هذا يومٌ من أيام الله (تعالى)، وموسم من مواسم الفرح والطاعة، فليكن كذلك؛ ليكن عيدًا كما أراده الله، يسعد فيه الجميع: الغنى والفقير، والصغير والكبير، والقوى والضعيف، ليكن مناسبة للتحابّ وتعطير الأجواء بالبهجة والسرور؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
لقد شرع الله (تعالى) الأعياد للمسلمين باعتبارها جزءًا من منظومة هذه الأمة؛ دليلًا على وسطيتها ومراعاتها للجوانب البشرية؛ فهى وإن كانت شعيرة تعبدية فإنها فرصة لتغيير الأجواء، والانخلاع من الهموم والأكدار، بإظهار الفرح، واللهو البرىء متضمنة شكر المنعم لما أعطى وأخلف، وتلك الوسطية هى التى أوجبت إخراج زكاة الفطر قبل العيد؛ ليُسرَّ الجميع فما يبقى فى المجتمع بائس محروم يئن ويشكو وغيره سعيد يلبس الجديد.
ومما أوصى به الشرع فى هذا اليوم؛ إفشاء السلام وقد أخبرت السنة المشرفة بأن يكون الذهاب إلى صلاة العيد من طريق والعودة من طريق أخرى؛ ليتصافح أكبر عدد من المسلمين، والمجتمع الحريص على إفشاء السلام فى هذا اليوم حريصٌ بالتأكيد على إصلاح ذات البيْن، وحريص على الإنفاق والعطاء، وجبر الخواطر وإغناء المحتاجين، وإعطاء المحرومين.
والرجل فى بيته مكلفٌ فى هذا اليوم بالتوسعة على أهله وأولاده، وترطيب قلوبهم بالبذل والقول الحسن، ومُطالبٌ ببر والديه إن كانا حيين، وإغنائهما وإبداء الحبور بهما، ومطالبٌ أيضًا بوصل ذوى قرباه وتفقد أحوالهم والتصدق على فقيرهم إن كان ذا قدرة وسعة، ولا يميز بينهم فى الصلة لغنى أو جاه، بل الضعيف هو الأولى بالزيارة، وبعد هذا وذاك لا ينسى الثناء على الله بالحمد والذكر الحسن الذى هداه لهذا المعروف، وما كان ليهتدى إلا بهدايته (سبحانه).
يأتينا العيد مذكِّرًا إيانا بحقب مضت، ومراحل عمرية انقضت؛ يوم كنا أطفالًا صغارًا فرحين بالتكبير وصلاة العيد، وتوافد الأهل والجيران إلى دورنا للمعايدة، و«لمة العيلة»، والأكلات المتنوعة، وطقوس اليوم المبهجة. ثم جاءت الشبيبة فازددنا وعيًا وفهمًا عما سبق، وعلمنا شيئًا من فقه هذا اليوم، ثم صار لنا أزواجٌ وذرية وصارت لنا هموم ومسئوليات أكبر بكثير من تصوراتنا الطفولية، فصار العيد محطة من محطات التذكرة بأحوال المسلمين حول العالم، فتُعقد المقارنة بين قوم يعيِّدون فى أوطانهم سعداء فرحين، وآخرين مشرَّدين أو مضطهدين أو مهجَّرين..
وهو أيضًا محطة من محطات الأمل والرجاء فى تحقق موعود الله، فالعيدان، الفطر والأضحى، يتوسطان العام ينفثان فى روع كل مسلم أن الفرح يتوسط الآلام، والأحزان تعقبها المسرَّات؛ من أجل هذا ننتظر فى كل ساعة تحرر مصر من الطغيان، مرددين قول «عمر بهاء الأميرى»: (يا رب أخذك للباغين أخذ ردى… والفتح والنصر حتى يصدق العيد)، وننتظر أيضًا يوم تحرير الأمة من مستبديها ومعه تحرير الأقصى والأرض المباركة، وما ذلك على الله بعزيز.
كما لم تحرموا صغاركم فى هذا اليوم من الفرح، فلا تحرموا الأيتام منه، ابحثوا عنهم وامسحوا على رءوسهم وأعطوهم مما أعطاكم الله تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا، وإن لكم إخوة شهداء ومعتقلين، تفقدوا بيوتهم وكفُّوا ذويهم عن ذل السؤال وسدوا جانبًا من غياب الغائب حتى يعود، وأشعروهم بأننا أمة المروءة كما هى أمة الخير..
وهناك مرضى عودوهم وبشِّروهم وطمنوهم وذكروهم بأجرهم عند الله. وهناك من يمر العيد هذا العام وقد فقد عزيزًا لديه فيجترّ الذكريات، فزيارة هؤلاء واجبة لإخراجهم من أجواء الموت إلى أجواء العيد، وتذكرتهم بحقيقة الحياة وأن (الموت بين الخلق مشتركٌ… لا سوقة يبقى ولا ملكٌ)..
سائلين الله تعالى أن يجعله يومًا من أشرق وأسعد أيام المسلمين، وأن يعطى فيه لكل واحد منهم ما سأل، آمين.
