رغم البروباجندا الزاعقة والدعاية الضخمة.. هذه أسباب فشل «الاختيار 3»

- ‎فيتقارير

حقق الجزء الأول من "الاختيار" نجاحا واسعا بلا شك؛ ذلك أن المسلسل حينها استهدف ترميم شعبية المؤسسة العسكرية، من خلال تأسيس العمل على مقارنة العقيد أحمد منسي الذي قتل دفاعا عن الوطن لا النظام (حسب رواية المسلسل)، والضابط هشام العشماوي الذي كان يمثل تنظيم "داعش" من وجهة نظر القائمين على العمل. أسهم في نجاح العمل عدة أمور أبرزها أن شعبية تنظيم داعش في الحضيض ولا يتمتع بأي دعم أو مساندة شعبية، كما أن المؤسسة  العسكرية رغم التراجع الحاد في شعبيتها في أعقاب الانقلاب وما تلاه من مذابح ونكسات وتفريط في التراب الوطني وحقوق مصر المائية، إلا أنها لا تزال تحظى بشيء من الدعم الشعبي، ومن جهة ثالثة، فإن الجزء الأول تناول أحداث سيناء التي يضع النظام عليها سياجا من السرية والكتمان، ومن جهة رابعة، كان لتوظيف الحركة والإثارة والمشاهد المسلحة القوية دور في نجاح العمل.

نجاح الجزء الأول، أغرى جهاز المخابرات الذي يهيمن على سوق الدراما بعمل الجزء الثاني، واستهدف القائمون منه ترويج سردية السلطة عن ثورة يناير وانقلاب 3 يوليو بوصفه ثورة،  كما استهدف ترميم شعبية جهاز الأمن الوطني، وركز بشدة على مذبحة رابعة محاولا غسل يد الجيش والشرطة من أكبر جريمة وحشية بحق آلاف المصريين في يوم واحد؛ بإلقاء التهمة على الضحايا وإظهارهم بصورة البلطجية رغم أنهم كانوا يدافعون بكل سلمية عن سلطة شرعية منتخبة من الشعب ضد عصابة منقلبة طامعة في السلطة اختطفت مؤسسات الدولة لحساب مصالحها الخاصة وحساب رعاتها في الخارج (إسرائيل ــ الولايات المتحدة ـ الخليج).

لم يحقق الجزء الثاني نجاحا كما حدث في الجزء الأول؛ بل أشعل الصراع المجتمعي وكرس الانقسام الحاد داخل المجتمع المصري؛ ذلك أن جماعة الإخوان ليست كداعش حتى وإن حاول النظام الترويج لهذه الأكذوبة؛ فالجماعة تحظى بشعبية معتبرة ولها حاضنة شعبية لا يستهان بها، وللجماعة تاريخ وطني حافل سياسيا ودعويا واجتماعا، ورموزها وعناصرها مشهود لهم بحسن السمعة والتميز والمكانة الاجتماعية المرموقة، أسهم في عدم نجاح العمل أيضا كالجزء الأول أن الأحداث لا تزال غضة ومعظم الناس عاينوها رأي العين ولكثير من المصريين صلات وعلاقات برموز وعناصر الجماعة ويدركون تماما حجم الظلم الواقع عليهم من جانب سلطة 3 يوليو العسكرية.

أما الجزء الثالث، فإن الهدف منه هو الدعاية الفجة للدكتاتور عبدالفتاح السيسي،  وترميم شعبيته المتآكلة، عبر الإلحاح على سردية السلطة عن الأحداث والإصرار على تضخيم الدور الذي قام به السيسي بوصفه عملا بطوليا شجاعا رغم أنه ارتكب جريمة مركبة من عدة جرائم، خان ولاء القسم للرئيس، وغدر به، وزج به وبالآلاف من أنصاره في السجن ظلما وعدوانا، واختطف الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة لخدمة أغراضه الدنيئة، وقتل آلاف المصريين في عشرات الجرائم الوحشية التي لم تحدث من قبل، وحتى اليوم لا يزال بهذا المسلسل يصر على  تشويه صورة الرئيس المدني المنتخب الشهيد محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين؛ في سلوك انتهازي رخيص يوظف كل مؤسسات الدولة وإمكانتها لاختطاف التاريخ والحقيقة،  ومحاولة تكريس نسخة مزيفة عن الأحداث التي لا يزال كثير ممن عاشوها وعاينوها أحياء يرزقون. ولايزال عشرات الآلاف من العلماء والدعاة والمفكرين في السجون والمعتقلات يبرهنون بما يتعرضون له من ظلم ومحاكمات جائرة تفتقد لأدنى مقومات العدالة،  على أن مصر في عهد السيسي تعيش أزهى عصور الظلم والظلمات.

