في لحظات فارقة في تاريخ مصر على يد سلطة الانقلاب التي تسببت في الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووسط تسلط عسكري وقمعي من قبل السيسي وعسكره، يأتي تمرير برلمان الانقلاب قوانين وقرارات مجهولة المعالم والأهداف، في توقيتات غريبة، خاصة في سيناء لتثير الكثير من التكهنات والمخاوف الإستراتيجية.
فمع سلسلة اجتماعات حميمية بين أعلى سلطات نظام السيسي العسكري، في مكتبة الإسكندرية خلال الأسبوع الأخير من مارس الماضي، لبحث زيادة الاستثمارات الصهيونية في سيناء، خاصة في مناطق شرم الشيخ ودهب وطابا، وتسيير خط الطيران المباشر من شرم الشيخ إلى تل أبيب، وزيادة أعداد السائحين الصهاينة إلى سيناء بديلا عن السياح الأوكرانيين والروس، جاء إعادة تفعيل قانون الطوارئ بمناطق بسيناء.
وضمن تواتر موافقات برلمان العسكر على كل مشاريع القوانين والقرارات التي يقرها السيسي ويعمل بها أولا، سواء في إطار الجوانب الأمنية في سيناء أو في ضوء خسف ونسف حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، ودون مناقشة أو مراجعة، وهو ما يحول المجالس التشريعية والرقابية في مصر إلى مجرد هوامش شكلية لإضفاء المشروعية الشكلية على السياسات.
في هذا الإطار، وافق مجلس نواب العسكر بالأغلبية، على قرار السيسي بمد فرض تدابير إضافية على منطقة شبه جزيرة سيناء لستة أشهر جديدة تبدأ من الثالث من أبريل لمواجهة أخطار وقوع جرائم إرهابية.
والغريب أن القرار لم يحدد ماهية التدابير والمناطق التي تخضع لها، وهو ما يمكن وصفه ب"الطوارئ في ثوبها الجديد".
يأتي القرار متوافقا مع سلسلة من القرارات التي تتخذ بشأن ترتيب وضع أمني واقتصادي جديد في سيناء.
في 5 دقائق!
وشهدت جلسة المجلس عرض القرار الذي حمل رقم 130 لسنة 2022 والموافقة عليه خلال أقل من خمس دقائق، قرأ خلالها رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس، أحمد العوضي، نص القرار الجمهوري قبل أن يطالب رئيس المجلس حنفي جبالي من النواب التصويت عليه، فوافق الغالبية دون توضيح أو فتح نقاش بشأن أي تفاصيل حوله.
ويمدد القرار الجديد تطبيق القرار الذي أصدره السيسي قبل ستة أشهر في الرابع من أكتوبر الماضي، بفرض تدابير إضافية في منطقة شبه جزيرة سيناء تتطابق غالبيتها مع التدابير التي كانت مطبقة وقت سريان قانون الطوارئ سواء الخاصة بفرض حظر تجوال أو الإقامة أو التردد على أماكن معينة أو إخلاء بعض المناطق أو غيرها، باستثناء؛ منح وزير الدفاع سلطة مطلقة في تحديد المناطق التي تخضع للتدابير الإضافية، وذلك في المنطقة التي تضم محافظتي شمال وجنوب سيناء ومدن ومناطق بمحافظات القناة الثلاث، وهو القرار الذي تبعه السيسي في 24 أكتوبر الماضي بإعلان إلغاء مد حالة الطوارئ المفروضة على عموم البلاد منذ 2017 وعلى سيناء منذ 2014،مبررا بأن مصر باتت واحة للأمن والاستقرار في المنطقة.
ووفق حقوقيين، فإن التدابير الجديدة هي إعادة صياغة لقانون الطوارئ مع صلاحيات أوسع بمعزل عن الرقابة والعلم العام، مشيرين إلى أن الدستور والقوانين بما فيها قانوني الطوارئ ومكافحة الإرهاب يُلزموا بتحديد المناطق الخاضعة للتدابير بشكل محدد، وبألا تتجاوز مدة فرض التدابير ستة أشهر، ولكن بموجب قرار السيسي الذي وافق البرلمان على استمرار سريانه ستة أشهر جديدة يكون للأجهزة الأمنية الممثلة في القوات المسلحة والشرطة الحق في اتخاذ أي إجراءات استثنائية في أي منطقة بشبه جزيرة سيناء دون وجود رقابة مجتمعية على أسباب أو مبررات تلك الإجراءات بخلاف الاعتبارات الأمنية.
سلطات لا نهائية للأمن
كما أن التوسع في منح الأجهزة الأمنية للدولة صلاحيات وسلطات لا نهائية لا يمكن فصله عن سلسلة من القرارات الأخيرة الخاصة بسيناء، ومن بينها القرار الخاص باستثناء مدينتي شرم الشيخ ودهب وقطاع خليج العقبة السياحي بمحافظة جنوب سيناء من أحكام قانون التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء الذي يحظر «التملك» أو «حق الانتفاع» أو «الإيجار» في الأراضي والعقارات الواقعة بالمناطق الإستراتيجية ذات الأهمية العسكرية والمناطق المتاخمة للحدود بالمنطقة، وكذلك المحميات الطبيعية وجزر البحر الأحمر، واشتراط موافقة وزارتي الدفاع والداخلية إلى جانب المخابرات العامة على الأنشطة الاقتصادية التي تتم في المناطق الثلاث.
وكانت قرارات السيسي بفرض حالة الطوارئ على سيناء التي استمرت في الفترة من أكتوبر 2014 حتى أكتوبر 2021 تشمل مناطق محددة بمحافظة شمال سيناء هي؛ تل رفح شرقا مرورا بخط الحدود الدولية وحتى العوجة، ومن غرب العريش وحتى جبل الحلال، وشمالا من غرب العريش مرورا بساحل البحر وحتى خط الحدود الدولية في رفح، وجنوبا من جبل الحلال وحتى العوجة على خط الحدود الدولية، وذلك بتحديد ساعات معينة لحظر التجوال بتلك المناطق خلال اليوم وذلك لمدة ثلاثة أشهر وتجدد.
ويسعى السيسي من خلال سياساته الأمنية في سيناء، إلى التوسع في التمدد الإسرائيلي بالمنطقة تحت شعار الاستثمار الاقتصادي، وذلك وفق احندة سابقة لصفقة القرن الأمريكية التي أتى بها دونالد ترامب قبل رحيله، والهادفة لتوطين الفلسطينيين في مناطق بسيناء تحت ستار الاستثمار وإقامة مناطق صناعية وزراعية بسيناء، تمهيدا لترانسفير نهائي لفلسطيني الداخل الفلسطيني، وإخلاء مناطق بالضفة الغربية يجري تمكين إسرائيل منها، على أن يتم ضخ نحو 20 مليار دولار في مشاريع تنموية بسيناء، في مشاريع للطاقة وتحلية المياه وإقامة محطات كهرباء تخدم الفلسطينيين وجزءا من السيناويين ، وذلك كله تحت سرية تامة وتعتيم عسكري تحت شعارات الأمن القومي ، الذي يجري هتك عرضه كل يوم من قبل السيسي وعسكره، الذين ينفذون الأجندة الإسرائيلية والأمريكية في المنطق ، بالتزام وإخلاص منقطعين النظير.