على طريقة صفقة القرن.. مقترح إماراتي لإنهاء حقوق مصر بمياه النيل مقابل استثمارات بـ6 مليار دولار

- ‎فيحريات

على طريقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في صفقة القرن التي طرحها وأيدها المنقلب السيسي لتصفية القضية الفلسطينية، مقابل بعض المكاسب لأهالي غزة لوأد المشروع المقاوم وتجريد الفلسطينيين من حق العودة ونقل الأسر الفلسطينية من مدن الضفة والداخل الفلسطيني المحتل إلى صحاري سيناء، لجعل إسرائيل كيانا متماسكا وخالصا من أي وجود فلسطيني، جاء المقترح الإماراتي التي تعمل  عليه سلطات شيطان العرب محمد بن زايد، والتي تسعى لتعزيز وجودها السياسي والاقتصادي بإفريقيا على حساب مصر، التي يجري تقزيمها بالمنطقة لصالح الإمارات وإسرائيل، عبر إخضاعها وتجويع شعبها وتعطيش أراضيها الزراعية.

المقترح الشيطاني الإماراتي يقوم على عدم إلزام إثيوبيا بأي اتفاق ملزم لها مائيا، مع استكمال مشروع سد النهضة دون أية ضغوط أو التزامات سواء لمصر أو السودان، ودون أي ذكر لحقوق مصر التاريخية بمياه النيل، مقابل إقامة مشروعات مشتركة اقتصادية بمصر وإثيوبيا والسودان، بقيمة 20 مليار دولار تقدمها الإمارات، وتعد فلسفة ربط مصالح الدول الثلاثة ببعض في استثمارات مشتركة، قد تسمح لإثيوبيا بتمرير مياة النيل إلى دولتي المصب، من أجل استمرار الاستثمارات ونجاحها.

وهو مقترح شيطاني لا يلزم إثيوبيا بأي شيء، ولا يحفظ لمصر أية حقوق بالنيل، وقد تتغير الأنظمة الحاكمة في إثيوبيا وتعمل على خلاف ما ترنو إليه الإمارات، وبذلك تخسر مصر والسودان أية فرص لإلزام إثيوبيا بأي اتفاق تسعى له مصر.

وعلى عكس ما تعمل مصر، تعزز الإمارات، التي تعد حليفا للسيسي وداعما لانقلابه العسكري، إثيوبيا بل وتضغط على مصر والسودان عبر تجفيف الاستثمارات واستغلال الظروف الصعبة على المستوى السياسي والاقتصادي بالبلدين.

أما ما يتعلق بالسودان،  فقد كشفت مصادر مصرية عن تطور وصفته بـالخطير، قائلة إن "الزيارة التي قام بها رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في 10 مارس الحالي لدولة الإمارات، شهدت تطورا بالغ السوء بالنسبة للقاهرة".

وأوضحت أن "المسؤولين في أبوظبي يصرون على فرض رؤيتهم لحل الأزمة، والتي لا تتوافق مع الرؤية المصرية لضمان السيطرة الكاملة على أمن مصر المائي وعدم ترك مصير الأجيال المقبلة مُعلقا بأيدي آخرين، وقد اتضح التوجه الإماراتي إلى حد كبير من خلال الاتصالات مع الطرف السوداني".

وقالت المصادر إنه "خلال زيارة البرهان الأخيرة للإمارات، تم التطرق لملف سد النهضة، في ضوء الوساطة التي تسعى أبوظبي للعبها، وفي ظل ما تمتلكه من نفوذ لدى أطراف الأزمة، وما يربطها بعلاقات قوية برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد".

وكشفت أن "مصر والسودان كانتا بصدد الإعلان عن خطوات مشتركة تم التوصل إليها أخيرا متعلقة بالأزمة، لتحريك الملف وإخراجه من حالة الجمود والسكون التي يمر بها، في ظل تجاهل إثيوبيا للمطالبات المتكررة ببدء جولة جديدة من المفاوضات".

وأشارت المصادر إلى أن المسؤولين في الإمارات "أقنعوا البرهان بدعم الوساطة الإماراتية في الأزمة، والقبول بالتصور الذي طرحته أبوظبي، والمتعلق بتقديم امتيازات اقتصادية، ومجموعة من المشروعات المشتركة بين الدول الثلاث، بتمويل إماراتي، بحيث يتم ربط مصير الدول الثلاث بهذه المشروعات، ويجعل من الصعب على أديس أبابا اتخاذ قرار وقف تمرير المياه لدولتي المصب".

هذا التصور تتحفظ عليه القاهرة، بل وترفضه، بحسب تعبير أحد المصادر.

وكشفت المصادر أن المسؤولين الإماراتيين الذين التقاهم البرهان في أبوظبي "أكدوا له خلال الزيارة أن إثيوبيا لن تقبل بالطرح المصري الخاص باتفاق قانوني ملزم متعلق بعمليتي الملء والتشغيل".

كما أكد هؤلاء المسؤولون للبرهان أن هذا الاتفاق الذي تسعى له القاهرة "بات غير مجدٍ في أحد جوانبه، وهو الجانب المتعلق بعملية الملء التي باتت أمرا واقعا وأوشكت أيضا على الانتهاء، في حين أن الجانب الآخر المتعلق بالتشغيل، لن تقبل به الحكومة الإثيوبية باعتبار أنه يمثل تدخلا مباشرا في شأن خاص بها".

وأوضحت المصادر أنه خلال المشاورات مع البرهان في الإمارات، عرضت أبوظبي على رئيس مجلس السيادة السوداني، زيادة قيمة الاستثمارات التي ستمولها ضمن طرحها لحل الأزمة، لتصل إلى 20 مليار دولار موزعة على الدول الثلاث.

