“فاينانشيال تايم”: الأزمة العالمية كشفت هشاشة نموذج السيسي الاقتصادي

- ‎فيأخبار

قالت صحيفة فاينانشيال تايم إن "الأزمة العالمية كشفت هشاشة النموذج الاقتصادي الذي تقوده سلطات الانقلاب العسكري وأجبرتها على الحصول على قروض جديدة متعددة الأطراف".

وأضافت الصحيفة أنه في عام 2016، عندما اضطرت مصر إلى الذهاب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، بينما كانت تكافح أزمة العملات الأجنبية وتضاؤل الاحتياطيات كان عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب، مصرا على أنه سيتخذ القرارات الصعبة التي تجنبها أسلافه من أجل تحويل الاقتصاد المتعثر.

وأشارت الصحيفة إلى أنه، بعد مرور ست سنوات، تعتمد مصر مرة أخرى على دعم صندوق النقد الدولي في الوقت الذي تكافح فيه نقصا آخر في العملات الأجنبية، حيث وافق الصندوق الأسبوع الماضي على حزمة قروض جديدة بقيمة 3 مليارات دولار، وهذه هي المرة الرابعة التي تطلب فيها القاهرة مساعدة الصندوق منذ استيلاء السيسي على السلطة في انقلاب عام 2013 حيث تعد مصر ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، في المجموع تدين للمؤسسات المتعددة الأطراف بمبلغ 52 مليار دولار.

ولفتت الصحيفة إلى أن مشاكل مصر سلطت الضوء جزئيا على نقاط ضعف الدول الأكثر فقرا أمام تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا ، بعد أن تسببت في هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة وتسببت في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة ، مما رفع تكاليف الاستيراد تماما مع جفاف مصدر حيوي للعملة الأجنبية، لكن خبراء اقتصاديين ورجال أعمال مصريين يقولون إن "هناك قضايا أكثر جوهرية على المحك، بحجة أن الأزمة العالمية ضخمت هشاشة نموذج السيسي الاقتصادي".

ونوهت الصحيفة بأن القاهرة، تحت حكم السيسي أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الأموال الساخنة المتدفقة إلى الدين المحلي لتمويل عجز حسابها الجاري، حيث دعم البنك المركزي الجنيه وأبقى أسعار الفائدة في خانة العشرات، وإحدى النتائج هي أن القاهرة كانت حتى وقت قريب تدفع أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم على ديونها، وفي الوقت نفسه، اعتمد السيسي على الجيش لدفع عجلة النمو، حيث تم تكليفه بمسؤولية عشرات مشاريع البنية التحتية، وتشجيعه على نشر بصمته الاقتصادية عبر قطاعات لا تعد ولا تحصى، من المعكرونة إلى الأسمنت والمشروبات، مما أدى إلى مزاحمة القطاع الخاص وثني الاستثمار الأجنبي المباشر، وكانت الشكوى هي أن الأموال الساخنة استخدمت لدعم الإنفاق الحكومي الضخم ، ومعظمه من خلال الجيش ، الذي امتص العملة الأجنبية.

وتابعت الصحيفة "الآن، السؤال الذي يطرحه رجال الأعمال والمحللون المصريون هو ما إذا كانت صدمة الأشهر الستة الماضية ستكون كافية لإجبار السيسي على اتخاذ أصعب قرار اقتصادي له والتراجع عن دور الجيش في الاقتصاد، ويقول خبراء اقتصاديون إن "ذلك سيكون حاسما إذا كان للقطاع الخاص أن يزدهر وأن يجتذب البلاد مستويات أكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر لجلب مصادر أكثر استدامة للعملة الأجنبية".

ونقلت الصحيفة عن صاحب عمل، رفض الكشف عن هويته بسبب الخوف من التداعيات في دولة استبدادية "نحن بحاجة إلى وقف النزيف، وإذا واصلنا السير على هذا المنوال فسيكون مصيرنا إلى نادي باريس لتخفيف عبء الديون وقص الشعر وبيع الأصول في حالة الإفلاس".

وقال مسؤول تنفيذي آخر "يمكن أن تكون الأزمة نعمة مقنعة، ويبدو أن هناك إجماعا وفهما على أن الأمور يجب أن تتغير لأنه لا توجد حلول أخرى".

ولا يزال آخرون حذرين، إذا كان للسيسي أن يقلل من بصمة الجيش، فإن قائد الجيش السابق سيواجه دائرته الانتخابية الأساسية وأقوى مؤسسة في البلاد مع جميع المصالح الخاصة المرتبطة بها.

