قال الباحث والكاتب علاء بيومي في مقال له بعنوان "تراجع الاهتمام الدولي بالديمقراطية في العالم العربي" "يبدو أن أميركا قررت التغاضي قليلا عن مطالبها الحقوقية من مصر، لضمان الحفاظ على حصة أكبر من مشتريات الأسلحة المصرية، ولتعطيل جهود مصر تنويع واردات أسلحتها".
داعيا الشعوب العربية ودعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان العرب الاستعداد لفترة مقبلة أصعب يزداد فيها توغل الاستبداد داخليا وإقليميا، بالتزامن مع مزيد من تراجع الدعم الدولي للديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأوضح في المقال الذي نشره على حسابه على فيسبوك (Alaa Bayoumi) بالتوازي مع موقع صحيفة العربي الجديد "لم تصدر اعتراضات غربية رسمية تذكر على إعدام مصر أخيرا سبعة من المتهمين السياسيين، ولا على إعدام السعودية 81 متهما، وهو أكبر عدد للإعدامات يطبق في السعودية خلال يوم، وذلك على الرغم من الاعتراضات الحقوقية المستمرة والمعروفة على النظامين القضائيين في البلدين".
وأوضح أن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن بريطانيا، وذلك لدى تلميحه بأن الإعدامات السعودية جاءت قبل حوالي يومين من زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المملكة في منتصف مارس الحالي، بهدف جذب مزيد من الاستثمارات السعودية إلى السوق البريطاني الذي يعاني من تبعات أزمة كورونا، وارتفاع أسعار الطاقة بسبب غزو أوكرانيا، وما زال يُتنظر تدفق الاستثمارات الأجنبية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وكذلك لإقناع السعودية بزيادة إنتاجها من النفط، وهو ما عرض جونسون لانتقادات إعلامية وبرلمانية داخل بريطانيا، خصوصا أنه عاد من دون التوصل إلى أي اتفاق مع السعودية والإمارات على زيادة إنتاجهما من النفط، وبدون حتى إعلان نيتيهما فعل ذلك.
5 دلالات
وأشار ببومي إلى أن 5 دلالات أوضحت تغير موقف الديمقراطية الأمريكية والغربية عامة إلى درجة الإلحاح الغربي على مصالحهم المتمثلة في زيادة إنتاج السعودية والإمارات من النفط، على الرغم من رفضهما.
واعتبر علاء بيومي في بحثه أن ذلك، مؤشر على توجه أعمق لدى قادة البلدين، وربما قادة دول عربية أخرى كمصر، إلى التقليل من أعباء تحالفهم مع الولايات المتحدة، والتوجه إستراتيجيا نحو التحالف مع روسيا والصين، ويرتبط ذلك التوجه بعوامل سياسية عديدة، تتقدمها:
أولا: أمريكا من بادرت بتخفيف أعباء تحالفها الإستراتيجي ووجودها العسكري مع دول المنطقة، فهي من تخطط إستراتيجيا منذ عقدين تقريبا لتقليل اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، وتقليل التزاماتها العسكرية والأمنية والسياسية في المنطقة، وتركيز طاقتها على مواجهة الصين بالأساس ثم روسيا.
وأوضح أنه في صيف العام الماضي، أكمل الرئيس بايدن سحب قوات بلاده من أفغانستان بشكل لم يخلُ من تسرع وعشوائية وإضرار بصورة أميركا ومكانتها، كما رفض سلفه الرئيس ترامب اتخاذ موقف قوي تجاه الهجمات التي تعرضت لها منشآت النفط السعودية في صيف 2019، والتي اتهمت السعودية إيران بالوقوف خلفها، كما تستعد إدارة بايدن لتوقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، سوف يسمح للأخيرة بزيادة نفوذها ونفوذ الجماعات الموالية لها في المنطقة، رغم معارضة السعودية والإمارات ذلك.
