الديون والإنتاج العشوائي وراء الزيادة التاسعة لفواتير الكهرباء بزمن المنقلب

- ‎فيأخبار

في توحش رأسمالي غير مبرر، ورغم رفع الدعم نهائيا عن أسعار الكهرباء منذ العام المالي 2019/2020، وبيعها للمستهلكين المصريين بأعلى من سعر التكلفة وتحقيق الحكومة أرباحا من المواطنين ببيعهم الكهرباء بأسعار أعلى مما تصدرها به لأوربا ، كشفت مؤشرات الموازنة المالية الجديدة للعام 2022/2023  والتي قدمت إلى مجلس النواب مؤخرا وبعد موعدها القانوني نهاية شهر مارس، والتي سيناقشها مجلس النواب عقب إجازة عيد الفطر، عن زيادات جديدة في أسعار الكهرباء، للأغراض المنزلية، بدءا من فاتورة شهر يوليو المقبل، وذلك للمرة التاسعة تواليا منذ استيلاء  السيسي على الحكم عام 2014.

وكشفت أرقام الموازنة الجديدة للدولة عن العام المالي 2022-2023 عدم اعتماد أي مخصصات مالية لدعم بند الكهرباء، حيث سجل "صفرا" للعام المالي الرابع على التوالي، وهو ما أكدته الحسابات الختامية لموازنتي 2019-2020 و2020-2021، بما يعني تحقيق الحكومة أرباحا من أسعار بيع الكهرباء للمواطنين منذ 3 سنوات.

 

زيادات جديدة

وتشمل الزيادات الجديدة ارتفاع سعر الكيلوواط للشريحة الأولى من الاستهلاك المنزلي من 48 قرشا  إلى 58 قرشا، بزيادة 20.8%، والشريحة الثانية من 58 قرشا إلى 68 قرشا، بزيادة 17.2%، والشريحة الثالثة من 77 قرشا إلى 83 قرشا، بزيادة 7.8%، والشريحة الرابعة من 106 قروش إلى 111 قرشا، بزيادة 4.7%، والشريحة الخامسة من 128 قرشا إلى 131 قرشا، بزيادة 2.3%.

وقبل أيام، رفعت حكومة السيسي أسعار بيع جميع أنواع البنزين للمرة الخامسة خلال عام واحد، في 15 إبريل الجاري، بزيادة بلغت 25 قرشا على سعر الليتر حتى نهاية يونيو المقبل، بإجمالي 1.25 جنيه مقارنة بسعر ليتر البنزين في إبريل 2021، وبنسبة إجمالية بلغت 20% في المتوسط.

في فخ الديون وورطة بيع المحطات  ويرى مراقبون أن أسباب رفع أسعار الكهرباء رغم إلغاء الدعم عنها، يرجع بالأساس إلى  ورطة السيسي الكبيرة في الديون والقروض المليارية التي جلبها لبناء محطات كهرباء عديدة، أنتجت كهرباء زيادة عن حاجة السوق المحلي، وهو ما وضع السيسي في أزمة تصديرها لأوروبا بأسعار أقل من تكلفتها، هروبا من إهدارها لأنها سلعة لا تخزن.

وفي يناير الماضي، أعلن السيسي للمرة الثالثة خلال عامين، عن خطة لطرح 3 محطات لتوليد الكهرباء التي أقامتها شركة "سيمنز" الألمانية، خلال الفترة من 2014 إلى 2018، في مناطق، العاصمة الجديدة وبني سويف  والبرلس.

تبلغ قدرات كل منها 4800 ميغاوات، بإجمالي 14 ألفا و400 ميغاوات، تعتبرها الحكومة أيقونة محطات التوليد في منطقة الشرق الأوسط لضخامتها، وحداثتها تكنولوجيا، حيث تعمل محطة العاصمة بالتبريد الهوائي، بعد أن أقيمت في منطقة صحراوية بين العاصمة وخليج السويس.

تكرار العرض الحكومي لبيع المحطات هذه المرة، واكبه بيان رسمي من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في 30 ديسمبر الماضي ، ومدير صندوق مصر السيادي أيمن سليمان، يؤكد إصرار الحكومة على البيع، خلال الأشهر القليلة القادمة، في محاولة من الدولة لطرح مشروعات ناجحة، تساهم في جذب المؤسسات وصناديق الاستثمار الأجنبية، إلى البورصة تنعش سوق الأوراق المالية، حسب البيان.

كما سبق لوزير الكهرباء محمد شاكر، أن أعلن في مايو 2019، عن وجود 3 شركات أبدت اهتماما بشراء المحطات الثلاث، إحداهما أميركية والأخريان ماليزية وهي بلاك ستون و إدرا التابعة لشركة الطاقة النووية الصينية، التي تدير  حاليا  3 محطات حرارية في مصر.

وكشف وزير الكهرباء  بسلطة الانقلاب في تصريحاته، أسباب رغبة الحكومة في البيع العاجل للمحطات الثلاث أو جزء كبير منها على الأقل، التي تقادمت زمنيا بنحو 5 سنوات، سواء لمستثمر رئيسي أو الاكتتاب العام بالتعاون مع صندوق مصر السيادي، بقوله إن "شركة سيمنز، تدير المحطات، بموجب عقد مدته 8 سنوات، وتبيع الكهرباء المنتجة، للشبكة الموحدة، بينما أعلن المدير التنفيذي لمشروعات سيمنز في مصر، عماد غالي، في اليوم ذاته، أن شركته ملتزمة بتشغيل المحطات حتى عام 2024".

