كشف مكتب رئيس الوزراء الماليزي السابق "مهاتير محمد" أن الفحوصات أثبتت إصابته بفيروس كورونا وقد نُقل إلى المستشفى لمتابعة حالته.
وأضاف المكتب في بيان "نقل مهاتير، البالغ من العمر 97 عاما إلى المعهد الوطني للقلب من أجل أن يخضع للملاحظة خلال الأيام القليلة المقبلة وفق ما نصح الفريق الطبي" ولم يفصح البيان عن أي تفاصيل بخصوص أعراضه أو حالته.
وعانى مهاتير الذي تولى رئاسة الوزراء لأكثر من عقدين، تاريخا من مشاكل القلب، فقد أصيب بنوبات قلبية وخضع لعمليات جراحية.
وتلقى مهاتير 3 جرعات على الأقل من اللقاحات المضادة لكورونا، وكانت آخر جرعة معروفة في نوفمبر 2021 وفقا لتصريحات أدلى بها مسؤولون بالحكومة في وقت سابق.
وخضع رئيس الوزراء السابق لإجراء طبي اختياري في يناير الماضي ثم دخل المستشفى مجددا في وقت لاحق للعلاج.
وسبق أن تولى مهاتير رئاسة وزراء بلاده بين يوليو 1981 وأكتوبر 2003 ثم مرة أخرى من مايو 2018 إلى مارس 2020 وبذلك أصبح رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد بما مجموعه 24 عاما.
وتمكنت ماليزيا خلال سنوات حكم مهاتير من التحول من بلد يعتمد على حقول ومزارع المطاط إلى عملاق اقتصادي استطاع تحقيق نهضة شاملة في شتى الجوانب.
ثورة "مهاتير" الصناعية
وقاد "مهاتير محمد" الثورة الصناعية لماليزيا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي محاولا إفاقة مجتمع راكد اجتماعيا، ناقص الوعي سياسيا، متكلس الفكر ثقافيا.
وتزامن ذلك مع انخفاض أعداد أبناء الصيادين والمزارعين الذين امتهنوا مهنة آبائهم منخفضة الأجر، وأصبح تراكم رأس المال ممكنا لأفراد الشعب العاديين بعد تحريرهم من الإقطاع الجائر.
أصبح هؤلاء الشباب بعد ذلك هم تروس الاقتصاد الحديث، وهاجروا إلى المدن بمعدلات غير مسبوقة، وقد أدى هذا التوسع الحضري إلى إنشاء مدن وتوسيع أخرى، من أجل تلبية احتياجات الطبقة المتوسطة الجديدة.
لم تكن الثروة فقط هي التي بدأت تتراكم خارج الدائرة الإقطاعية، فالأمر نفسه كان بالنسبة للسلطة السياسية، حيث إن مهاتير محمد كان أول رئيس وزراء لماليزيا لا تربطه صلة دم بالمحكمة الملكية.
وفي السبعينيات شهدت ماليزيا أسرع توسع اقتصادي لها، حيث بلغ معدل النمو في ذلك العقد 7.9% سنويا، ولكن خلال الثمانينيات انطلق النمو بطريقة لم يسبق لها مثيل، واستمر الاقتصاد في التوسع بشكل أكبر حتى جاءت الأزمة الآسيوية المدمرة.
التوسع في التعليم
وأدى توسع مهاتير السريع في التعليم الرسمي إلى خلق ما يكفي من المواهب لدعم الثورة الصناعية.
ونجح مهاتير بالتعاون مع اليابان في هندسة البلاد من خلال رأس المال والتكنولوجيا اليابانية في الثمانينيات والتسعينيات.
و قدمت اليابان لماليزيا رأس المال والتكنولوجيا ولكن مصدر الإلهام كان هو النمور الآسيوية الأربعة (هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان) وهي البلدان التي أصبحت غنية بفضل تصدير السلع المصنعة إلى العالم.
وبدأ التصنيع، وحولت ماليزيا تركيزها بشكل كامل إلى تصدير السلع المصنعة مثل مكيفات الهواء والثلاجات وأجهزة التلفاز وأجهزة الكمبيوتر، وذلك بدلا من مجرد بيع المواد الخام مثل القصدير والمطاط.
و خلافا لرؤساء وزراء ماليزيا الثلاثة السابقين، لم يكن "مهاتير محمد" يتذكر الحكم البريطاني لبلاده باعتزاز، وكانت عائلته بعيدة عن النخب الإقطاعية التي حافظت على علاقات وثيقة مع البريطانيين.
و في السبعينيات وعلى الرغم من وجود بيئة مؤيدة لبريطانيا، اشتبكت ماليزيا أكثر من مرة مع الشركات البريطانية حول (NEP) ففي ذلك الوقت كان المستثمرون البريطانيون يمتلكون جزءا كبيرا من الصناعات الماليزية.
