نشر موقع "العربي الجديد" تقريرا سلط خلاله الضوء على تداعيات الأزمة الاقتصادية على نظام الانقلاب العسكري في مصر، وهل يمكن أن تقود إلى تغيير نظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي؟
وبحسب التقرير الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة" فمع اقتراب نهاية شهر رمضان في أنحاء العالم الإسلامي، لا تزال مصر تشهد ارتفاعا قياسيا في معدلات التضخم، الذي انعكس بدوره في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد شهد مارس من هذا العام معدل تضخم بلغ 12.1 بالمائة مقارنة مع 4.8 بالمائة في العام الماضي في نفس الشهر. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.5 في المئة، وكانت أبرز فئات التضخم الخبز والحبوب، التي ارتفعت بنسبة 11 في المئة.
وفي فبراير، ارتفعت معدلات التضخم في المناطق الريفية إلى 10 في المئة، في حين ارتفع التضخم في المناطق الحضرية بما يزيد قليلا عن 8 في المئة، وهي أعلى مستويات سجلت في ثلاث سنوات تقريبا.
في مصر، دائما ما يكون الغذاء أول شيء يتأثر بالتضخم.
يمكن تفسير هذه الأرقام القياسية بعدد من العوامل المحلية والعالمية، التي قوبلت بالعديد من التدابير التنظيمية من حكومة الانقلاب التي تبدو للمراقبين متناقضة في طبيعتها.
خفض قيمة العملة وقرض صندوق النقد
في الشهر الماضي، خفضت حكومة الانقلاب والبنك المركزي المصري قيمة الجنيه، مما سمح له بالانخفاض مقابل الدولار بنسبة 17 في المئة تقريبا، مما تسبب في هبوط سعر الصرف إلى 17.5 جنيه مصري لكل 1 دولار أمريكي، بعد أن تم ربطه سابقا بمبلغ 15.7 جنيه مصري لكل دولار واحد لمدة ست سنوات على الرغم من تحرير سعر الصرف كجزء من برنامج التكيف الهيكلي لعام 2016 مع صندوق النقد الدولي.
ومن المرجح أن يؤدي إلغاء البنك المركزي لتقنين سعر الصرف إلى زيادة كبيرة في معدلات التضخم، التي من المتوقع أن تزداد بشكل كبير، وفقا لمصادر متعددة.
وفي الشهر الماضي أيضا، ذكر صندوق النقد الدولي أن حكومة السيسي طلبت دعما إضافيا من المؤسسة المالية لأنها كانت تعاني من عجز متزايد في ميزان المدفوعات، ومن غير الواضح ما إذا كان البرنامج سيتضمن قرضا جديدا أم لا.
وإذا تضمن البرنامج الجديد قرضا، فإنه سيكون الثالث من نوعه منذ عام 2016، عندما وقعت مصر على اتفاق تعديل هيكلي غير شعبي إلى حد كبير لمدة ثلاث سنوات، مصحوبا ب 12 مليار دولار، ثم اعتبرت الأكبر في المنطقة، ونفذت برنامج تقشف مرافق له، أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر بما يقرب من خمس نقاط مئوية بين عامي 2015 و 2018، وفقا لمدى مصر.
في 2020، تلقت حكومة السيسي قرضا إضافيا من صندوق النقد الدولي بقيمة 5.4 مليار دولار، وحصلت على 2.8 مليار دولار في مجال حقوق السحب الاجتماعية، كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي لاستعادة الوباء.
العوامل العالمية والمحلية
جاءت هذه القرارات كرد فعل على مختلف حالات الطوارئ المتداخلة التي تسببت في شكوك جوهرية حول ما يكمن في الأفق الاجتماعي والاقتصادي لمصر.
منذ عام 2016، ظهر عدد من المؤشرات التي تشير إلى أن مصر دخلت عصرا جديدا أصبحت بموجبه أكثر ارتباطا بالنظام المالي العالمي وما تلاه من تقلب.
