بعدما رفع صندوق النقد الدولي، في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي الأخير" 20 أبريل 2022، توقعاته لنمو اقتصاد مصر رغم "التباطؤ الكبير" في النمو العالمي، خرجت مديرة صندوق الدولي كريستالينا جور جييفا في اليوم التالي لتقول إن "أوضاع الاقتصاد المصري تتدهور، وهناك عدد كبير من الناس في مصر معرضون لأوضاع معيشية صعبة، ما أثار تساؤلات، لماذا يصدر الصندوق تقارير مزورة عن حالة الاقتصاد المصري ، بينما يعترف رؤساؤه بانهيار الاقتصاد المصري؟
https://pbs.twimg.com/media/FQyl_2yWQAoMvRt?format=jpg&name=medium
هل هي مجاملة للسيسي؟ خاصة أن الدول الغربية الكبرى هي التي تسيطر على مجلس إدارة الصندوق ، وتسعى لعدم إثارة الفزع حول اقتصاد مصر ، وانهيار حكم السيسي الذي يقدم لها خدمات تضمن مصالحها على حساب المصريين؟ أم لرغبة الصندوق في ضمان تحصيل أمواله من مصر فيصدر تقارير وهمية كاذبة بأن الاقتصاد يتحسن فيقرض مصر المزيد والمزيد، ما يسعد السيسي الذي يعتمد على زيادة القروض لتوريط الغرب في دعم نظامه ، كي يضمنوا الحصول علي أمولهم؟
وبرغم حديث مديرة الصندوق عن تدهور اقتصاد مصر ، خرجت وكالة الأنباء الرسمية والصحف الحكومية لتنشر صورة وردية وتزعم أن الصندوق أشاد بالاقتصاد المصري.
https://pbs.twimg.com/media/FQ1RapiXMBYtxiV?format=jpg&name=large
https://pbs.twimg.com/media/FQz-uJSXMAATDgO?format=jpg&name=small
أموال للطغاة
هذه الرابطة المشبوهة بين صندوق النقد الدولي ونظام السيسي تحدثت عنها دراسة لمعهد كارنيجي بعنوان "أموال للطغاة ورعاة السيسي الدوليين".
https://carnegieendowment.org/sada/83312
أكدت الدراسة أن نظام السيسي يعتمد إستراتيجية اقتصادية تؤدي حكما إلى تصادم أي مطالب ناشئة بتحقيق الديمقراطية مع المصالح الدولية، بما يجعل الغرب لا يطالبه بالديمقراطية خوفا على أمواله ومصالحه.
الدراسة أوضحت أن نظام السيسي يتبع سياسة تقوم على حجز موقع قوي له في المنظومة المالية العالمية من أجل ربط استقراره بالمصالح الاقتصادية للمنظمات الدولية والدول الغربية والشركات الخاصة.
يزيد من الاقتراض كي يورط مصر في لعبة مصالح دولية مع الدول الكبرى التي تدير البنك والصندوق الدوليين، بما يجعل هذه الدول تضطر لدعمه في الحكم لضمان الحصول على أموالها ، مقابل مزيد من الأعباء على الشعب بالضرائب والغلاء ورفع الدعم نهائيا.
لذلك تقول الدراسة إن "مصر السيسي تعتمد بشدة على الديون لتوليد أشكال من التبعية المالية بين النظام والفرقاء الدوليين.
ولهذا، ولكي تسوق قرضاجديدا من الصندوق لمصر ورغم حديثها عن انهيار اقتصادها، قالت مديرة صندوق النقد إن "الاقتصاد المصري بحاجة لاستكمال الإصلاحات وحماية الضعفاء، أي يحتاج لقروض جديدة لاصلاح ما أفسدته القروض السابقة".
ويقول الخبير الدكتور نايل شافعي "ما هي الإصلاحات التي تريد مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، أن تتواصل في مصر؟ علما بأن كل السياسات المالية في مصر منذ 1982 هي من تصميم وإملاء صندوق النقد الدولي".
