في تناقض سياسي ومحاولة تخويف للمصريين وتبريرا لنكسات حكومية اجتماعية وصحية واقتصادية ستضرب المواطن المصري في الفترة المقبلة، أعلن المتحدث باسم مجلس وزراء الانقلاب نادر سعد أن الموازنة المالية للعام الجديد، ستكون تحت عنوان التقشف الحكومي، بجانب ممارسة انضباط مالي مشدد وإنفاق في أضيق الحدود في الموازنة الحالية.
وجاء الإعلان الحكومي بالتزامن مع أزمة ارتفاعات متتالية في أسعار السلع، بسبب زيادة تكاليف الاستيراد والمواد الخام ومصادر الطاقة، وتراجع قيمة الجنيه المصري.
يشار إلى أن مصطلح التقشف في علم الاقتصاد يقصد به السياسة الحكومية الرامية إلى خفض الإنفاق ، وغالبا ما يكون ذلك من خلال تقليص الخدمات العامة.
إجراءات تقشقفية
وفي كثير من الأحيان، تلجأ الحكومات إلى الإجراءات التقشفية بهدف خفض العجز في الموازنة، وغالبا ما تترافق خطط التقشف مع زيادة الضرائب.
وفي اتصال هاتفي بقناة تلفزيونية، أكد المتحدث باسم الحكومة أن الموازنة الحالية ستمارس انضباطا ماليا بشكل مشدد والإنفاق في أضيق الحدود، إلا فيما يخص الإنفاق في التنمية البشرية وبرامج الحماية الاجتماعية والإنفاق في التعليم والصحة. زاعما أن تخفيض الإنفاق الحكومي في الموازنة العامة للعام المالي الجديد لا تمس التعليم والصحة، ومبادرات الدولة المهمة مثل "حياة كريمة".
هذه التصريحات تتناقض تماما مع ما يُدار حاليا في أروقة النظام الحاكم من إنفاق أسطوري من أموال الشعب على أكثر من 20 قصر رئاسي مخصصين للسيسي وحاشيته، وأيضا مبنى الأومتاجون بالعاصمة الإدارية الذي تكلف المليارات، علاوة على مليارات الدولارات تكلفتهما المرحلة الأولى والثانية للعاصمة الإدارية، ومباني الأجهزة الأمنية والحكومية بصحراء الهايكستب وشرق القاهرة.
كما تناسى المتحدث الحكومي تكلفة مؤتمرات لشباب التي يقيمها السيسي بلا جدوى فعلية ، يتكلف المؤتمر الواحد نحو مليار جنيه بلا أي عائد على المواطن المصري.
ويتناقض تصريح المتحدث باسم الحكومة مع اتفاق السيسي ونظامه على الطائرات الرئاسية التي تكلف ميزانية الدولة نحو 3 مليار دولار، حيث اشترى السيسي مؤخرا طائرة باهظة التكاليف تصل سعر الواحدة منها 500 مليون جنية يطلق عليها "ملكة السماء" وقام بصيانتها بنحو 300 مليون دولار، ومن جملة التقشف الذي يتمسك به السيسي إنشاء المشاريع الترفيهية التي تكلف الدولة مليارات الدولارات كمشروع مدينة العلمين الجديدة والمقار الرئاسية والحكومية التي يقضي فيها النظام فترة الصيف، علاوة على مشروع هضبة الجلالة السياحية الترفيهية التي أنفق عليها مليارات الدولارات من ميزانية الدولة.
وأيضا السجاد الأحمر الممتد لكيلو مترات تحت أقدام وسيارات السيسي خلال مراسم افتتاح بعض المشاريع الفنكوشية بالصحاري، وهو ما شاهده المصريون مرات عدة تحت أقدام السيسي.