مشكلة الجزء الثالث أنه يأتي في وقت لا يتمتع فيه النظام بأي شعبية تذكر؛ لم يعد له بين المصريين رصيد، وأجهزة السيسي الأمنية يدركون ذلك أكثر من غيرهم، ويعلمون علم اليقين أن الغلاء الفاحش الذي لا يتوقف منذ قرارات التعويم في نوفمبر 2016م قتل في المصريين أي دعم أو مساندة للنظام؛ فالكل يعاني بشدة جراء هذه الأوضاع المتردية وغير المسبوقة، وحتى آولئك الذين كانوا يدعمون النظام باتوا يلعنون اليوم الذي جاء فيه. كما أسقط النظام مصر في مستنقع الديون الباهظة حيث استدان وحده في غضون ست سنوات أربعة أضعاف ما اقترضه جميع حكام مصر السابقون في مائة سنة. وفرط في تراب مصر الوطني، بالتنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية بعدما داس على أحكام القضاء الباتة والقاطعة بمصرية الجزيرتين، كما فرط في حصة مصر المائية بالتوقيع على اتفاق المبادئ بالخرطوم في مارس 2015م، وتحول إلى حليف للكيان الصهيوني، ويرمي بمئات المليارات على مشروعات عبثية بلا أي  جدوى اقتصادية؛ فالشعب فقير وجائع، هو حريص كل الحرص على بناء المدن الجديدة والقصور الفارهة وشراء طائرات رئاسية فخمة وبناء عشرات السجون لقمع المزيد من المصريين. وترك مصر عارية تتسول من هنا وهناك بعدما فشل في إدارة موارد الدولة على نحو صحيح، ولم يكثرث مرارا  للنداءات التي تطالب بضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء باعتباره ضمانة رئيسية لأمن مصر القومي.

الجزء الثاني (الاختيار 2) تصادم مع الإخوان والمتعاطفين معهم وهؤلاء يقدرون بالملايين، لذلك انقسم المصريون حوله، أما الجزء الثالث (الاختيار 3)، فإنه يتصادم مع المصريين جميعا؛ يريد عبر الدراما أن يسوق السيسي باعتباره بطلا قوميا أنقذهم من الخراب والدمار، لكن الناس لم يروا الخراب والدمار إلا على يديه؛ معظم المصريين غير المسيسين قد لا يكون لديهم تحفظات على أن يكون السيسي رئيسا حتى لو اغتصب السلطة بالعنف والإرهاب والانقلاب العسكري؛ لكنهم يشترطون مقابل ذلك أن يحسن مستوى معيشتهم ويوفر لهم ولأبنائهم فرص العمل وألا يجعلهم عرضة للفقر والجوع. لكن السيسي لم يفعل شيئا من ذلك؛ فمعظم المصريين لا يرون السيسي إلا دكتاتورا ظالما مزق البلاد وكرس الانقسام ونشر الفقر في أرجائها؛ فالمصريون لا يعنيهم سوى المعاناة التي يتعرضون له كل يوم بفعل الغلاء الفاحش والأسعار الملتهبة، والرسوم والضرائب الباهظة التي يفرضها النظام على المصريين، وسقوط عشرات الملايين منهم تحت خط الفقر، فباتوا لا يستطيعون توفير حاجاتهم الضرورية من الطعام والشراب والملبس والمأوى. فهل يرمم مسلسل أنفقت عليه المخابرات ببذخ شديد شعبية السيسي ونظامه في ظل هذه الأوضاع الكارثية؟ النظام نفسه يشك في ذلك. لكل هذه الأسباب، استقبل المصريون المسلسل بسخرية لاذعة وتهكم واسع، قد يشاهدونه كنوع من التسلية لكن وعيهم بهذه الحقائق كبير وكبير جدا، وباتوا على وعي كامل بأن الهدف هو الدعاية الفجة والزاعقة والبروباجندا الممولة من جيوبهم لتعويم السيسي من جديد بعدما تآكلت شعبيته وباتت دون الحضيض.