غلاء الأسعار يطيح بحكومة سيرلانكا ومصر على الطريق وفق “الأونكتاد”

- ‎فيعربي ودولي

دعا رئيس سريلانكا جو تابايا راجاباكسا، المعارضة للانضمام إلى حكومة وحدة لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وذلك بعد استقالة جميع وزراء حكومته، على إثر احتجاجات وتظاهرات  مطالبة باستقالته على خلفية ارتفاع أسعار السلع الأساسية بالبلاد وأزمة اقتصادية طاحنة كما تلك التي تمر بها مصر وكثير من الدول .

وقدم جميع الوزراء الـ26 باستثناء الرئيس جوتابايا راجاباكسا وشقيقه رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا استقالتهم، في اجتماع عقد في وقت متأخر من ليلة الأحد.

كما أعلن حاكم المصرف المركزي في سريلانكا، الذي قاوم الدعوات المتتالية لقبول مساعدة صندوق النقد الدولي، استقالته الاثنين على خلفية تصاعد الاحتجاجات.

وقبيل دعوة الرئيس، أوقفت بورصة كولومبو التداول فانخفض مؤشر الأسهم القيادية بنسبة 5,92 % بعد الافتتاح مباشرة، كرد فعل على الاستقالة الجماعية للوزراء.

وجرت احتجاجات في هذه الدولة الواقعة في جنوب شرقي آسيا بسبب النقص الحاد في السلع الأساسية والارتفاع الهائل في الأسعار، وتفاقمت الأزمة مع تفشي جائحة كوفيد-19 التي قضت على السياحة وأوقفت التحويلات المالية من السريلانكيين العاملين في الخارج، فيما فرضت السلطات حظرا واسعا على الواردات في محاولة لادخار العملات الأجنبية.

وفاقمت قرارات سياسية غير موفقة هذه المشاكل بحسب خبراء اقتصاد، فقد حرمت تخفيضات ضريبية غير مناسبة قبيل الجائحة الدولة من إيرادات وأدت إلى ارتفاع عبء الدين، وقد تطيح الأزمة الحالية بالأمل في انتعاش القطاع السياحي.

وطلبت سريلانكا مساعدة صندوق النقد الدولي، إلا أن المفاوضات قد تستمر حتى نهاية العام الحالي.

وفرض الرئيس راجاباكسا حال الطوارئ الجمعة، غداة محاولة مئات المتظاهرين اقتحام منزله في العاصمة كولومبو، وفُرض حظر تجول على مستوى البلاد حتى صباح الاثنين.

والغريب أن تطورات أزمة سريلانكا متشابهة تماما مع الأحوال التي يعايشها المجتمع المصري، من انهيار مستوى الخدمات وارتفاع جنوني للأسعار، حيث وصل سعر كيلو الباذنجان الأبيض لأكثر من 30 جنيها بالأسواق، وورق العنب إلى أكثر من 100 جنيه للكيلو، فيما تجاوزت أسعار الطماطم  15 جنيها للكيلو في الأحياء الشعبية، بينما سعر رغيف الخبز الحر يقترب من جنيهين، وسط صرخات شعبية كبيرة.

وجاءت ردود أفعال السيسي وعساكره مشابهة لمسار الرئيس السريلانكي، حيث التوجه لصندوق النقد الدولي، وطلب قروض وديون جديدة، وتضييق الوارادت وكلها إجراءات لا تفيد الاقتصاد، بل تزيد من أوجاعه.

 

مصر وسيرلانكا أوضاع متشابهة

ونهاية مارس الماضي، ذكرت منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، في تقرير لها، أن مصر عرضة لصدمة مفاجئة بسبب مزيج من ضغوط إعادة التمويل الكبيرة ونسبة خدمة الديون المرتفعة، إلى جانب سريلانكا وباكستان ومنغوليا وأنغولا، داعية إلى تحرك عاجل حيال ديون الدول الفقيرة التي أضعفتها الحرب في أوكرانيا، وما واكبها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة.

وتشهد سريلانكا اضطرابات متفاقمة، إذ انتشرت قوات الأمن في العاصمة، يوم الجمعة الماضي، غداة محاولة مئات المحتجين الغاضبين اقتحام منزل الرئيس غوتابايا راجاباكسا، احتجاجاً على طريقة إدارة حكومته الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في البلاد منذ أكثر من 70 عاما.

