هل يتمكن الانقلاب من تخطي أزمة ارتفاع التضخم العالمي وهروب رأس المال؟

- ‎فيأخبار

نشر موقع “مدى مصر” باللغة الإنجليزية، تقريرا تطرق فيه إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، كما تطرق التقرير إلى السياسات التي يتعين على حكومة الانقلاب اتباعها لتخطي التهديدات المزدوجة بارتفاع التضخم العالمي وهروب رأس المال من الأسواق الناشئة.

وبحسب التقرير الذي ترجمته “الحرية والعدالة” خلال شهر مارس، اتخذت حكومة الانقلاب والبنك المركزي إجراءات ضد شبحين يلوحان في الأفق الاقتصادي لمصر، الأول هو موجة تضخم عالمية لا تزال متصاعدة ترفع تكلفة المعيشة للجمهور والإنفاق على الحكومة، والثاني هو ندرة احتياطيات العملات الأجنبية ، المورد المالي الرئيسي اللازم للحفاظ على السيولة في الحساب الجاري الوطني.

تفاقمت هذه القضايا، التي كانت كامنة خلال الأشهر الستة الماضية، في نهاية فبراير بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

ووسط رياح عالمية سائدة من عدم اليقين الاقتصادي في أعقاب عامين من الوباء، وتوقع أول زيادة في أسعار الفائدة الأمريكية منذ أربع سنوات، بدأ تدفق مستمر من المستثمرين في التحقق من أسواق السندات المصرية، بإجمالي 5 مليارات دولار أمريكي في التدفقات الخارجة في الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2021، وفقا لإصدار مارس من وكالة فيتش للتصنيف.

لكن اندلاع الحرب أثار فزع المستثمرين أكثر، وأظهرت بيانات جديدة للبنك المركزي المصري، الاثنين، أن صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي المصري انخفض في فبراير بأكثر من 60 مليار جنيه عن يناير، لينخفض إلى الأحمر بأكثر من 50 مليار جنيه.

على الأقل خرج نفس المبلغ مرة أخرى من أسواق السندات مع استمرار موجات الصدمة من الحرب طوال شهر مارس، قالت سارة سعدة، محللة الاقتصاد الكلي في مجموعة الخدمات المالية إن “سي آي كابيتال حصلت على توقعات من مصادر مصرفية تشير إلى أن حوالي 4-7 مليارات دولار من رؤوس الأموال غادرت مصر خلال مارس”.

كما أدت الحرب إلى تفاقم الضغط الذي يمارسه الوباء على سلاسل التوريد العالمية المترابطة ورفعت أسعار السلع الرئيسية التي تستوردها حكومة الانقلاب ، الطاقة والقمح والحبوب الأخرى على رأسها، قدر وزير المالية في حكومة السيسي في مارس أن ارتفاع أسعار القمح وحده سيتكبد تكاليف إضافية تصل إلى 15 مليار جنيه (حوالي 955 مليون دولار في ذلك الوقت) لميزانية العام.

مع الضغط الإضافي على فاتورة الاستيراد ونزوح العملات الأجنبية، تضاءلت احتياطيات العملات الأجنبية التي تمكنت الحكومة من الاعتماد عليها للوفاء بالتزاماتها بالعملة الأجنبية بسرعة، وتحت هذا الضغط المتزايد، تصرف البنك المركزي بعد ما يقرب من شهر من اندلاع الحرب لمحاولة زيادة جاذبية أسواق السندات في الساحة العالمية.

وفي 21 مارس، قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك في اجتماع استثنائي قبل يومين من الموعد المقرر رفع أسعار الفائدة بنسبة 1 في المائة في جميع المجالات، وفي الوقت نفسه، تم اتخاذ قرار بإزالة ربط العملة الفعلي الذي يدعم قيمة الجنيه المصري منذ التعويم الأول في عام 2016، حيث أعلن البنك المركزي أنه يؤمن بـ «مرونة سعر الصرف».

وانتشرت الآثار على الفور عبر القطاع المصرفي المحلي، حيث انخفضت قيمة الجنيه بنحو 17 في المائة على مدار اليوم، وانخفضت إلى 18.24 جنيه لكل دولار أمريكي واحد في وقت النشر، ووفقا للتشخيصات من وكالات التصنيف وآراء المحللين من شركات الأسهم والاستثمار ذات الخبرة في البيئة الاقتصادية المصرية الذين تحدثوا إلى مدى مصر، قد تساعد إجراءات مارس في وقف تدفق رأس المال الأجنبي من البلاد، ويمكن أن تجذب بعض السيولة مرة أخرى إلى سوق السندات.

