أكد عبدالخالق فاروق، الباحث الاقتصادي أن "خطيئة إبليس الأصلية تبدأ من سياسات وقرارات اتخذها الجنرال السيسي والطاقم المعاون له بداية من تغريق الجنيه، مرورا بزيادة أسعار المنتجات البترولية والطاقة، انتهاءا بالتحيز المطلق للأغنياء ورجال المال والأعمال والسماسرة ومنحهم المزيد من المزايا الضريبية والجمركية وتخفيض الضرائب".
وقال الباحث الاقتصادي عبدالخالق فاروق الذي يتعاون للمرة الأولى في دراسته المستفيضة عن الفشل الاقتصادي للانقلابي عبدالفتاح السيسي على موقع (المعهد المصري للدراسات) وجاءت بعنوان "الطريق المسدود، تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي" إن "ذلك جاء على حساب سياسات عادلة في تحمل أعباء الأزمة، هذا ناهيك عن سياسات المقاولات التي يتبعها ويحقق هو وبعض من هم وراءه في مؤسسات القوى أرباحا هائلة، واستنزاف ونهب الأراضي التي أضاعت على الدولة مئات المليارات من الجنيهات مثلما هو الحال في العاصمة الإدارية الجديدة".
مغالطات الدعم
وقال فاروق إن "كثيرا من المغالطات كشفها السيسي نفسها في المؤتمر السادس للشباب بشرم الشيخ أمام جمع كبير من الشباب المختارين أمنيا ومن خلالهم إلى بقية الشعب المصري ، وأجملها أن تكلفة الدعم الوارد في موازنة هذا العام (2018/2019) هي 330 مليار جنيه".
وأوضح أن "330 مليار جنيه ، ورد في باب واسع في الموازنة العام للدولة لعام 2018/2019 تحت مسمى الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية ، وهي مكونات أكبر من مجرد مصطلح ” الدعم ” الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة لدى المصريين".
توزيعات الدعم
وأبان أن مكونات هذا الدعم تتوزع على عناصر وبنود كثيرة ، مشيرا إلى أن سمة التعامل مع الدعم كان التلاعب المحاسبي وسوء الإدارة والتصرفات الشاذة مثل:
(أ) ما يسمى الدعم بقيمة 213.7 مليار جنيه، وهي تشمل بنودا متعددة ، منها دعم السلع التموينية ودعم المواد البترولية ودعم تنشيط الصادرات ودعم الكهرباء ودعم التأمين الصحي ودعم المزارعين ودعم فوائد الإسكان والقروض الميسرة ودعم تنمية الصعيد ، وهذه الأرقام تحمل مضامين بعضها يمثل تلاعبا محاسبيا وماليا بدأ منذ عام 2005/2006 كما عرضنا في عدة مقالات ودراسات وكتب خصوصا ما يسمى دعم المشتقات البترولية والغاز والكهرباء .
(ب)المنح وقدرها 7.7 مليار جنيه وتشمل المنح لجهات الحكومة العامة وللحكومات الأجنبية ومنح أخرى.
(ج)مزايا اجتماعية وقدرها 93.6 مليار جنيه وهي تشمل معاش الضمان الاجتماعي بـ 17.5 مليار جنيه ومساهمات في صناديق المعاشات بـ69.0 مليار جنيه ، وهي في الحقيقة مستحقات أصحاب المعاشات الذين أحيلوا للتقاعد بعد خدمتهم لسنوات طويلة، وبالتالي فهي أموال أصحاب المعاشات التي استولت عليها الحكومة المصرية منذ عام 2005/2006 من خلال تلاعب مالي قامت به حكومة أحمد نظيف ووزير ماليته الهارب يوسف بطرس غالي، أي أنها في معظمها ديون مستحقة على حكومة الانقلاب، لم تكن لتدرج في الموازنة العامة أو تتحملها الموازنة العامة أصلا، لولا هذا الاستيلاء المسبق للحكومة المصرية على أموال صندوقي التأمينات والمعاشات منذ عام 2005/2006 وهو بالتالي ليس دعما بالمعنى العلمي الدقيق بقدر ما هو تسديد لدين على الحكومة المصرية ووزارة المالية لصالح صندوقي التأمينات والمعاشات، وفي المحصلة فهي نتيجة لسوء إدارة الموارد المالية للدولة وتصرفاتها الشاذة.
كما أن هذه المساهمات في صناديق المعاشات، تتفاوت بين الفئات الوظيفية المختلفة، فمعاشات فئات مثل القضاة وضباط الجيش والشرطة، تلتهم جزءا كبيرا من هذا الباب المالي، بينما الفئات الوظيفية الضعيفة والكادر العام لا يحصلون من هذه المساهمات على معاشات تليق بالبشر والإنسان المصري.