ثانيا: في مقابل الانسحاب التدريجي الأمريكي، تدخلت روسيا والصين تدريجيا لملء الفراغ، إذ تدخلت روسيا عسكريا في سوريا وليبيا، كما وقعت الصين عددا متزايدا من الاتفاقات الإستراتيجية والاقتصادية مع دول المنطقة.
وأوضح أن الرياض تستعد لاستقبال زيارة رسمية للرئيس الصيني شي جين بينج، قريبا، وسط حديث متزايد عن توقيع اتفاقات عسكرية بين البلدين لاستيراد أسلحة صينية وتصنيع مشترك لبعضها مع السعودية.
ثالثا: التحالف السياسي مع الصين وروسيا غير مكلف سياسيا وإيديولوجيا لدول المنطقة، فالرئيس الروسي بوتين يؤمن بنموذج الحاكم المستبد القوي، وهو نموذج تفضله نظم كثيرة في المنطقة، والصين ترفض التدخل في شؤون الدول الأخرى والاهتمام بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في علاقتها مع الدول، وتعلي من قضايا الخصوصية والسيادة والاستقلالية والمصالح الاقتصادية.
وخلص بيومي في هذا النقطة إلى أن حلفاء أمريكا في المنطقة لم ولن ينسوا لها موقف إدارة أوباما خلال ثورات الربيع العربي، إذ ضغط أوباما من أجل التخلص من بعض حلفائه، وفي مقدمتهم حسني مبارك في مصر، بعد انتفاضة شعبه ضده، ويبدو أن هذا الموقف دفع نظم المنطقة إلى تسريع وتيرة تخفيف تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والبحث عن حلفاء إستراتيجيين جدد لن يتخلوا عنها أو يضغطوا عليها لأسباب سياسية وحقوقية.
رابعا: مع تقدم المفاوضات الإيرانية والانسحاب الأمريكي من المنطقة، دخلت الدول العربية الحليفة لأمريكا في سلسلة من اتفاقات إقليمية تهدف إلى إعادة تنظيم المنطقة وتحالفاتها لملء الفراغ الناجم عن تراجع الصعود الأمريكي، ولمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد، والحديث هنا عن الانفتاح على إسرائيل بالأساس، وكذلك تركيا التي مرت علاقاتها مع السعودية ومصر والإمارات بفترة صعبة، بسبب دعم حكومتها الربيع العربي.
خامسا: وقعت دول "أوبك" اتفاقا مهما في 2016 مع روسيا، لتنظيم أسواق النفط وضمان الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مقبولة، في ظل توجه عالمي إلى تقليل الاعتماد على النفط واستبداله بموارد متجددة للطاقة، وليس من مصلحة السعودية والإمارات التخلي عن ذلك الاتفاق، وإغراق أسواق النفط في ظل التوجه الإستراتيجي الغربي إلى تقليل الاعتماد عليه.
خلاصة العلاقات
وخلص الباحث علاء بيومي إلى أنه من شأن العوامل السابقة مجتمعة الدفع في اتجاه تشجيع دول المنطقة على التخفيض التدريجي لشراكاتها مع الغرب والولايات المتحدة، والتوجه نحو الصين وروسيا، وهو توجه يبدو أنه بدأ منذ فترة، وسوف يستمر ويزداد في الفترة المقبلة، وسوف تكون له تبعات مختلفة على الدول العربية.
وأبان أنه في مقدمة تلك التبعات تراجع الاهتمام الدولي بقضايا الديمقراطية والحريات، فالصين وروسيا لن تدفعا من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي.
وأضاف أنه من شأن تراجع الدور الغربي في المنطقة التقليل من نفوذه، والقدرة على التذكير بتلك القضايا بين حين وآخر، وربما سارعت الحرب في أوكرانيا بوتيرة هذا التوجه، فقد كشفت عن عمق التوجه العربي نحو روسيا والصين، وأعادت أميركا إلى أجواء الحرب الباردة، حيث التغاضي عن قضايا الحقوق والحريات من أجل المصالح الإستراتيجية والاقتصادية الرئيسية.