مصر "فلتة"
فقد خفض الصندوق توقعاته للنمو في العالم كله خلال عامي 2022 و2023 إلى 3.6% بدلا من توقعه السابق وهو 6.1%، بسبب الحرب في أوكرانيا، لكنه اعتبر مصر فلتة عصرها وزمانها ، في ظل حكم السيسي وتحقق نموا كبيرا.
زعم أن تخالف الاتجاه هذا العام، حيث رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الحالي، على الرغم من أن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة يهدد النشاط الاقتصادي.
توقع صندوق النقد أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.9% في العام المالي 2022/2021، بزيادة 0.3 نقطة مئوية عن توقعاته السابقة في يناير 2022 وتعد هذه المرة الثانية التي يرفع فيها صندوق النقد توقعاته للنمو في مصر هذا العام.
الطريف أن توقعات الصندوق أكثر تفاؤلا من الأرقام الرسمية المصرية ، حيث خفضت الحكومة مؤخرا توقعاتها للنمو في العام المالي الحالي إلى 5.7% من 6.2 -6.5% بسبب التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، أي أن الصندوق ملكي أكثر من الملك!
ما لا يعرفه كثيرون هو أن مصر تتبع سنة مالية مختلفة عن كثير من دول العالم، إذ تستند توقعات الاقتصاد العالمي لصندوق النقد الدولي ومعظم توقعاته الخاصة بالدول، إلى بيانات السنة المالية التي تبدأ من يناير وتنتهي في ديسمبر، في حين أن مصر تتبع موازنتها السنة المالية التي تبدأ في يوليو وتنتهي في يونيو من العام التالي، مما يعني أن تأثير الحرب التي اندلعت في نهاية فبراير لن يظهر سوى العام المقبل في أرقام الموازنة المصرية، وبالتالي فتوقعات صندوق النقد مزيفة ولا تعرب عن حقيقة الانهيار.
وتجري مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض جديد، ما يفسر حرص الصندوق على إصدار تقرير تشيد باقتصاد مصر ، لأنه هو الذي وضع الخطط التي تسير عليها السلطة ومن الصعب أن يعترف بفشله، كما أن هذا الإغراق لمصر في الديون يجعل الصندوق والدول الكبرى التي تديره تسيطر على القرار السيادي المصري ويحرك المندوب السامي للصندوق في وزارة المالية المصري الاقتصاد المصري كيفا يشاء.
مسرحية برلمانية
الأكثر طرافة أن نظام السيسي أخرج تمثيلية محكمة لنوابه الذين اختارتهم المخابرات كي يخرجوا وينتقدوا السياسة الاقتصادية للحكومة، اعترافا منه بالفشل في ظل الحديث عن قرب التمهيد لإعلان الإفلاس الرسمي أي عدم القدرة على سداد الديون، بينما الصندوق الدولي مُصر على أن الاقتصاد المصري يحقق نموا.
ففي مشهد نادر للمعارضة تحت قبة البرلمان المصري خلال السنوات الأخيرة، طالبت النائبة المصرية، مها عبد الناصر، بإقالة الحكومة ومحاسبة المسؤولين فيها، على إهدار المال العام، وفشل إدارة الدولة.
وخلال الجلسة العامة في البرلمان، قالت إن "الملاحظات الأساسية التي أوردتها لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في تقريرها، كفيلة ليس فقط بالرفض ولكن بإقالة الحكومة".
وقالت النائبة مجلس النواب، إن "موازنة الحكومة تظهر فشلا إداريا واضحا وتجاوزات تستدعي تحويل مسؤولين للتحقيق بتهمة إهدار المال العام"، حسب قولها.
الأكثر غرابة قولها إن "هذه الحكومة أفقرت المصريين وأغرقتهم في الديون وليس لديها أي فكر، وحولت مصر لبيئة طاردة للاستثمار، وبدلا من أن تأتي بالاستثمارات، تفرض ضرائب على المواطنين، وعلى الحكومة إما بالاستجابة لجميع الملاحظات أو الرحيل".
