وثائق “BBC”: الوحدة العربية كانت في أفضل صورها ضد الصهاينة

- ‎فيأخبار

نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" تقريرا أخيرا في ذكرى نصر أكتوبر، عن وثائق من أرشيف الحكومة البريطانية اللثام عن أسرار وكواليس سلاح البترول بعدما قللت أمريكا وبريطانيا من تهديدات دول الخليج قبل المعركة ، وكان الرد العربي صادما حيث ظهرت إرادة العرب وقدرتهم على وقف ضخ النفط للغرب خلال الحرب، وأن البريطانيين فوجئوا بإعلان الدول العربية المنتجة للنفط الحد من الإمدادات للغرب بعد عشرة أيام من بدء العمليات العسكرية.

وأوضحت الوثائق أنه بعد أربعة أيام من بدء جسر جوي أميركي لنقل السلاح إلى إسرائيل سلمت وزارة الخارجية السعودية، السفارة البريطانية مذكرة، أعربت خلالها عن استياء المملكة من الموقف الأميركي المؤيد لإسرائيل ، محذرة من التأثير السيء لهذا على الدول العربية.
وقالت المذكرة إن "السعودية تجد نفسها مجبرة على خفض كمية النفط، في مواجهة هذا الموقف الأميركي المتحيز، الأمر الذي سيضر بدول السوق الأوروبية المشتركة".

وكشفت الوثائق أن المذكرة السعودية صدمت البريطانيين الذين لم يتوقعوا أن تكون لدى العرب الجرأة للإقدام على مثل هذه الخطوة، وذلك بناء على تقرير أرسلته سفارتا لندن في القاهرة والرياض، إلى نائب الوكيل الدائم للخارجية البريطانية لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، مارتن لو كويسن في الأسبوع الأول من يونيو عام 1973، استبعدت خلاله السفارة البريطانية في القاهرة أن تدفع مصر باستخدام سلاح النفط، وخلصت إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، إلى أن المصريين يطلقون تهديدات جوفاء بهذا الشأن.

وكان رئيس إدارة الشرق الأدنى بالحكومة البريطانية قال إنه  "رغم التقارير التي تشير لمباحثات بين فيصل والسادات، لكن ليس لدينا أي شيء عن النفط، ولو جرى نقاش بهذا الشأن فسيكون مفاجئا لأننا لم نسمع عنه" مشككا في إمكانية حصول القاهرة على وعد من الرياض بقطع النفط عن أميركا".

ومن جانبها قلل وزير الخارجية الأميركي، ويليام روجرز، وقتئذ، من شأن تهديدات العرب باستخدام سلاح النفط، حيث يقول أنتوني بارسونز، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية آنذاك، في تقرير سري يتناول حوارا دار بينه وبين الوزير الأميركي في يونيو عام 1973 على هامش اجتماع مجلس وزراء منظمة معاهدة الشرق الأوسط  -حلف بغداد- في طهران، إن  "روجرز وصف الحديث عن استخدام العرب سلاح النفط سياسياً بأنه فارغ، وأنه لا مجال على الإطلاق لأن تؤخذ الولايات المتحدة رهينة".

الصدمة أن الدول العربية نفذت تهديداتها التي لم يأخذها الغرب بجدية، وبعد أيام من بدء العمليات العسكرية، استطاعت فيها مصر اقتحام خط بارليف، مدت الولايات المتحدة الأميركية جسرا جويا لدعم إسرائيل، مما دفع السعودية والعراق وإيران والجزائر والكويت والإمارات وقطر، إلى إعلان رفع أسعار النفط بنسبة 17 %، وخفض الإنتاج في 16 أكتوبر 1973 تبعه قرار بحظر توريد النفط للدول المؤدية لإسرائيل.

اللواء حمدي بخيت، الخبير العسكري والاستراتيجي، قال في تصريحات صجفية إنه "لم يكن هناك اتفاق عربي مسبق على استخدام سلاح النفط في الحرب، فلم يكن من قبيل الحنكة السياسية الإعلان عن ذلك قبل الحرب، الحرب خلقت نوعا من التوافق والحماس العربي دفع إلى استخدام كل ما هو متاح من أسلحة بما في ذلك النفط".

وأضاف أن "قرار حظر النفط كان له تأثير كبير في الحرب وشكل تهديدا لأوروبا التي كانت مقبلة على موسم الشتاء، لا سيما مع اعتمادها بنسبة كبيرة على بترول الشرق الأوسط".

