواطنين بخصوص الدواء المثيل، حيث يوجد قصور في تعريف المريض المصري بأن الدواء المثيل هو دواء مطابق تماما للدواء الأصلي ، من حيث التركيب والمفعول والاختلاف فقط في الشركة المنتجة ، وبذلك يمكن تخفيف الضغط على أدوية بعينها رغم وجود بدائل لها.
وشدد على ضرورة زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة بشكل عام، والاستثمار الحكومي في تصنيع المواد الخام والأدوية التي لا يتم الاستثمار فيها من قبل شركات الدواء الخاصة لضخامة تكلفتها أو مخاطرها.