أدى التضخم العالمي المتزايد، وموقع مصر في سلاسل القيمة العالمية، والارتفاع الهائل في الأسعار الناجم عن الجائحة، والعلاقات التجارية غير المتكافئة، بالإضافة إلى ندرة احتياطيات مصر من العملات الأجنبية بسبب الاقتراض المستمر، إلى خروج رأس المال الأجنبي الكبير من أسواق الجنوب العالمية، بما في ذلك سوق السندات المصرية.
وقد تفاقم هذا التفاعل بين العوامل المعقدة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي جلب المزيد من المشاكل مثل الزيادات الضخمة في أسعار النفط، والانخفاض الحاد في عائدات السياحة، وارتفاع أسعار القمح.
وزادت الحرب من الضغوط التي سبق أن مارستها الجائحة على سلاسل التوريد، وأدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في واردات حكومة السيسي، وعلى رأسها القمح والحبوب والطاقة، مما تسبب في تهديد هائل للأمن الغذائي في البلاد، حيث إن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم.
كما أضاف انخفاض قيمة الجنيه مستوى آخر إلى ارتفاع التضخم، واعتماد مصر على الواردات يجعلها حساسة بشكل خاص لصدمات الأسعار، وفي بلد يعتمد على استيراد السلع الأساسية، فمن المرجح أن يكون التضخم نتيجة لهذا، حيث ترتبط كل السلع الغذائية وسلع الطاقة تقريبا بسعر الدولار.
ومن المؤكد بما فيه الكفاية أنه مع انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 17 في المئة، ارتفعت تكلفة بعض السلع بنسبة 50 إلى 200 في المئة، مما يهدد بإغراق المزيد من الأسر في الفقر فيما تكافح من أجل تحمل تكاليف السلع الأساسية.
الأمن الغذائي
في بداية إبريل، أعلن مجلس وزراء الانقلاب أن مخزون مصر من القمح المخصص لنظام دعم الخبز سينفد على الأرجح في غضون شهرين ونصف.
ويقول المحللون إنه "في حال لم تتدخل الحكومة لتنظيم السوق المحلية، فإن أي نقص في الأسعار أو ارتفاعها سيؤدي إلى نتائج كارثية، خاصة خلال شهر رمضان".
وكانت الحكومة قد قررت مطلع الشهر الجاري تخصيص حصص من الطحين الذي تعطيه للمخابز لإنتاج أرغفة الخبز المدعمة، إلا أن المستفيدين من برنامج الدعم لم يتمكنوا من شراء كامل حصتهم.
وقالت وزارة التموين بحكومة الانقلاب إن "القرار سيكون نافذا حتى نهاية الشهر الجاري، مشيرة إلى أنه عادة ما يكون هناك انخفاض في الطلب على الخبز خلال شهر رمضان في ظل الصيام".
إلا أن أصحاب المخابز صرحوا خلاف ذلك، قائلين إن "رمضان الحالي شهد ارتفاعا غير عادي في استهلاك الخبز، قد يكون سببه التضخم الكبير في الأسعار الذي يرفع أسعار سلع غذائية أخرى".
قرار توزيع حصص الطحين تراجع بسبب عدم المركزية، حيث ادعى أصحاب المخابز عدم انتظام تطبيقه، أو حتى عكسه في مناطق تجمع المواطنين خارج الأفران لشكواهم من الكمية التي قدروا على شرائها من الخبز. وقال أحد أصحاب المخابز إن "المخابز تتحمل الآن وطأة غضب الناس بسبب تخفيض حصص الخبز".
عكس سياسات التقشف
وعلى الرغم من هذه الظروف الكئيبة، يعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن التطورات الأخيرة قد تفرض عكس سياسات التقشف التي تسببت في زيادة التفاوت الاجتماعي في السنوات الأخيرة.
وسبق لحكومة السيسي أن اتخذت إجراءات طارئة للحد من ارتفاع أسعار السلع، واتخذت قرارا بتحديد سعر الصرف الجمركي على الواردات من السلع الأساسية ومتطلبات الإنتاج حتى نهاية أبريل، تزامنا مع نهاية شهر رمضان.