ومع ذلك، أشار معظمهم إلى أن القاهرة لا تزال ملزمة بالسعي إلى مزيد من الثقل لتعزيز حيازاتها من الأصول الأجنبية، حيث يفكر معظمهم في إمكانية الحصول على قرض آخر من صندوق النقد الدولي، الذي قدمت إليه مصر طلبا رسميا للحصول على دعم سياسي أو تمويلي في 23 مارس.

 

وأشار آخرون إلى نمط تدفق الاستثمارات الخليجية خلال الأسابيع الأخيرة كإشارة إلى أن مصر سعت للحصول على مصادر أخرى غير سوق السندات المتقلبة لتعزيز قدرتها على سداد ديونها بالعملة الأجنبية.

لكن المراقبين يلاحظون أيضا أن الخطوات التي تم اتخاذها الأسبوع الماضي لا يمكن أن تفعل الكثير للتخفيف وحتى مضاعفة تأثير الضغط التضخمي العالمي على الجمهور، الذي يمكن أن يتوقع أن يشعر بآثار الزيادة المستمرة في تكلفة المعيشة لبعض الوقت في المستقبل، وأشاروا أيضا إلى أن سياسة التقشف العام التي أوصى بها صندوق النقد الدولي يمكن أن تفرض مزيدا من الضغط على الأسر في جميع أنحاء البلاد.

 

إجراءات مارس

تعتمد حكومة السيسي على استثمارات رأس المال الأجنبي في سوق ديونها لتوريد السيولة التي تحتاجها لحسابها الجاري.

بحلول نهاية عام 2021، مثلت الاستثمارات غير المقيمة في سوق السندات المصرية – المقومة بالدولار واليورو والجنيه المصري – حوالي 28.8 مليار دولار، أو 56 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي وأصول النقد الأجنبي الأخرى التي يحتفظ بها البنك المركزي، وفقا لـفيتش.

وعلى هذا النحو، فإن مصر لديها حافز لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة على أمل اجتذاب أكبر قدر ممكن من رأس المال الاستثماري إلى سوق السندات؛ الأموال المقترضة من الأسواق المتقدمة والتي يتم ضخها في الأسواق الناشئة مثل مصر للاستفادة من أفضل أسعار الفائدة الممكنة (تجارة النقل).

كانت إستراتيجية حكومة السيسي للحفاظ على سوق السندات مغرية للمتسوقين بأسعار الفائدة فعالة، مما أثار الاهتمام في البلاد ، حيث يمكن للمستثمرين شراء السندات الحكومية بالدولار والحصول على معدلات عائد تصل في المتوسط إلى 13.5 في المائة قبل الضرائب.

كما تم وضع ربط للعملة من أجل جذب المستثمرين، بعد تعويم حر مؤقت للعملة المصرية في الأسواق العالمية في عام 2016، حافظ الربط الفعلي إلى حد ما على قيمة الجنيه المصري بقيمة  15.7جنيها للدولار الأمريكي في السنوات الأخيرة، مع انخفاض طفيف في قيمته المسموح به في الأشهر الأولى من الوباء.

كان الجنيه ذا القيمة الثابتة احتمالا جذابا يمكن للمستثمرين الشراء بالدولار أو اليورو، واسترداد مدفوعات الأصل والفوائد بالجنيه المصري، لكنهم ظلوا واثقين، بفضل الربط الفعلي، من أنهم سيكونون قادرين في النهاية على تحويل عمليات الاستحواذ الخاصة بهم إلى الدولار بسعر صرف من المرجح جدا أن يكون كما كان عندما اشتروا لأول مرة.

لكن الحكومة كانت مكلفة بشكل متزايد لدعم الجنيه ، على سبيل المثال، ففي الشهرين التاليين لانتشار COVID-19 بشكل جدي في عام 2020، تم استنزاف 8 مليارات دولار من الاحتياطيات الأجنبية لمصر، حيث امتص البنك المركزي العملات الأجنبية من ميزانيات البنوك لرفع قيمة الجنيه، وبحلول أوائل عام 2022، أشارت وكالة فيتش إلى أن قدرة مصر على الوفاء بجدول سداد ديونها يمكن أن تتأثر إذا استمرت حيازات الأصول الأجنبية في التضاؤل.