وكانت شركة "جوثري" البريطانية تمتلك وحدها 17% من الأراضي الماليزية في ذلك العقد، بينما كانت تسيطر الشركات الأوروبية على 1.2 مليون فدان من 1.4 مليون فدان من مزارع المطاط، هي إجمالي ما كانت تمتلكه البلاد في فترة ما بعد الحرب.
وفي السابع من سبتمبر عام 1981 قاد "مهاتير محمد" عملية أطلق عليها "غارة الفجر" سيطرت خلالها الحكومة على أسهم شركة المطاط وزيت النخيل البريطانية "جوثري" في بورصة لندن في أقل من أربع ساعات.
وكان هذا هو الاستحواذ الماليزي الأكثر دراماتيكية، واليوم أصبحت "جوثري" جزءا من شركة "سيم داربي" التي استحوذت عليه الحكومة أيضا في عام 1977.
ومثل اليابان، بعد اتجاه ماليزيا إلى التصنيع في الثمانينيات ظهرت مشكلة جديدة، وهي نقص الأيدي العاملة، حيث لم يكن هناك ما يكفي من العمال المحليين لتشغيل المصانع وبناء الأبراج المكتبية الجديدة.
وارتفع عدد سكان ماليزيا من 14 مليون نسمة في عام 1981 إلى 19 مليون نسمة في عام 1991، ولكن ذلك العدد لا يزال غير كاف، لأن الاقتصاد الماليزي كان ينمو بوتيرة أسرع من نمو السكان.
فاستقدم "مهاتير" العمالة الأجنبية المطلوبة إلى ماليزيا، وتم بناء برجي بتروناس من قبل مهندسين يابانيين وكوريين، وعمالة إندونيسية ورأس مال ماليزي.
ومن دون هؤلاء العمال الأجانب لم يكن من الممكن بناء البرجين التوأم، وربما ما تمكنت ماليزيا من التطور بذلك الشكل السريع.
محرر الاقتصاد الماليزي
وحرر "مهاتير" الاقتصاد الماليزي بعد حوالي عقدين من فرض (NEP) ولكن الأزمة المالية الآسيوية أجبرته على تغيير مساره.
وفي التسعينيات، وخلال التوسع الاقتصادي، اقترضت الشركات في جميع أنحاء آسيا بالعملات الأجنبية بكثافة، وفي بادئ الأمر كانت خدمة هذه الديون سهلة، ولكن لم يستمر هذا الأمر طويلا.
وبحلول منتصف عام 1997 تحطمت العملات المحلية في جنوب شرق آسيا، وهو ما زاد من أعباء الديون الواقعة على هذه الشركات، وبدأت بعضها في إعلان إفلاسها، وهو نفس الخطر الذي كان يهدد بلدانا عديدة.
و انخفض سوق الأسهم الماليزية بنسبة 75% وهبطت قيمة الرينجت بنحو 40% ملامسة أدنى مستوى لها في 24 عاما، وأنفقت البلاد مليار دولار من احتياطياتها من النقد الأجنبي في محاولة لدعم العملة.
ثم اقترح صندوق النقد الدولي على الحكومة الماليزية السماح للشركات المتضررة بإعلان إفلاسها، في مقابل حزمة من المساعدات الطارئة، واعتماد سياسة مالية تقشفية تهدف إلى تعزيز الرينجت، حيث إن الفكرة كانت هي أنه إذا ارتفعت قيمة الرينجت انخفضت أعباء الديون.
وأدار "مهاتير محمد" ظهره لصندوق النقد الدولي، وقام باتباع سياسات معاكسة لتوصيات الصندوق.
فيما بدا أنه نهج اقتصادي كينزي، قامت ماليزيا بفرض ضوابط على رأس المال، وقامت في ذلك الوقت بتثبيت سعر صرف الرينجت أمام الدولار عند 3.80 رينجت.
لكن بشكل عام، لم يكن الوضع في ماليزيا سيئا كما كان هو الحال على سبيل المثال في تايلاند، حيث إن الشركات والبنوك الماليزية لم تكن مثقلة بكم هائل من الديون مثل نظيراتها الإندونيسية والتايلاندية، والحكومة الماليزية أيضا لم تهدر أموالها في الاستثمار في المشاريع العقارية مثلما حدث في تايلاند.
ومنذ نهاية الأزمة الآسيوية وحتى عام 2007، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لماليزيا 5.6% في المتوسط، وباعتبارها اقتصادا موجها للتصدير، كانت الصادرات الرئيسية للبلاد هي الإلكترونيات والآلات الكهربائية وزيت النخيل والمنتجات الكيماوية والنفط الخام.