ولعله من ضمن التقشف الحكومي إنفاق أكثر من 100 مليار جنيه على مجموعة المسلسلات والبرامج التي تعدها الشركة المتحدة التابعة للمخابرات العامة، للعرض في رمضان المقبل، هذه المسلسلات والبرامج حققت خسائر مليارية للدولة، إذ أن شراء المتحدة لمعظم الفضائيات والقنوات التلفزيونية ضيق مساحة التسويق الخارجي لتلك المسلسلات، فباتت المتحدة تنتج الأعمال الفنية لتعرضها على القنوات التابعة لها، وهو ما يعني خسائر فادحة، فباتت تكتفي المتحدة المنتج على الإعلانات فقط، التي لا تغطي سوى أجزاء بسيطة من التكلفة، بينما الخسائر يتحملها المواطن المصري، المخاطب بالتقشف الحكومي.
ورغم تعدد المجالات التي يغيب عنها التقشف الحكومي والتي يضيق المقام لذكرها، فإن المصريين على موعد جديد مع سلسلة فاحشة من الضرائب والرسوم المرهقة لهم ولجيوبهم ، والتي عليها دفع ضرائب جديدة لما يعرف بضريبة الدخل وضريبة التصرفات العقارية وتوثيق العقارات بجانب إكمال مصاريف التصالح على مخالفات البناء التي ستنفذها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وتقليص الدعم الحكومي للخبز والسلع التموينية وغيرها من الإجراءات الوحشية ضد المصريين، مع رفع أسعار كل شيء في حياتهم من مواصلات ونقل بعد رفع أسعار الوقود أول أبريل وأول يوليو المقبل، وتراجع الخدمات الصحية التي تعاني التردي وانهيار تام لمنظومة التعليم، حيث لن يتعلم سوى من يدفع فقط.
فرص بديلة لسد عجز الموازنة
وفي الأفق القصير يمكن تغطية عجز الموازنة الحكومية ، يمكن للسيسي أن يوفر المليارات للموازنة العامة، لو اتخذ قرار تطبيق الضرائب والرسوم على المشاريع الاقتصادية غير العسكرية التي يديرها الجيش بشركاته والتي تديرها الداخلية والمخابرات، كشركات إنتاج الأغذية والأسماك والصوب الزراعية والإنتاج الحيواني وإنتاج الأسمنت والحديد وغيرها ، مما تتمتع بحماية وإعفاءات ضريبية كبيرة ، تلك الأموال ستنعش الموازنة العامة للدولة.
كما بوسع السيسي إلغاء الإعفاءات الجمركية الممنوحة لكل واردات وصادرات الشركات العسكرية والأمنية، والتي تحرم الدولة من مليارات الجنيهات.
كما ستنعش الموازنة العامة للدولة لو تم بيع الأراضي التي تخصص بالمجان للأنشطة الاقتصادية لشركات الجيش والشرطة، والتي تقدر بتريلوني جنيه، ولكن السيسي لن يقدر لأن تلك المشاريع والأراضي مجرد وسيلة لشراء الولاءات لكرسيه المهترأ شعبيا.
ومن ضمن المجالات التي يمكن أن تجلب المليارات لحزينة الدولة بعيدا فرض الضرائب والرسوم الباهظة على المواطنين، التوسع في منح التسهيلات الاستثمارية لرجال الأعمال الوطنيين وأصحاب المشروعات الصغيرة لزيادة الإنتاج والتصدير وتحصيل الدولارات لمصر، حيث يسارع السيسي الزمن لمحاربة أي منتج أو مصنع بعيدعن حظيرة العسكر ، وهو ما تسبب في هروب مليارات الدولارات من مصر الفترة الماضية.
كما يمكن للسيسي بناء المصانع والشركات المنتجة بدلا من التوسع في إنشاء الكباري والطرق التي يضرب مواصفاتها الفساد والأمر المباشر، على حياة المواطن والوطن، ولكن عقلية نظام العسكر هو الضغط على المواطن وإشغاله بلقمة عيشه ليسهل قيادته والسيطرة عليه.