فهناك التزام مصري بدفع تكاليف الإنشاء والتشغيل والصيانة طوال هذه الفترة، بالعملة الصعبة، من خلال اتفاق مكمل لعقد الإنشاء الذي وقعته مصر مع سيمنز، التي استطاعت توفير التمويل للحكومة، في ظروف مالية وسياسية ضاغطة، من بنوك "دويشه بنك، وHSBC وبنك AGKFW-IPEX" بمبلغ 6.2 مليارات يورو، ارتفعت إلى 8 مليارات يورو (9 مليارات دولار)، كما ذكرت وكالة "بلومبيرغ" على لسان الوزير، بما يمثل 85% من قيمة المحطات الثلاث وتكلفة عقد التشغيل والإدارة والصيانة الذي ينتهي خلال 6 أشهر.

وهي نفس قيمة الديون التي أعلن عنها وزير الكهرباء، العام الماضي أثناء تبريره رفع أسعار الكهرباء للمرة الخامسة خلال الفترة من 2014 إلى 2021، بأن قطاع الكهرباء مطالب بدفع 8 مليارات دولار للموردين الأجانب.

 

عقود غير مسبوقة

ويؤكد خبراء أن الحكومة التي أنقذت شركة "سيمنز" من مشاكل مالية كانت تواجهها بمنحها صفقة وصفها رئيسها جو كابيير بأنها عقود غير مسبوقة لأصبحت في ورطة، بعد التوسع الهائل في إنشاء محطات توليد الكهرباء، خلال الفترة من 2014 إلى 2018، إذ أضافت الحكومة 28 ألف ميغاوات، ليصل الإنتاج الكلي بالشبكة الكهربائية الموحدة إلى 60 ألف ميغاوات، عدا ما أضافته مشروعات الإحلال والتجديد والطاقة المتجددة الخاصة، التي تقدر بنحو 3 آلاف ميغاوات.

كما توسعت وزارة الكهرباء، في إنشاء محطات محولات وتطوير شبكات النقل، لاستيعاب الكم الهائل من الطاقة المولدة في الشبكة الموحدة، بهدف توفيرها للجمهور وتصدير الفائض للخارج، بلغت تكلفتها الإجمالية، وفقا لتقارير الوزارة، عام 2018، نحو 515 مليار جنيه، بما يعادل (32 مليارا و791 مليون دولار) عدا القروض المقررة لمحطة الضبعة النووية التي تقدر مبدئيا، بنحو 25 مليار دولار، ترتفع إلى 42 مليار دولار، بنهاية فترة التشغيل والصيانة والإدارة من طرف الشركة الروسية "روز توم" التي ستنفذ المحطة.

وحسب مراقبين، تعتبر قروض قطاع الكهرباء من البنوك المحلية والعالمية الأعلى في مصر حتى العام الماضي، قبل أن تنافسها قروض قطاع النقل، حيث بلغت قروض الكهرباء عام 2019/ 2020 نحو 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ضمن الديون السيادية التي تضمنها وزارة المالية، والبالغة نحو 20.4% من الناتج الإجمالي للدولة.

يعتبر خبراء في القطاع أن كمية الطاقة المولدة، أصبحت عبئا على الدولة، مشيرين إلى أن إستراتيجية الطاقة في مصر التي أعدت عام 2014، وتنفذ مخططاتها منذ عام 2015، وفقا للخطة التي وضعها برنامج Times-Egypt بتمويل من الاتحاد الأوربي الذي قدمها كجزء من المساعدة الفنية لدعم إصلاح الطاقة في مصر، متوقعا ارتفاع ذروة الطلب على الطاقة، من 35 ألف ميغاوات في عام 2018 إلى 43 ألف ميغاوات عام 2020، وتصل إلى 60 ألف ميغاوات عام 2030، 67 ألف ميغاوات بحلول عام 2035.

وبينما سعت الحكومة إلى التوسع في الاستدانة لإقامة محطات، تعادل ضعف قدرات التوليد من المحطات التي كانت موجودة في مصر قبيل عام 2014، لم تكن مصر في حاجة إلا 50% من قدرات التوليد الجديدة، في أقصى تقدير، حيث لم يتعد الاستهلاك الفعلي عام 2020 نحو 32 ألف ميغاوات، في وقت أصبحت نسبة النمو في مشروعات توليد الكهرباء تزيد بنسبة 80% من معدلات نسبة الاحتياطي المقدرة عالميا، بينما التي يستدعي وجودها ما بين 10% إلى 20% على الأكثر كاحتياطي توليد للطوارئ في الشبكة الموحدة.

 

كوارث أخرى

ويجانب أزمة أسعار الكهرباء التي سيتواجه بها المواطن المصري الذي يشكو الغلاء وارتفاع أسعار الغذاء والمواصلات والملابس وكل شيء بصورة جنونية، وما ستحمله الزيادة الجديدة من تأزم مجتمعي كبير، تتضمن الموازنة الجديدة  تراجع مخصصات دعم المزارعين في العام المالي الجديد، من 664 مليون جنيه في العام المالي الحالي إلى 544 مليونا، بانخفاض قدره 120 مليون جنيه، مع تخصيص 400 مليون جنيه فقط لدعم تنمية الصعيد، ونحو 3 مليارات و815 مليون جنيه لدعم التأمين الصحي والأدوية، و7 مليارات و116 مليون جنيه لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، وهي أرقام ضعيفة جدا لا تتناسب مع متطلبات حياة المواطنين ، وهو ما يفاقم الأزمات المجتمعية بمصر وتقود نحو انفجار مجتمعي يقترب.