كان هذا الاتجاه ينطوي على إمكانية إثارة قلق المستثمرين، الذين قد يخشون أن يضطر البنك المركزي فجأة إلى التراجع عن دعم الجنيه، مما يستتبع انخفاضا حادا ومفاجئا في قيمة الجنيه، وبالتالي في قيمة أي ديون مصرية قائمة، الأوراق المالية التي يحتفظ بها المستثمرون الأجانب.

كان أفضل سيناريو لتهدئة المستثمرين، إذن، هو تسهيل قيمة منخفضة نسبيا للجنيه على أساس عوامل العرض والطلب العادية قدر الإمكان مع ثبات قيمة الجنيه بالتزامن مع الأسواق العالمية، سيتمكن المستثمرون من شراء أوراق الدين بأسعار منخفضة نسبيا والتنبؤ بالمبلغ الذي سيستحقونه وقتما يريدون البيع أو الخروج من مصر، بينما يمكن للمستثمرين أيضا استخدام عملاتهم القوية لشراء الديون المصرية المحولة إلى أوراق مالية بتكاليف أقل.

ويوفر رفع أسعار الفائدة أيضا حافزا إضافيا للمستثمرين الأجانب، من الناحية النظرية.

وكان التلاعب بقيمة الجنيه وتعديل أسعار الفائدة الأدوات المتاحة في ترسانة السياسة النقدية للبنك المركزي التي تهدف إلى زيادة عوامل الجذب النسبية لسندات الدين المصرية داخل مجال الأسواق الناشئة قدر الإمكان.

 

حدود السياسة النقدية في عالم معولم

لكن مثل هذا الاعتماد الساحق على المستثمرين الأجانب يجعل البلاد حتما عرضة للأحداث على المسرح العالمي، وكيف تؤثر هذه على معنويات المستثمرين.

قالت سارة سعدة، خبيرة الاقتصاد الكلي في CI Capital إن “المتسوقين بأسعار الفائدة، الذين غالبا ما يكونون صناديق وليس أفرادا، يتخذون قرارات بشأن توزيع استثماراتهم في أسواق الديون بناء على الوزن النسبي الممنوح لأنواع مختلفة من الأسواق، ما يعني أنه في حين أن مصر يمكنها تحفيز الاستثمار في أسواق السندات الخاصة بها، إلا أنها تظل محدودة بسبب تصنيفها كسوق ناشئة، مضيفة ما يحدث حاليا هو انخفاض كبير في الوزن النسبي الإجمالي للأسواق الناشئة».

قال محلل الاقتصاد الكلي في مجموعة مالية بارزة تحدث إلى مدى مصر شريطة عدم الكشف عن هويته «المستثمرون في الديون المصرية لن يغادروا لأسباب تتعلق بهذا السوق نفسه».

وأضاف المصدر أنه من المعتاد أن ينسحب المستثمرون الذين لديهم أموال في الأسواق الناشئة بشكل إستراتيجي إلى ملاذات أكثر أمانا في أوقات الأزمات، بغض النظر عن مدى جاذبية السوق الناشئة.

قدمت الملاذات الأكثر أمانا نفسها في شهر مارس من هذا العام في شكل الولايات المتحدة، حيث قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مارس رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.5 في المائة لأول مرة منذ عام 2018 وانطلق في ست زيادات أخرى على مدار عام 2022، مما جعل سندات الدين الأمريكية في النهاية، أكثر جاذبية.

بشكل عام، يتفق الخبراء على أن هروب رأس المال الأجنبي كان مدفوعا بالظروف العالمية، وليس قضية يمكن معالجتها محليا.

 

ما مدى فعالية القرارات ؟

على هذا النحو، ربما يكون تأثير قرارات 21 مارس قد فعل شيئا لوقف التدفقات الخارجة، لكن مصر لا تزال تحت رحمة ارتفاع التضخم العالمي وما يترتب على ذلك من معنويات المستثمرين.

وقال سعدة إن “قرار رفع سعر الفائدة وتعويم الجنيه من المرجح أن يكون قد أدى إلى توقف التدفقات الخارجة، التي بدأت في التباطؤ في منتصف مارس ، لكن رأس المال الأجنبي لم يستأنف بعد تدفقه إلى سوق الديون الحكومية، ولا يزال من السابق لأوانه الحديث عن ذلك».

في حين أن دعم الجنيه لن يؤتي ثماره بعد الآن في حيازات الأصول الأجنبية، فإن معدلات التضخم المرتفعة في أسواق السلع العالمية لا تزال تمثل استنزافا.