وقالت المصادر إن "أخطر ما في التطور الأخير، هو إبداء البرهان قبولا وقناعة بالتصور الإماراتي ، تحت ضغط الوضع الاقتصادي الصعب الذي يواجهه السودان".

وأشارت إلى أن "المسؤولين الإماراتيين أوصلوا رسائل ضمنية للبرهان بأنه لن يكون في مقدورهم تقديم مساعدات اقتصادية للخرطوم في أزمته الراهنة في محاولة للضغط عليه، وهو ما يعني أنه حال عدم توفير مجلس السيادة والحكومة الحالية الاحتياجات الملحة للسودانيين، فلن يكون أمامهم سوى القبول بالرؤية الإماراتية التي تتضمن أيضا بنودا متعلقة بحسم الخلاف السوداني الإثيوبي المتعلقة بالمناطق الحدودية المتنازع عليها".

وكان البرهان يعتزم إجراء زيارة للسعودية عقب انتهاء زيارته للإمارات، قبل أن يتم الإعلان عن إرجائها ، وبحسب المصادر، فإن البرهان كان سيطلب من المسؤولين في المملكة، دعما اقتصاديا عاجلا لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلاده في الوقت الحالي، في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات السياسية في الخرطوم.

ووفق التقديرات الإستراتيجية، فإن القاهرة ترفض الاعتداد بالمقترح الإماراتي لحل الأزمة، كونه لا يتضمن أي إلزام لإثيوبيا بتمرير المياه إلى دولتي المصب، وكذلك لا يتضمن أي إشارة للحصص المائية التاريخية للقاهرة والخرطوم.

إذ ترى أبو ظبي أنه سيكون هناك التزام مصالح في ظل وجود استثمارات مشتركة بين البلدان الثلاثة، يجعل إثيوبيا تلتزم بتمرير المياه، وهو ما تراه مصر تقويضا لقرارها وكذلك أمنها وجعله رهينة في أيدي المسؤولين في أديس أبابا.

ومع تصاعد المقترح الإماراتي، فإن مصر تتصاعد خسائرها الإستراتيجية، وسط إصرار أثيوبي على استكمال البناء والاستعددادت للملء الثالث خلال يوليو وأغسطس الممقبلين.

والسبت الماضي، فتحت أثيوبيا بوابتي التصريف بسد النهضة ، بعد فشل التوربين رقم 10 الذي أُعلن عن تشغيله في 20 فبراير  الماضي، في إمرار المياه الزائدة التي تعبر الممر الأوسط، والتي يبلغ مقدارها حوالي 30 مليون متر مكعب يوميا، وكذلك عدم تشغيل التوربين الثاني حتى الآن.

وكانت صور الأقمار الصناعية أشارت إلى توقف تدفق المياه من أعلى الممر الأوسط كما كان متوقعا.

تلك البوابات تصرف حوالى 30 مليون متر مكعب عند مستوى بحيرة السد الحالي (576 مترا فوق سطح البحر)، حيث يظهر تدفق المياه من خلال بوابتي التصريف في الجانب الغربي.

ومن المتوقع أن يبدأ العمل فوق الممر الأوسط خلال الأيام المقبلة بعد أن توقفت المياه، وفق عباس شراقي أستاذ الجغرافيا بجامعة القاهرة، مردفا أنه "من المتوقع أن تكون التعلية أقل من خمسة أمتار هذا العام، بتخزين حوالي 2 مليار متر مكعب، وفي حالة التعلية أكثر من ذلك، لا بد من تعلية الجانبين أيضا بنفس القدر، وهو ما يصعب تنفيذه خلال المدة المتبقية، وهي أقل من 4 أشهر".

في غضون ذلك، وتحسبا لأي تأثيرات محتملة لتجفيف الممر الأوسط لسد النهضة وفتح الممرين الآخرين، أعلنت الإدارة العامة للخزانات بوزارة الري والموارد المائية السودانية، الأربعاء الماضي، عن بدء تفريغ خزان سد جبل أولياء، اعتبارا من الاثنين المقبل 21 مارس الحالي.

ودعت إدارة الخزانات، في تعميم صحافي، "المواطنين وإدارات محطات المياه النيلية شمال وجنوب الخزان والنيل، لاتخاذ التحوطات اللازمة حفاظا على أرواحهم وممتلكاتهم".

تلك التطورات تكشف إلى أي مدى باتت مصر والسودان حبيستي دائرة رد الفعل،  وبلا أي تأثير حقيقي فيما يتعلق بالنيل، الذي بات في قبضة أثيوبيا، بفعل العجز السياسي والعسكري ، ومراهنة الدولتين على الخارج وعدم القدرة على قيادة زمام الأمور في ملف بالغ الحساسية، بل باتت مصر تستجدي أي دور دولي، سواء عبر أمريكا أو الغرب، ودون التفكير بتفعيل أدواتها الضاغطة ، وخاصة العسكرية والقانونية، والتي قد يكون الوقت الأنسب لها هو الآن وسط انشغال العالم بالأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية قد أعطت الضوء الأخضر سابقا للسيسي لضرب السد وقت حكم ترامب، وأن القوانين الدولية تبيح لها الدفاع عن أمنها المائي، إلا أن إدارة الوهن العسكري المتحكمة بمصر حاليا، لا ترى لها أي دور سوى امتصاص خيرات مصر، واقتصادها وبلع مزيد من الأموال والمشاريع الاقتصادية، أما الشعب المصري فله رب يحميه.