وفقا لأرقام مشروع الموازنة الجديدة.. مصر تسقط في دائرة الديون الجهنمية

- ‎فيأخبار

تؤكد أرقام مشروع الموازنة الجديدة (2022/2023) إلى وقوع مصر فريسة في دائرة الديون الجهنمية؛ بمعنى عدم قدرة الحكومة على إدارة موارد الدولة بشكل صحيح بما يحقق وفرة في الإيرادات يمكنها من سداد فوائد الديون  وأقساطها المستحقة في المواعيد المقررة؛ وبالتالي يلجأ النظام إلى الاقتراض من أجل سداد الديون؛ وهو ما يؤدي إلى تزايد مضطرد في حجم الديون وفوائدها على نحو لا يتوقف أبدا في ظل عجز النظام عن وضع حد لهذا التدهور المستمر والمتواصل رغم تبنيه مسار الاقتراض من صندوق النقد الدولي منذ نوفمبر 2016م، تحت لافتة «برنامج الإصلاح الاقتصادي»، لكن ما يجري الآن هو «برنامج الخراب الاقتصادي» وتدمير مصر وتقويض أي معنى لسيادتها واستقلالها حيث بات الصندوق يشرف فعليا على السياسات المالية المصرية في ظل توجه النظام نحو قرض جديد بعدما اقتراض من قبل أكثر من 20 مليار دولار من الصندوق في ثلاث اتفاقات سابقة.

في ظل حملة البروباجندا التي لا تتوقف من جانب نظام الانقلاب وحكومته وآلته الإعلامية الضخة حول الإنجازات غير المسبوقة والمشروعات القومية العملاقة وما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، فإن أرقام مشروع الموازنة القادمة (2022/2023) تعصف بأي معنى لهذه الحملات الدعائية الضخمة التي يستهدف بها تضليل الجماهير عن حقيقة الأوضاع المتردية. ووفقا لهذه الأرقام فإن فوائد الديون ارتفعت بنسبة 19.2% عن العام الحالي لتصل إلى نحو 690.1 مليار جنيه بزيادة قدرها (110.2 مليار جنيه) معنى ذلك أن السسي اقترض أكثر من تريليون جنيه (ألف مليار) خلال سنة وحدة فقط!

وقفزت مخصصات سداد القروض المحلية والأجنبية من 593 مليار جنيه في موازنة 2021-2022، إلى 965 ملياراً و488 مليون جنيه في موازنة 2022-2023، بزيادة تقدر بنحو 372 ملياراً و488 مليون جنيه، وبنسبة ارتفاع بلغت 62.8%، الأمر الذي صاحبته زيادة متوقعة في الاقتراض وإصدار الأوراق المالية -بخلاف الأسهم- من تريليون و68 ملياراً و508 ملايين جنيه في العام المالي الجاري، إلى تريليون و523 ملياراً و639 مليون جنيه في العام المالي الجديد، بزيادة تبلغ 455 ملياراً و131 مليون جنيه.

معنى ذلك أن فوئد الديون ومخصصات سداد الديون تصل إلى (690.1 + 965.48= 1,655 تريليون جنيه). وبينما يصل حجم الدين الخارجي إلى نحو 150 مليار دولار والمحلي إلى نحو 6 تريليونات جنيه، فإن الحكومة لا تزال تخفي الأرقام الحقيقية لحجم الديون، خصوصا أرقام الديون المتعلقة بالشركات والجهات المحلية التي اقترضت أموالاً من دول ومؤسسات أجنبية بضمان من وزارة المالية، على غرار المبالغ التي اقترضتها شركة العاصمة الإدارية من الصين لإنشاء البرج الأيقوني ومجمع الوزارات في العاصمة الجديدة (شرق القاهرة).

أيضا فإن قيمة العجز المتوقع يصل إلى 553 مليار جنيه، لأن   حجم  الإيرادات المتوقعة نحو (1.517) تريليون جنيه، بينما حجم المصروفات نحو (2.07) تريليون جنيه!

وتستهدف الحكومة في الموازنة الجديدة (22/23) إيرادات ضريبة من 983 مليارا و10 ملايين جنيه، في العام الحالي إلى (1.168) تريليونا، بزيادة تقدر بنحو 185 مليارا و785 مليون جنيه، كلها ستكون من جيوب المواطنين في ظل هذا الركود والغلاء الفاحش. في ظل تراجع المنح من  مليار و541 مليون جنيه إلى 912 مليون جنيه، والإيرادات الأخرى من 380 ملياراً و608 ملايين جنيه إلى 348 ملياراً و147 مليون جنيه.