من المحتمل أن يؤدي الانخفاض في قيمة الجنيه إلى رفع الأسعار للمستهلكين في مصر،  على الرغم من أن إدخال قيمة جديدة للدولار الجمركي في 22 مارس من شأنه أن يخفف من ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة. وقالت رضوى السويفي، رئيس الأبحاث في فاروس القابضة للاستثمارات المالية، إن “هذا عامل تضخمي أقل بكثير من ارتفاع أسعار السلع العالمية، مضيفة أنه بينما انخفضت قيمة الجنيه بنحو 17 في المائة نتيجة إعادة تعويم العملة، ارتفعت تكاليف بعض السلع بنسبة تصل إلى 50-200 في المائة”.

من المحتم أيضا أن يترك رفع سعر الفائدة تأثيرا على تخطيط ميزانية الحكومة وإنفاقها. كما أشار الخبير الاقتصادي عمرو عدلي لمدى مصر، في حين أن زيادة سعر الفائدة قد تجذب مستثمري الديون الخارجية، إلا أنها تمثل تكاليف إضافية للمقترضين المحليين من البنوك المصرية، وأكبرها الحكومة نفسها.

واتخذت حكومة السيسي خطوات أخرى للتخفيف من آثار ارتفاع التضخم وخفض قيمة الجنيه على المواطنين، بما في ذلك تحديد بورصة جمركية مربوطة بالدولار  16جنيها لكل دولار واحد  لواردات السلع الأساسية والمواد الخام، بما في ذلك القمح، وأشار عدلي بشكل عام إلى أن الحكومة تنفذ برامج دعم اجتماعي تستهدف أفقر قطاعات السكان، وهي إحدى الأدوات التي اقترحتها المؤسسات المالية الدولية في السنوات الأخيرة لتقليل التكلفة الاجتماعية لسياسات التضخم والتقشف.

لكنه أشار إلى أن مثل هذه البرامج لا تعالج آثار هذه السياسات الاقتصادية على قطاعات أخرى من السكان لا يزال يتعين عليهم مواجهة ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الدخل نتيجة لذلك.

في غضون ذلك، قالت منى بدير، كبيرة الاقتصاديين في Prime Securities، إن “الخيارات الأكثر قابلية للتطبيق لمصر لدعم حيازاتها من الأصول الأجنبية هي اللجوء إلى صندوق النقد الدولي و الشركاء الإستراتيجيين في الخليج».

12 مليار دولار من حيازات البنك المركزي في نهاية سبتمبر 2021، أو حوالي 23 في المائة من حيازات الأصول الأجنبية في ذلك الوقت، تتكون من ودائع من دول مجلس التعاون الخليجي وفقا لتقرير البنك المركزي عن الوضع الخارجي للاقتصاد المصري، مع 5.7 مليار دولار من الإمارات، و 4 مليارات دولار من الكويت و 2.3 مليار دولار من المملكة العربية السعودية.

على مدى الأسبوعين الماضيين، حصلت مصر على حوالي 22 مليار دولار من دول الخليج.

أعلنت المملكة العربية السعودية في 30 مارس عن وديعة إضافية بقيمة 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى منصة استثمارية تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار يمكن أن تشهد مطالبة الرياض بأصول بما في ذلك جزء من حديقة بنبان للطاقة الشمسية ، وفقا للتعليقات الأخيرة من أيمن سليمان، رئيس مجلس إدارة صندوق الثروة السيادية، الذي يدير مختلف الشركات المملوكة للدولة.

كما تحركت المملكة العربية السعودية بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا لتمديد فترة الوديعة الحالية البالغة 2.3 مليار دولار حتى عام 2026، بالتزامن مع زيارة قام بها عبد الفتاح السيسي إلى المملكة.

أما بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، فقد تعهد الصندوق السيادي لأبو ظبي أيضا بتقديم ملياري دولار، بعضها سيذهب إلى الأصول المصرية المملوكة للدولة بما في ذلك أبو قير للأسمدة ومصر للأسمدة وشركة الإسكندرية للحاويات ومناولة البضائع، حسبما قال مصدر مجهول قريب من الصفقة لبلومبرج

كما اتفقت قطر ومصر على توقيع صفقات استثمار بقيمة 5 مليارات دولار، بحسب بيان لمجلس الوزراء المصري صدر بعد يوم من زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني للقاهرة.