(د) وهناك مبلغ مالي مدرج تحت مسمى احتياطيات عامة للدعم والمنح وقدره 16.8 مليار جنيه، أي أنه مجرد احتياطيات عامة قد لا يصرف أصلا، وغالبا ما تسترجعه الموازنة العامة للدولة في ختام السنة المالية، اللهم إلا إذا حدثت كارثة كبرى كالزلازل والبراكين ومصائب القطارات والطرق.. الخ، وبالتالي فغالبا هذا المبلغ سيرد إلى الخزانة العامة ويصبح رقم هذا الباب ككل أقل كثيرا من 330.0 مليار جنيه بقيمته، كما ورد في حديث الجنرال السيسي .
11 جهة للدعم
وأشار إلى أن الدعم الوارد في موازنة عام 2018/2019 والبالغ حجمه 213.7 مليار جنيه فتوزع على 11 بندا كالتالي:
1-دعم السلع التموينية وقدره 86.2 مليار جنيه، بعد أن كان 47.5 مليار جنيه في موازنة عام 2016/2017 والزيادة طبعا بسبب احتسابه بسعر صرف الدولار الجديد بعد تغريق الجنيه المصري في نوفمبر عام 2016 فقز سعر الدولار من 8.9 جنيهات للدولار إلى حوالي 18.0 جنيها للدولار حاليا.
وعلق على هذا التفاوت الضخم، قائلا "بسبب سياساته الفاشلة واتفاقه مع صندوق النقد الدولي وبطانة السماسرة والبورصجية المحيطين به ويديرون السياسة الاقتصادية المدمرة للشعب المصري ومقدراته".
2-دعم ما يسمى المواد البترولية وقدره 89.0 مليار جنيه بعد أن كان في عام 2016/2017 حوالي 115.0 مليار جنيه، وهذا الرقم يتضمن مغالطة محاسبية كبرى سبق وشرحتها عدة مرات وفي أكثر من وسيلة إعلامية.
وكشف أن الانقلابيين يرغبون في بيع المنتجات البترولية بما يماثلها في السوق الغربية وتحديدا الأمريكية ، بينما تكاليف إنتاجها محليا تقل بحوالي الثلث عن مثيلتها في الغرب ، لأن قطاع البترول والطاقة والكهرباء قد أصبح يسيطر عليه منذ مطلع الألفية الثالثة القطاع الخاص والمستثمرين العرب والأجانب الذين ما فتأوا يضغطون على متخذ القرار في مصر لزيادة أسعار بيع المنتجات البترولية لتقارب نظيرتها في الأسواق الغربية".
3-دعم تنمية الصادرات وقدره 4.0 مليار جنيه، وهي دعم مخصص للمصدرين من رجال المال والأعمال الكبار.
وأشار إلى أنه "بدلا من أن يوفر هؤلاء مصدر إضافي للدخل المصري من العملات الأجنبية، يحصلون على دعم مالي من الموازنة العامة بحجة تخفيض تكاليف إنتاجهم حتى يتاح لهم مجالا للتنافس الخارجي، ومن ثم أصبحوا عبئا على الموازنة العامة للدولة وقد زاد هذا الدعم إلى 7.0 مليارات جنيه في موازنة عام 2020/2021".
4-دعم المزارعين وقدره 1.0 مليار جنيه فقط.
ودعا "فاروق" إلى المقارنة بين هذا الدعم المخصص غالبا للفلاحين المزارعين للقمح وبعض المحاصيل الزراعية، وما يمنح كدعم للمصدرين من أمثال جلال الزوربا وأحمد خميس، وأحمد عرفة ومجدي طلبة زوج وزيرة الاستثمار الحالية سحر نصر، وغيرهم من كبار رجال المال والأعمال.
5-دعم الكهرباء وقدره 16.0 مليار جنيه، وكان في السنوات السابقة حوالي 23.6 مليار جنيه عام 2014/2015 وبعدها 28.5 مليار جنيه في عام 2015/2016، وبعدها 27.6 مليار جنيه في عام 2016/2017 وبعدها 30.0 مليار جنيه في عام 2017/2018.
وسجل الباحث انخفاضا ملحوظا في قيمة ما يسمى الدعم للكهرباء من 30.0 مليارا إلى 16.0 مليار في العام 2018/2019 أي أن المواطنين المصريين الفقراء والطبقة الوسطى غالبا قد تحملوا حوالي 14.0 مليار جنيه هذا العام في فواتير الكهرباء.
