فيما تركز حكومة السيسي على الشو الإعلامي ونشر صورة وردية مع تبرير أي نقص في السلع بأنه أمر بات معتادا في الدول الأوربية وفي أنحاء العالم، تلك الرواية التي تريح النظام وترفع عن عاتقه المسئولية الدستورية في توفير الطعام والشراب للسكان، حتى ولو بوصفه قوة احتلال عسكري غاشم لم يختاره المصريون ، وإنما فُرض عليهم بقوة الدبابة والرصاص منذ 2013 ، وسط تلك الحالة باتت أسعار كافة السلع الاستراتيجية في مهب الريح، وبات شبح الجوع حاضرا وماثلا أمام الشعب المصري، الذي لم يجد من يحنو عليه.
وسط تسريبات وتصريحات لرئيس غرفة المخابز عن نية الحكومة حذف 20 مليون مواطن من منظومة الخبز والدعم التمويني، باستغلال عملية تحديث البيانات الفاشلة التي تتلاعب فيها أجهزة السيسي التكنولوجية، التي تفرغت لخداع وحرب المصريين وليس خدمتهم وأمنهم بجانب التموين والخبز، باتت أسعار السكر والأرز تعانق السماء وسط عجز عن توفير بديل من قبل الحكومة الفاشلة.
ومع غموض مصير الجنيه وقدرته على الصمود أمام الدولار والعملات الأجنبية بعد تمسك الحكومة بسعر غير حقيقي له في الأسواق، باتت معظم الشركات بل والمحال التجارية تُخزّن السلع والبضائع ولا تعرضها، انتظارا لزيادات في الأسعار التي باتت يوميا وبلا رقيب من حكومة.
وسجلت أسعار السكر ارتفاعات جديدة بمعدل ألف جنيه في كل طن، مسجلة 12,500 جنيها للطن في الجملة، مقابل 11,500 جنيها نهاية الأسبوع الماضي، وذلك عقب امتناع الشركات الحكومية والخاصة عن البيع، تحسبا لارتفاع الأسعار في البورصة العالمية، ولا سيما عقب قرار الهند أكبر منتج للسكر في العالم، التخطيط لتقييد عمليات تصدير السكر، حفاظا على ثبات الأسعار المحلية.
وكشف مدير المبيعات في إحدى شركات السكر التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، أن الشركة توقفت في الوقت الحالي عن البيع للتجار دون الإفصاح عن الأسباب.
وعزا مصدر مسؤول في مجلس المحاصيل السكرية التابع لوزارة الزراعة ، امتناع الشركات الحكومية أو الخاصة عن البيع للتجار بالرغم من امتلاء المخازن، إلى الارتفاعات الجديدة في أسعار السكر في البورصة العالمية.
وسط توقعات أن يكون العجز بين الإنتاج والاستهلاك هذا الموسم بنحو 400 ألف طن، إذ إن حجم الاستهلاك في مصر يصل إلى 3.2 ملايين طن في العام مقابل إنتاج يقدر بـ 2.8 مليون طن هذا العام، بعد تراجع إنتاج سكر البنجر بنحو 200 ألف طن بسبب تراجع المساحات المنزرعة.
يشار إلى أن شركات السكر الحكومية أوقفت البيع للتجار في الوقت الحالي، بعد أن باعت كميات في وقت سابق لشركتين كبيرتين على سعر 9700 جنيه للطن.
وأنه في حال استمرار توقف البيع سيقل المعروض وسيرتفع السعر، وقد تلجأ الدولة إلى فتح باب الاستيراد مجددا.
وتستحوذ الشركات التابعة للقابضة للصناعات الغذائية على 60% من الإنتاج (الحوامدية والنوبارية والدقهلية والدلتا والفيوم) فيما تمد شركات القطاع الخاص الأسواق بـ 40% من إجمالي الإنتاج، كشركات النيل وصافولا السعودية والنوران وكرجيل والبيان، بخلاف شركة القناة لمستثمري الإمارات التي بدأت مراحل الإنتاج التجريبية وستبلغ طاقتها القصوى مليون طن في العام.