وكان مستغربا أيضا أن يهاجم النواب الحكومة ويكشفون أن قرض تنمية الصعيد، تم صرف أمواله على شراء سيارات فارهة لبعض المسؤولين ويتم تجديد هذه السيارات كل عام، وهي وقائع يجب أن تُحال للنيابة العامة التي تفرغت فقط لمطاردة المصريين الناقمين على الحكم وسجنهم وتبرير قتل المعارضين بأكاذيب تسمى تحقيقات النيابة.
وهو ما فسره محللون على أن السيسي يسعى لتحميل مصطفى مدبولي وزر سياساته الفاشلة وإهداره أموال مصر في صحراء العاصمة الإدارية وقصوره ونهب الباقي له ولجنرالات الجيش، بحيث يقيله ويأتي بآخر كلعبة معروفة قديمة بغرض تهدئة الغضب الشعبي ، وإيهام المصريين أن رئيس الوزراء الذي ينفذ سياسة السيسي هو سبب الفشل الاقتصادي والخراب.
ديون لسداد ديون!!
كان ملفتا أيضا أن يقول نواب حقائق لأول مرة وهي أن "مصر تقتر لسداد قروض، أي ديون لسداد أقساط الديون ما يزيد من الديون ويحمل الأجيال المقبلة أوضاعا في غاية السوء ورهن إرادة مصر للخارج حتى ولو جاء نظام مختلفة عن الانقلاب".
فقد أكد النائب ببرلمان الانقلاب أحمد الشرقاوي أن مشكلة الديون كارثية ومنذ 7 سنوات نبدي الملاحظات نفسها، لكن لا أحد يستمع إلينا.
ولأنها تمثيلة برلمانية وحتى لو كان ما قيل من النواب جاء بعدما فاض بهم الكيل من فشل نظام السيسي، ورغم إعلان أكثر من عشرة نواب رفضهم للموازنة، فقد قرر البرلمان الملاكي الموافقة عليها، محولا التوصيات والانتقادات للحكومة للنظر بشأنها.
وأظهرت بيانات البنك المركزي، ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنهاية الربع الثاني من العام المالي الجاري 2021-2022 بنحو 8.1 مليار دولار مقارنة بالربع السابق له من نفس العام المالي الجاري.
وبحسب تقرير المركزي عن الدين الخارجي المنشور على موقعه الإلكتروني، فإن إجمالي الدين الخارجي لمصر ارتفع إلى 145.529 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من العام المالي الجاري من أكتوبر إلى ديسمبر مقابل 137.420 مليار دولار في الربع السابق له من يوليو إلى سبتمبر.
ومثلت الديون طويلة الأجل النصيب الأكبر من الديون، بقيمة بلغت 132.7 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من العام المالي الجاري، مقابل 125.939 مليار دولار في الربع السابق له من نفس العام بحسب بيانات المركزي.
وبلغت نسبة الديون قصيرة الأجل 12.842 مليار دولار من إجمالي الدين الخارجي، خلال الربع الثاني من العام المالي الجاري مقارنة بنحو 11.480 مليار دولار في الربع السابق له من نفس العام.
واقترضت مصر حوالي 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي منذ عام 2016، مما جعلها في المرتبة الثانية بعد الأرجنتين في الحصول على مساعدات من الصندوق منذ الثمانينيات.
وفي عامي 2020 و2021، أنفقت الحكومة المصرية أكثر من 40 في المئة من إيراداتها في خدمة ديونها، ومن المتوقع أن تستمر في ذلك في 2022، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وارتفع معدل التضخم السنوي في مصر ليبلغ 12.1 في المئة لشهر مارس، مدفوعا بزيادة أسعار الغذاء وانخفاض قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، إثر تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
ودفعت هذه الموجة من ارتفاع الأسعار، مصر إلى تخفيض قيمة العملة المحلية، إذ خسر الجنيه المصري نحو 17 في المئة من قيمته أمام الدولار في 21 مارس ليسجل سعر بيع العملة الخضراء أكثر من 18 جنيها.