قالت دراسة بعنوان "السياسات النقدية في مصر بعد الإطاحة بطارق عامر" أن تغيير محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر بفريق يترأسه حسن عبدالله يعاونه (هشام عز العرب ومحمد نجيب) في 18 أغسطس الماضي"، هو لثلاثة أمور تفضي إلى تعويم كلي للجنيه .
وأوضحت الدراسة، التي نشرها موقع "الشارع السياسي"، ان "تطوير السياسات المالية والنقدية" كان واضحا في تصريحات السيسي، وأنه "لم يظهر من عمليات تطوير السياسات النقدية المرتقبة حتى اليوم سوى ثلاثة أمور: الأول تخفيف القيود المفروضة على عمليات الاستيراد وحل أزمة الشحنات المخزنة بالموانئ والمعطلة بسبب عدم قدرة أصحابها على استيفاء الأوراق الرسمية بناء على القيود الجديدة المفروضة على عمليات الاستيراد.
والثاني رفع الدولار الجمركي إلى 19.3 جنيها وهو ما يعني ارتفع جميع أسعار السلع المستوردة والمحلية والتي تدخل في صناعتها مواد خام وسيطة في عملية الإنتاج، بما يعني تواصل موجة الغلاء والتضخم إلى مستويات أعلى مما هي قائمة بالفعل.
والثالث تصريحات المسئولين بحكومة الانقلاب حول إظهار المزيد من المرونة بشأن التعويم الحاد وتحرير سعر الصرف بشكل حاد كما جرى في نوفمبر 2016م.
وعن النقطة الثالثة أشارت الدراسة إلى أن "الخوف من ردة الفعل الجماهيرية يعرقل هذه التوجهات ويدفع نظام الانقلاب إلى مزيد من التفكير في هذه السياسات وتداعياتها السياسية والاجتماعية والخشية من أن تفضي إلى زعزعة الأوضاع الأمنية وخروج الأمور عن السيطرة".
ولفتت إلى أن "مقال عماد الدين أديب في 14 أغسطس الماضي عن سقوط بعض الأنظمة العربية خلال الشهور المقبلة على مقاس نظام السيسي تماما".
وأبان أنه "في ذلك لا يعبر عن وجهة نظره بل الراجح أنه ينقل وجهة نظر وتحذيرات بعض الأجهزة في الدولة والتي ترى أن مآل نظام السيسي ما بقاء ذات السياسات هو السقوط الحتمي. وهو عين ما توصلت إليه مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تحليل للكاتب ستيفين إيه كوك".
"معيط" و"عامر"
وأوضحت الدراسة أن "الإطاحة بعامر الذي ينحاز إلى التعويم المدار للجنيه مع الإبقاء على وزير مالية الانقلاب محمد معيط الذي ينحاز إلى التعويم الكلي لتمثل مؤشرا على انتصار وجهة النظر الثانية".
وأشارت إلى أن "السيسي بصدد تغيير السياسات النقدية والتخلي عن التعويم الجزئي المدار ليذعن لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي التي تطالب بتحرير كامل للجنيه أمام باقي العملات الأخرى".
وأكدت أن "تحديد السياسة النقدية الخاصة بتحرير سعر صرف الجنيه وإعادة بناء الاحتياطي النقدي الأجنبي على رأس أولويات حسن عبدالله القائم بأعمال رئيس البنك خلفا لطارق عامر، والفريق المعاون له؛ وهو ما يمكن أن يتحقق ــ بحسب رؤية النظام ـ من خلال تلبية شروط صندوق النقد الدولي والحصول على قرض بقيمة 15 مليار دولار، بالإضافة إلى بعض التحسن على المدى الأبعد في تدفق الأموال الساخنة مجددًا، والذي سيدعمه تراجع سعر الجنيه الذي يدعم طبعًا جاذبية أوراق الدين المصرية".
واستشهدت الدراسة باعتراف عامر في تصريحات له في مايو 2022، قائلًا إن "استخدام وتدخل البنك المركزي في السوق باحتياطات النقد الأجنبي أمر طبيعي، وأن هذه الاحتياطيات يتم بناؤها لمواجهة التقلبات الاقتصادية".
النقد والتعويم
ولفتت الدراسة إلى أن "الانتقادات من جانب الصندوق تعني بشكل واضح عدم رضاه عن التعويم الجزئي الذي أقره البنك المركزي في مارس 2022، والذي ساهم في تخفيض سعر الجنيه بعد فترة ثبات نسبي في سعره، حيث انخفض الجنيه أمام الدولار من 15.7 جنيها إلى أكثر من 18 جنيها".