وبينما الوضع في مصر لم يصل إلى حد الاحتجاج، إلا أن الكثير من المصريين يجاهرون في الآونة الأخيرة بالشكوى من الغلاء والرسوم والضرائب الحكومية المتزايدة التي طاولت مختلف السلع والخدمات، وسط تعالي نبرات الضيق عبر وسائل التواصل المختلفة المقروءة والمرئية في مشهد غير مألوف، إذ كان الخوف من الملاحقات وبطش السلطات يدفع معظم المصريين إلى الصمت، لكن تزايد الأعباء المعيشية ينذر بتفجر اضطرابات اجتماعية وسياسية في البلاد، وفق تقارير دولية.

 

معالم أزمة نظام السيسي

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري إلى بلوغ الدين الخارجي نحو 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2021.

وتشير توقعات الدوائر السياسية العالمية، إلى أن الغضب الجماهيري في مصر ، سيعود حتما، للانتقام إذ أن مصدر المظالم المتمثل في عدم المساواة قد ازداد سوءا، فضلا عن الارتفاع الحاد في الأسعار وتراجع مستويات المعيشة.

فيما أشارت "فورين بوليسي" في تقرر لها مؤخرا، إلى أن التكلفة المرتفعة للديون هي التي تهدد هذه المرة بإغراق البلدان المتضررة اقتصاديا، حيث تحولت الحكومات على مدار السنوات الماضية للحصول على قروض باهظة الثمن من صندوق النقد الدولي أو الصين أو المقرضين من القطاع الخاص خلال جائحة كورونا.

ومع تصاعد الأزمة الاقتصادية، تتجه حكومة الانقلاب كما وعد مصطفى مدبولي مؤخرا إلى خفض الإنفاق على كل شيء، مثل التعليم والرعاية الصحية وغيرهما، بينما حان وقت دفع ثمن الديون، بحسب المجلة الأميركية.

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري إلى بلوغ الدين الخارجي نحو 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2021، مقسماً على دين طويل الأجل بإجمالي 125.9 مليار دولار، ودين قصير الأجل بقيمة 11.48 مليار دولار.

لكنّ مؤسسات مالية دولية تشير إلى أن الدين الخارجي الحقيقي تجاوز بكثير 150 مليار دولار، بخلاف ما يزيد على 5 تريليونات جنيه (نحو 318 مليار دولار) للدين المحلي، جراء سياسة التوسع في الاقتراض التي ينتهجها نظام السيسي لاستكمال تنفيذ بعض المشروعات الكبرى، التي يرى خبراء اقتصاد أنها لا تعود بالنفع على المواطن أو الاقتصاد، وفي مقدمتها العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة.

وتخفي الحكومة أرقام الدين المتعلقة بالشركات والجهات المحلية التي اقترضت أموالا من دول ومؤسسات أجنبية بضمان من وزارة المالية، على غرار المبالغ التي اقترضتها شركة العاصمة الإدارية من الصين لإنشاء البرج الأيقوني ومجمع الوزارات في العاصمة الجديدة..

وقفزت ديون مصر الخارجية بنحو 3 أضعاف منذ استيلاء السيسي على الحكم،  في يونيو 2014، إذ كانت في ذلك الحين نحو 46 مليار دولار.

وتقدر الفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في موازنة العام المالي الحالي 2021/2022 ،الذي ينقضي بنهاية يونيو  المقبل، بنحو 579.6 مليار جنيه (31.7 مليار دولار)، وأقساط القروض بإجمالي 593 مليار جنيه، ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة نحو 1.17 تريليون جنيه (64.1 مليار دولار).

وبجانب الدعم الخليجي الأخير لمصر، لجأت القاهرة مجددا إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، ما يظهر عدم قدرة البلد على الخروج من دوامة القروض التي تمتد آجال استحقاقها لأجيال عدة.

 ومع  استمرار الفشل الاقتصادي والسياسي لنظام السيسي ، فإن القمع الأمني سيتهاوى لا محالة أمام غضب الجماهير التي تعاني الجوع والفقر وغلاء الأسعار، وهو نفس ما توقعه تقرير الأونكتاد، حول مستقبل مصر وسيرلانكا والدول المؤيدة للاستبداد .