ورغم هذه الأرقام المخيفة والمرعبة، فإن الحكومة في مشروع الموازنة الجديدة رفعت من اعتمادات بند "المصروفات الأخرى"، المخصص لميزانيات وزارة الدفاع وجهازي المخابرات العامة والحربية، وغيرها من جهات الأمن القومي، ومجلسي النواب والشيوخ، من 113 ملياراً و787 مليون جنيه إلى 122 ملياراً و700 مليار جنيه، بزيادة تقدر بنحو 8 مليارات و913 مليون جنيه، وهو البند الذي يدرج "رقماً واحداً" للموافقة عليه جملة واحدة، من دون أي مناقشة تفصيلية لتلك المخصصات داخل مجلس النواب.

 

احتلال بسبب الديون

وعرفت مصر الدين العام الخارجي للمرة الأولى في عهد سعيد باشا في عام 1876 بقيمة 23.4 مليون دولار، وزاد هذا الدين بنسبة 405.6% ليبلغ نحو 118.3 مليون دولار عام 1878 في عهد الخديو إسماعيل، بما يمثل 100% من الناتج المحلي الإجمالي. وتنامى الدين العام الخارجي لمصر خلال الفترة من عام 1876 وحتى عام 1887 بنسبة 8.1% ليصل إلى 296 مليون دولار عام 1878، بعد أن أصبحت إدارة المالية المصرية في يد المراقبين الماليين من الأجانب، ثم تواصل نموه في عهد الاحتلال البريطاني بنسبة 17.9% خلال الفترة من عام 1878 وحتى عام 1900 ليصل إلى 348 مليون دولار، ثم تم سداد الديون الخارجية لمصر من خلال قانون تمصير الدين المصري في عام 1943، الذي عمل على تحويل الدين الخارجي إلى دين داخلي.

 

ديون عبدالناصر

عرفت مصر الديون الخارجية لأول مرة بعد انقلاب 23 يوليو 1952م،  في عهد الدكتاتور الراحل جمال عبد الناصر، الذي حكم مصر 16 عاماً، من 1954 إلى 1970، إذ اتجه "عبد الناصر" إلى الاقتراض الخارجي، وذلك بدعوى بناء جيش حديث عام 1956، ووصلت الديون الخارجية في نهاية عهده إلى 1.7 مليار دولار، وهو رقم  مهول وفقا لأرقام هذه الفترة. وبعد تولي الرئيس الراحل أنور السادات مقاليد الحُكم في 1970، ارتفع الدين الخارجي إلى 2.6 مليار دولار بسبب خوض حرب أكتوبر، وعقب انتهاء الحرب تضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر 8 أضعاف قبل وفاة الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1981، ووصلت إلى 22 مليار دولار.

وتضاعفت الديون في عهد مبارك على مرحلتين، بالنسبة إلى الدين العام الخارجي، الأولى كانت ما قبل حرب الخليج، وتحديداً عام 1991، إذ وصل الدين العام الخارجي إلى 47.6 مليار دولار في يونيو 1990 بزيادة نحو 37% عما كان عليه الحال في نهاية حكم الرئيس الراحل أنور السادات. المرحلة الثانية بعد حرب الخليج، ونتيجة لإعفاء مصر من نصف ديونها حتى وصل الدين العام الخارجي إلى أدنى انخفاض له في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك في يونيو (حزيران) من العام 1994، وبلغ 24 مليار دولار، ثم ارتفعت إلى 34 مليار دولار مع نهاية 2010م.

وارتفعت الديون في عهد المجلس العسكري والرئيس مرسي إلى 43 مليار دولار، ونحو 1.3 مليار جنيه، لكن القفزة الهائلة جرت في عهد السيسي حيث تصل الديون الخارجية حاليا إلى نحو 150 مليار دولار والديون المحلية نحو 6 تريليونات جنيه، بمعنى أن السيسي وحده اقترض ثلاثة أضعاف كل ما اقترضه حكام مصر على مدار أاكثر من مائة سنة.