ونبهت الدراسة إلى 6 عناصر للوضع المأزوم والأزمة غير المسبوقة للسياسات المالية والنقدية":
أولا، هناك مخاطر جيوسياسية عالمية لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد المصري، كحرب أوكرانيا .. والبنك الفيدرالي الأميركي الذي يرفع سعر الفائدة على الدولار بشكل متواصل.. وشروط وإملاءات صندوق النقد الدولي من أجل الموافقة على منح الحكومة قرضا جديدا رابعا .. وأن الزمة مستمرة والعودة شبه مستحيلة، فاحتياطي النقد الأجنبي يتراجع بشدة منذ شهر فبراير2022، رغم ودائع خليجية تبلغ 13 مليار دولار خلال الربع الأول وفرض قيود صارمة على حركة رؤوس الأموال وعملية الاستيراد وفتح الاعتمادات المستندية.
ثانيا، الالتزامات الخارجية المستحقة على البنك المركزي، سداد أعباء ديون خارجية تقدر بنحو 35 مليار دولار خلال العام المالي الجاري(2022/2023)، بالإضافة إلى 26.4 مليار دولار ديون قصير الأجل مطلوب سدادها خلال عامين، وديون متوسطة وطويلة الأجل تجاوزت 72.4 مليار دولار خلال الفترة من نهاية 2022 وحتى نهاية 2025.
وهناك كلفة الواردات المصرية المتزايدة بسبب التضخم العالمي وزيادة أسعار القمح والوقود، وهي فاتورة قدرها وزير المالية محمد معيط بنحو 9 مليارات دولار شهرياً مقابل 5 مليارات قبل حرب أوكرانيا.
وأضافت الدراسة عن تزامن ذلك مع جفاف إيرادات الدولة الرئيسية ومنها قطاعات السياحة والاستثمارات الأجنبية والأموال الساخنة التي هرب منها 22 مليار دولار وفق أرقام وزارة المالية الصادرة في 29 أغسطس 2022.
ثالثا، استرداد ثقة شريحة من عملاء البنوك الذين قاموا بسحب ودائعهم الدولارية وإيداعها في المنازل عقب انتشار شائعات حول إفلاس مصر وتعثرها عن سداد الديون الخارجية.
وحذرت من أن "إعادة بناء الجسور بين البنك المركزي وقيادات القطاع المصرفي في ظل تذمر بعضهم من أسلوب الإدارة السابقة للبنك المركزي الخشن في التعامل معهم والنظر إليهم على أنهم جزء من معسكر يديره جنرال قابع في البنك المركزي يحمل صفة محافظ".
ومن عناصر الجزء الأخير الضارة والمشوهة "تحديد سعر الدولار بالتليفون وطبقاً لتعليمات إدارية أمر يضر بسوق الصرف .. واستهداف قيادات مصرفية منافسة لمحافظ المركزي وتشويه صورتها .. واجبار البنوك على الاكتتاب في اذون الخزانة والسندات التي يطرحها البنك المركزي بالدولار واليورو..".
رابعا، أصول البنوك الأجنبية المتآكلة من النقد الأجنبي حيث صافي الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي المصري، بما فيه البنك المركزي، شهد تراجعاً بمقدار 370 مليار جنيه (نحو 20 مليار دولار)، في فترة لم تتجاوز الـ12 شهراً، بعدما هوى الرصيد من 320 مليار جنيه (17 مليار دولار)، في فبراير 2021 إلى نحو “سالب” 50 مليار جنيه (2.7 مليار دولار)، في فبراير 2022.
خامسا، ما يعوق الإدارة الجديدة للبنك المركزي أيضا، أن هناك وزارات وهيئات حكومية لا تزال تعمل في جزر منعزلة رغم علاقتها الوثيقة بموارد البلاد من النقد الأجنبي وملفات تستنزف الاحتياطي الأجنبي مثل عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ولا تعرف تلك المؤسسات والقائمين عليها شيئاً عن علم وفن التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والاقتصادية.
وأوضحت أن هناك مجلس تنسيقي بين السياسات الاقتصادية لا تأثير له، بخلاف تجار العملة والمضاربين الذين يتحينون الفرصة للانقضاض على سوق الصرف وإعادة إحياء السوق السوداء والتربح على حساب الدولة واقتصادها وأسواقها.
سادسا، الانقسام المجتمعي الحاد وعداء السلطة لأكثر من نصف الشعب المصري، والاعتماد على أدوات البطش والقمع الأمني، وتكريس المظالم والمحاكمات السياسة الجائرة واعتقال عشرات الآلاف من العلماء والخبراء والمتخصصين في كافة المجالات وهو ما يحرم البلاد من التماسك المطلوب في مثل هذه الظروف ويحرمها كذلك من كفاءات مخلصة كان يمكن أن تسهم في إخراج البلاد من كبوتها.