كما اتخذت حكومة الانقلاب قرارا بالتدخل من أجل تحديد أسعار الخبز غير المدعم، الذي يمكن القول إنه "أهم سلعة غذائية في البلاد، في المخابز العامة والخاصة".
وينص القرار على ضرورة التزام الأفران بمجموعة الأسعار الجديدة لمدة ثلاثة أشهر أو حتى إشعار آخر، وعلى فرض غرامات على المخالفين للوائح الجديدة من جهاز حماية المستهلك.
وجاء القرار بعد أن ارتفع سعر الخبز غير المدعم بحوالي 50 بالمائة للرغيف الواحد بعد أن تعطلت واردات القمح من روسيا وأوكرانيا.
تتناقض هذه الإجراءات بشكل مباشر مع إجراءات التقشف التي اتخذتها حكومة السيسي لخفض الإنفاق وتقليص التدخل الحكومي في السوق منذ برنامج التقشف الذي أقره صندوق النقد الدولي في العام 2016، والبرنامج الاقتصادي الذي أقرته مصر في العام 2014.
لكن رغم هذه الجهود، يتوقع خبراء اقتصاد أكسفورد استمرار ارتفاع أسعار المستهلك خلال الشهر المقبل، مما سيلقي بثقله على المصريين من ذوي الدخل المحدود.
اضطرابات الخبز
ومن غير الواضح ما إذا كانت مصر ستشهد تغيرات هيكلية في ما يتعلق باعتمادها على السلع الغذائية في الفترة المقبلة، أو ما إذا كانت ستستمر في تثبيت أسعار الخبز المدعم لفترة أطول بكثير، وكيف سينعكس ذلك في تعاملاتها المستقبلية مع صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، فإن هذه هي المرة الأولى التي تحدد فيها حكومة السيسي سعر الخبز المباع في المخابز الخاصة منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد فترة وجيزة من انتفاضة الخبز، في عام 1977، التي كانت نتيجة لبرنامج التكيف الهيكلي الذي وضعه صندوق النقد الدولي والذي تطلب إلغاء إعانات الخبز.
وقد انتهت الانتفاضات بعد يومين من عنف الدولة ، ولكنها أجبرت الرئيس أنور السادات على التراجع عن قرار خفض الدعم.
وعلى الرغم من أن مصر الآن أكثر اندماجا في النظام المالي العالمي وأكثر عرضة لأهوائه، إلا أن أسعار الغذاء كانت في كثير من الأحيان سببا في انتفاضات أو على الأقل ردود أفعال سياسية واجتماعية مكثفة، وخاصة الخبز نظرا لأهميته التاريخية بوصفه العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم.
وفي عام 1984، وعلى غرار مصر، شهدت تونس انتفاضات في الخبز حفزها أيضا برنامج تقشف تابع لصندوق النقد الدولي، مما أدى إلى ارتفاع سعر الخبز، وفي حين تم قمع الانتفاضة، أضعفت الحادثة الرئيس آنذاك الحبيب بورقيبة بما يكفي لإقصائه في انقلاب بعد ثلاث سنوات، وتكثر المفارقة في الوقت الذي كان فيه بن علي سيعاني من مصير مماثل في عام 2011 مع انتشار الثورات في مختلف أنحاء العالم العربي.
وفي الذاكرة الأحدث عهدا، في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، تأثرت أسعار الخبز والسلع الاستهلاكية في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في البلدان التي كانت مربوطة بالدولار، ومن بينها مصر وتونس، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعات هائلة في أسعار الغذاء في عام 2010.
وقد أصبحت هذه الظروف في نهاية المطاف الأساس الاقتصادي لما يسمى بالربيع العربي، أي انتفاضات عام 2011 التي أعطتنا الشعار الشهير "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".
https://english.alaraby.co.uk/analysis/bread-freedom-social-justice-egypts-economic-crisis