لم يعد أحد في مصر آمنا بعهد المنقلب السفيه السيسي، الذي أذاق المصريين ويلات الإفقار والغلاء والمرض والتشريد والاستيلاء على الممتلكات قهرا وعنوة بلا سابق إنذار ولا احترام لخصوصيات المواطن، مستغلا ثلة من نواب أتت بهم الأجهزة الأمنية والمخابراتية، ليعبروا عن رأي السلطة الباطشة ويسوغوا لها قهر الشعب وإخلائه من مساكنه، عبر تشريعات مكنت السيسي من جميع ممتلكات المصريين قهرا.
فقبل عامين، أقر مجلس النواب الانقلابي تعديلا حكوميا على قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، يقضي بمنح رئيس الجمهورية أو من يفوضه، سلطة تقرير المنفعة العامة، تسريعا لوتيرة إجراءات نزع الملكية من المواطنين بشكل جبري، بغرض الانتهاء من مشاريع الطرقات والكباري في بعض المحافظات.
ومنح التعديل المحافظ المختص سلطة إصدار قرارات الاستيلاء المؤقت على بعض العقارات المملوكة للمواطنين في حالات الضرورة، حتى ولو كانت مقننة بالكامل، ولا تخالف أيا من قوانين البناء في مصر.
وذلك بالمخالفة للدستور المصري، إذ نصت المادة 78 من الدستور على أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية، ويحقق العدالة الاجتماعية، وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة، ومدها بالمرافق الأساسية، في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى، واستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ويحفظ حقوق الأجيال القادمة".
ومع هوس السيسي بالكباري والمحاور المرورية ، وصل يوم السبت بلدوزر العسكر إلى حي المطرية بقلب القاهرة، حيث استغاث المئات من سكان شارع التروللي في حي المطرية ، من وضع الأجهزة المحلية علامات على منازلهم من أجل إزالتها، وهدم أكبر مجمع إسلامي يخدم أهالي المنطقة، وهو مجمع عبد المرضي الذي يقدم خدمات طبية واجتماعية بأسعار رمزية، من أجل إنشاء كوبري جديد يصل إلى محور مسطرد باسم عمر المختار.
وأرسل الأهالي السبت، استغاثات مكتوبة إلى رئاسة الجمهورية لسلطة الانقلاب ورئيس مجلس الوزراء الانقلابي مصطفى مدبولي، يطالبون فيها بعدم إزالة منازلهم التي يقطنون فيها منذ عشرات السنوات، لا سيما أن الشارع يسكن فيه ضباط جيش متقاعدين، شاركوا في حرب 6 أكتوبر 1973، في حين أن التعويضات التي أعلنتها محافظة القاهرة هزيلة، ولا تتناسب مع القيمة الحقيقية للعقارات في المنطقة.
وحددت المحافظة تعويضا يقدر بـ2900 جنيه لسعر المتر في الشارع، فضلا عن تحميل السكان تكاليف هدم العقارات، علما بأن سعر المتر يتجاوز 7 آلاف جنيه في هذه المنطقة، مشددة على ضرورة إخلاء السكان لمساكن المقررة إزالتها في غضون أسابيع قليلة، من دون توفير وحدات سكنية مماثلة لها، أو منح الأهالي تعويضا ماليا عادلا.
ومن المقرر أن تطاول الإزالات عشرات العقارات في شوارع مجاورة مثل الشيخ منصور وترعة الجبل ومؤسسة الزكاة والشهيد ومحمد نجيب، في سبيل إنشاء محور مروري آخر يربط بين منطقة المرج وميدان رمسيس في قلب القاهرة، مرورا بأحياء عزبة النحل والمطرية والزيتون، وذلك بمحاذاة مسار الخط الأول من مترو الأنفاق.
وتشمل الإزالات القصر التاريخي للأميرة نعمة الله توفيق، ابنة الخديوي توفيق، وحفيدة محمد علي باشا، الذي يمتد على مساحة كبيرة في المرج تبلغ 16 فدانا تقريبا، وكان ضمن استراحات الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، ومنفى للرئيس محمد نجيب بعد فرض الإقامة الجبرية عليه عام 1954 إلا أنه تحول مع الوقت إلى مكب للقمامة إثر تعرضه للنهب والحرق مرتين.
يذكر أن محافظة القاهرة انتهت مؤخرا من إزالة 127 عقارا في منطقة عرب الحصن التابعة لحي المطرية، بزعم استكمال توسيع جسر الخصوص الذي تنفذه الهيئة الهندسية في الجيش بـ"الأمر المباشر" تنفيذا لتوجيهات السيسي بشأن ربط طريق منطقة مسطرد والطريق الدائري.
ولا تستعين الأجهزة التنفيذية في مصر بآراء الخبراء، أو تنظر إلى البعد التاريخي والنسيج العمراني للمناطق قبل اتخاذ قرار هدمها، فيما يسعى نظام السيسي لتغيير معالم أحياء القاهرة، من خلال وصمها بالعشوائية ومخالفة قوانين البناء، والمضي قدما بعمليات التحديث العمراني القسري المخالفة لأحكام الدستور والقانون.
ويسارع السيسي الزمن لازالة عقارات الحي السادس والسابع بمدينة نصر ومنطقة عزبة الهجانة والكيلو 4 ونصف، وألماظة وفيصل والهرم والبراجيل وأوسيم والمنيب والبساتين ومصر القديمة والمكس بالإسكندرية وغيرها من مناطق مصر، دون مراعاة لطبيعة ساكنية أو ارتباط تاريخي ونفسي بالمكان ، وذلك في إطار خطة جهنمية لإخلاء قلب العاصمة من الفقراء، الذين يعدون غالبا وقودا للثورات الاجتماعية والاقتصادية، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ورصد الأجهزة المخابراتية تصاعد الفقر والغلاء والجوع بالبلاد، وسط سفه النظام في توجيه المليارات من الدولارات لمشروعات بلا جدوى اقتصادية ولا تخص إلا الطبقة الغنية التي تمتلك الأموال فقط ، فيما يترك المصانع مغلقة والشعب بلا مأوى ولا سند في ظل ارتفاعات جنونية في أسعار كل شيء.