وأضاف أن خللا بنيويا أخر سبق وتعرضت إليه من قبل حول أكذوبة وتحايل احتساب دعم الكهرباء، بسبب التلاعب المحاسبي الذي جرى منذ عام 2005/2006 وبناء عليه أصبح احتساب تكلفة إنتاج الكيلو وات ساعة تتم وفقا لطريقة احتساب مستلزمات تشغيل محطات الكهرباء بالسعر العالمي (سولار – مازوت – غاز طبيعي).
6-دعم نقل الركاب وقدره 1850 مليون جنيه.
ولفت إلى أنها "نفس القيمة تقريبا التي كانت قائمة منذ خمس سنوات سابقة، وهي أيضا ناتجة عن تشوهات في حساب ما يسمى الدعم، وحساب تكاليف مستلزمات التشغيل لمرافق النقل وفقا للأسعار العالمية لمنتجات الطاقة مثل السولار والكهرباء وغيرها.
وأوضح أنها لعبة محاسبية حيث كثير من حسابات ومخصصات دعم بعض المرافق الأخرى هي ناتجة عن الخطأ الأصلي في احتساب منتجات البترول على أساس الأسعار في السوق الدولية.
7-دعم التأمين الصحي والأدوية وبلغ في موازنة 2018/2019 حوالي 3.3 مليار جنيه، بينما كان في عام 2014/2015 حوالي 840 مليون جنيه فقط.
وألمح إلى أن هذه الزيادة في دعم التأمين الصحي، لسببين يبتعدان عن الرغبة في تحسين هذا المرفق الحيوي وهما: أ- الزيادة الهائلة التي جرت في السنتين الأخيرتين في أسعار الأدوية. ب-سياسة تغريق (تحرير) الجنيه المصرى.
8-دعم الإنتاج الصناعي فهو صفر جنيه، بينما كان حوالي 1400 مليون جنيه في عام 2017/2018 وقبلها كان 640 مليون جنيه.
ورأى "فاروق" أن "السيسي لا يهتم مطلقا بالقطاع الصناعي، بل يركز كل قوته على المقاولات والبناء والتشييد والتربح من وراءها، مما يجعلنا نذهب إلى أن سياسات هذا الرجل تخريبا لمصر واقتصادها".
9-دعم تنمية الصعيد لم تزد على 200 مليون جنيه فقط لا غير، وقبلها كان 200 مليون جنيه أيضا، وقبلها كان صفرا، وأكد أن "كل الادعاء بتنمية الصعيد دعاوى ليست صحيحة على الإطلاق".
10-أما دعم إسكان محدودي الدخل فقد بلغت صفر جنيه في تلك الموازنة.
وأبدى اندهاشا من تشدق السيسي بها في كل اجتماع أو خطاب بأنه يبني للفقراء ويدعم الإسكان الاجتماعي لمحدودي الدخل.
11-أخرى فقد بلغت 10.6 مليار جنيه في موازنة عام 2018/2019 وهكذا تضاعفت قيمتها عن عام 2014/2015 التي كانت 5.1 مليار جنيه.
وحسم أن "هذه الأخرى قد تذهب إلى قطاعات غير معلومة الأن، أو لبعض مؤسسات القوى في البلد (الجيش والشرطة والقضاء والمخابرات بأنواعها).
تلاعب مستمر
ولأنه استخدم موازنة (2018/2019) أكد أنه ذاته جرى في مشروع موازنة عام 2020/2021 وأن التلاعب مستمر ، وسياسة تضليل الرأي العام في مصر، فعلى سبيل المثال بلغ المبلغ المخصص لما يسمى ” الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية ” حوالي 326.3 مليار جنيه بينما كان في العام السابق 327.7 مليار جنيه والعام 2017/2018 حوالي 329.4 مليار جنيه ، فيبدو الأمر لغير المتخصصين، أن مخصص هذا الباب مازال كبيرا جدا، بينما في الحقيقة هناك انخفاض كبير جدا في مخصص الدعم الذي يستفيد منه المواطنون محدودي الدخل، فما يسمى دعم المشتقات البترولية انخفض من 52.9 مليار جنيه عام 2019/2020 إلى 28.2 مليار جنيه عام 2020/2021 وكذلك انخفض دعم الكهرباء من 4.0 مليارات جنيه إلى صفر جنيه، وبالمقابل زاد دعم المصدرين من رجال المال والأعمال من 3.6 مليار جنيه عام 2018/2019 إلى 7.0 مليار جنيه عام 2020/2021 أما المساهمات في صناديق المعاشات فقد قفزت من 48.5 مليار جنيه عام 2018/2019 إلى 130.0 مليار جنيه عام 2020/2021 بسبب زيادة القسط الذي تسدده وزارة المالية لصالح صندوقي التأمينات والمعاشات اللتين استولت على أموالهما منذ عام 2005/2006.