ووفقا لبيانات مجلس المحاصيل السكرية، فقد بلغ إنتاج مصر من السكر عام 2021 نحو 3 ملايين طن تشمل 1.845 مليون طن من سكر البنجر و900 ألف طن من قصب السكر و250 ألف طن من سكر الفركتوز المنتج من حبوب الذرة، فيما يبلغ حجم الاستهلاك 3.2 ملايين طن سنويا.
أما على صعيد الأرز، وخاصة المدعوم الذي يباع في المنافذ التموينية، فتوقع عضو سابق في غرفة الحبوب لدى اتحاد الصناعات المصرية ارتفاع سعر كيلو الأرز التمويني المدعوم من الحكومة خلال الأشهر القليلة المقبلة، من 10 جنيهات إلى حوالي 12جنيها للكيلو (20%).
وأوضح في تصريحات صحفية إلى أن أسباب الارتفاع ترجع لارتفاع أسعار الأرز المستورد سواء من الهند أو الصين والذي أعلنت وزارة التموين عن استيراده لتغطية العجز في الإنتاج المحلي والذي سيتخطى سعره كحد أدنى 10 آلاف جنيه للطن.
وكشف محمد الديب، عضو رابطة تجار الأرز، أن أسعار الأرز التي تقدم بها المستوردون لممارسة وزارة التموين وفقا لبعض المعلومات المسربة تتراوح بين 550 دولارا لطن الأرز الهندي و600 دولار للأرز الصيني، لافتا إلى أن ما يشغل فكر الحكومة ليس السعر والذي يتخطى 10 آلاف جنيه لطن الأرز المستورد، وإنما وجود مخزون استراتيجي من السلعة.
يشار إلى أن مصر كانت تحقق اكتفاء ذاتيا من الأرز، بل وتُصدّر الفائض منه للخارج، إلا أن السياسات الزرعية الفاشلة أدت لتراجع لمساحات المزروعة بعد تشديد القبضة الأمنية على مزارعي الأرز في المحافظات بعد أزمة نقص الحصص المائية بعد أزمة سد النهضة الأثيوبي، وهو ما سبب عجزا بالغا في السوق المصري.
ومع تفاقم الأزمة هذا العام، قررت وزارة الموارد المائية والري الترخيص بزراعة الأرز لعام 2022 على مساحة إجمالية تبلغ 724 ألفا و200 فدان بـ9 محافظات (الإسكندرية، البحيرة، الدقهلية، الشرقية، كفرالشيخ، الغربية، دمياط، الإسماعيلية، بورسعيد).
وتوقع تقرير لوزارة الزراعة الأميركية انخفاض إنتاج مصر من الأرز موسم 2021-2022 بنسبة تصل إلى 28%، مقارنة بالموسم الماضي، نتيجة تراجع المساحات المزروعة من 1.67 مليون فدان في الموسم الماضي، إلى 1.19 مليون فدان الموسم الحالي.
ونوه التقرير إلى أن تراجع المساحات المنزرعة يعود لانصراف بعض المزارعين عن زراعته لعدم تحقيقه المكاسب المرجوة، إضافة للغرامات التي تم توقيعها على المخالفين، والتي تقدر ما بين 3 إلى 10 آلاف جنيه، للفدان أو السجن لمدة لا تزيد عن 6 أشهر.
ومع العبث الحكومي وسياسات الفشل الاقتصادي باتت أقوات المصريين في مهب الريح، وسط قرارات مرتبكة وسياسات فاشلة تعاقرها حكومة السيسي، التي باتت بعيدة عن واقع الحياة بمصر، واعتمادها على تقارير إعلامية ومواد تعدها أذرع المخابرات لتطمين الناس، وفيما بطونهم فارغة من الطعام والشراب.
ولعل ما ينطبق على السكر والأرز ينطبق أيضا على القمح واللحوم والألبان والخضروات والفواكه التي باتت من الترف أن ينظر إليها المواطن الذي لا يجد ما يسد رمق أبنائه، بعدما زحف الجوع والفقر ليضرب أكثر من 80 مليون مصري، وفق إحصاءات سابقة عن الأزمة الحالية.