 

تلقوا تقريرا
وكان تقييم السفارة البريطانية في القاهرة وفق الوثائق هو استبعاد أن تدفع مصر باتجاه استخدام سلاح النفط، وجاء هذا التقييم رغم إشارة رئيس الإدارة نفسه إلى أن البريطانيين تلقوا تقريرا -حُذف مصدره- بأن وزير الحربية المصري أحمد إسماعيل علي طلب، خلال جولته في الدول الخليجية في شهر أبريل، الدول المنتجة للنفط وقف تدفق النفط في حالة اندلاع الحرب".

وقالت السفارة في تقييمها "من غير المرجح أن يشجع المصريون أي إجراءات بخصوص تزويد الولايات المتحدة بالنفط ما لم يتصرف كل المنتجين بالتنسيق فيما بينهم، أو يفعلوا أي شيء، أيا يكن كلامهم العلني، من شأنه خفض تدفق عوائد النفط إلى مصر، أو يؤدي إلى خفض كبير في الاستثمارات النفطية الأمريكية في المنطقة".

ووصفت السفارة الموقف المصري بأنه أشبه بالتهديد، وقالت إن "حسابات المصريين تقوم على أن التهديد بالفعل يخدم مصالح العرب أكثر من الفعل نفسه".

وخلصت إدارة الشرق الأدني وشمال أفريقيا، بناء على تقرير السفارة، إلى أن المصريين يطلقون تهديدات جوفاء.

غموض سعودي

وأوضح التقرير أن السعوديون عززوا حالة الغموض دون تقديم إجابة شافية عن تساؤلات الغرب بشأن احتمال استخدام سلاح النفط.

وأنه في أواخر مايو 1973 أكد عمر السقاف، وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي أن الدول العربية تشعر بمسؤولية أخلاقية تجاه بيع النفط لمن يريد شراءه، غير أنه أضاف، خلال زيارة للبرازيل، أنه عندما يتعلق الأمر بتهديد قضيتنا ومساعدة عدونا، فإننا نعتقد حينئذ أن هناك حدا".

ولما سئل الوزير، الذي كان هو الممثل الرئيسي للسياسة الخارجية السعودية في ذلك الوقت، عما إذا كانت الأمور وصلت لهذا الحد، أجاب "سوف نترك هذا للشهور القليلة القادمة" واستدرك قائلا "لقد حاولنا أن نكون معقولين لمدة سبع سنوات، نستطيع أن ننتظر عاما أو ستة أشهر للوصول إلى قرار، نحن معروفون بصبرنا، لدينا ما يكفي من النفط".

بعدما تقدم الجيش المصري في سيناء خلال الأيام الأولى للحرب، أعدت الولايات المتحدة جسرا جويا غير مسبوق لدعم إسرائيل بالأسلحة الحديثة، وهو ما استفز العرب.

بعد جولة على الخليجية وتصريحات السقاف في البرازيل، تحدثت تقارير عن مباحثات سرية بين الرئيس السادات والملك فيصل لبحث مسألة استخدام النفط.

غير أن معلومات البريطانيين، حينها، استبعدت مناقشة الزعيمين هذا الإجراء.

وقال رئيس إدارة الشرق الأدني "رغم أن لدينا تقارير عن مباحثات فيصل مع السادات، فإنه ليس لدينا أي شيء عن النفط، ولو كان قد جرى أي نقاش  في هذا الشأن ، سيكون مفاجئا لي أننا لم نسمع عنه".

وأضاف "أنا ، على أي حال أميل إلى الشك في ما إذا كان السادات قد سعى إلى الحصول على وعد واضح أو حصل عليه فعلا بقطع النفط عن الولايات المتحدة".

وفسر الدبلوماسي البريطاني شكه قائلا إن " فيصل لن يرغب في أن يتخلى للسادات عن واحدة من أوراقه الرابحة".

وانتهى إلى أنه مع هذا، فإنه من الممكن تماما أن يتفق الزعيمان على المبالغة في التهديد بوقف التدفق كوسيلة للضغط على الأمريكيين ، غير أن هذا التهديد لابد أن يفتقد إلى المصداقية الكاملة حتى يظهر كل المنتجين العرب الرئيسيين أنه يمكنهم الاتفاق على عمل مشترك.

وهذا ما حدث بالفعل، واتفق العرب ونفذوا تهديدهم بوقف ضخ البترول.

وكشفت وثائق، أفرجت عنها الحكومة البريطانية عام 2004، عن أن الولايات المتحدة فكرت في الاستيلاء على حقول النفط في الخليج بعد فرض الحظر.

وفي أوائل شهر فبراير عام 1974، أعلنت الولايات المتحدة عن خطة وصفتها بأنها مشروع الاستقلال الأمريكي في مجال الطاقة.

وفي 17 مارس أعلن وزراء النفط العرب نهاية حظر النفط، بعد أسابيع من تقدم محادثات فض الاشتباك بين مصر وإسرائيل.