وأضاف صاحب العمل ، سيكون الأمر صعبا للغاية ، أنت تعطي طفلك لعبة وكيف تأخذها منه؟ سيتطلب الأمر الكثير من الشجاعة للتخلص من الجيش وأنا قلق بشأن هذا، إذا كنت تعتقد أن الخصخصة في القطاع العام صعبة، فماذا عن المصنع العسكري؟.

ونقلت الصحيفة عن جيسون توفي من كابيتال إيكونوميكس، قوله "الجيش لن يتخلى عن مصالحه بسرعة كبيرة، وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن الجيش قريب جدا من السيسي، ويمكن أن يضغط عليه إذا شعر أن مصالحه تتعرض للضغط".

ويقول مايكل وحيد حنا، المحلل في مجموعة الأزمات، إن "تقليص دور الجيش سيتطلب إعادة توصيل أجزاء كبيرة من الاقتصاد وإعادة ترتيبها، وهذا أمر صعب".

"لجنة الأزمات"

ولكن لم يكن الأمن الغذائي هو الذي سيثبت أنه كعب أخيل في الدولة، وبدلا من ذلك، كان مديرو الصناديق الأجنبية حذرين من سحب نحو 20 مليار دولار من الديون المصرية في فبراير ومارس مما أثار أزمة العملة الأجنبية.

ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على مناقشات الحكومة قولهم، إن "السيسي، الذي لا يعارضه أي معارضة، صدم عندما اكتشف نقاط الضعف في النظام، وفي 8 مارس، قفز على متن طائرة إلى المملكة العربية السعودية، أحد الداعمين التقليديين للقاهرة، وبحلول نهاية الشهر كانت الرياض قد أودعت 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري. وكان ذلك جزءا من عملية إنقاذ خليجية أوسع، حيث أودعت الإمارات العربية المتحدة 5 مليارات دولار وقطر 3 مليارات دولار".

كما التزمت دول الخليج الثلاث باستثمار مليارات الدولارات للاستحواذ على حيازات الدولة في الشركات المصرية من خلال صناديق الثروة السيادية، وأنفق صندوق الاستثمارات العامة السعودي وصندوق أبوظبي بالفعل نحو 4 مليارات دولار هذا العام للاستحواذ على حصص في شركات، بما في ذلك بنك، وشركات كيماويات وأسمدة وخدمات لوجستية وتكنولوجية.

وأضافت أنه في مارس أيضا لجأت حكومة السيسي إلى صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم، وأغلقت أخيرا قرضا بقيمة 3 مليارات دولار الأسبوع الماضي. بالإضافة إلى ذلك، ستحصل على 5 مليارات دولار أخرى من المانحين متعددي الأطراف والإقليميين ، ومن المرجح أن يكونوا دول الخليج مرة أخرى  هذا العام المالي، بحسب الصندوق.

اعتراف الانقلاب بالأزمة

وفي حديثه إلى رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين في مؤتمر اقتصادي عقد في وقت سابق من هذا الشهر استجابة للأزمة، أعطى السيسي إشارات مختلطة، مدافعا عن سجله بينما أشار أيضا إلى أنه مستعد للحد من دور الدولة.

وقال "لقد حللت مشكلة الموانئ والبنية التحتية للدولة بطريقة مختلفة، الطريق الذي اقترحتموه لتقديم مشاريع للقطاع الخاص وتقديمه للأجانب، أنا معكم، لكن لم يكن لدي الوقت لمزيد من التأخير".

هل الشركات الحكومية معروضة للبيع؟ نعم والله، والله، والله إن جميع شركات القوات المسلحة معكم متاحة للبيع.

ومنذ أبريل، أعلن السيسي أن الحكومة ستجمع 40 مليار دولار على مدى أربع سنوات من خلال بيع أصول الدولة، وقال إنها "ستبدأ في بيع حصص من الشركات العسكرية في البورصة قبل نهاية العام، وفي الخطاب نفسه، دعا أيضا إلى "حوار سياسي" مع الحركات الشبابية والأحزاب السياسية، وهي خطوة مفاجئة لرئيس نظام سجن عشرات الآلاف من الأشخاص ، ويتهم بأنه الأكثر قمعا في مصر منذ عقود.

يقول حنا، محلل مجموعة الأزمات، "هناك الكثير من الشكوك والإحباط من ذلك ، والمخاوف من أنه تمرين للعلاقات العامة ، لكنه يعكس حقيقة أن هناك ضغطا، إنهم يدركون أن هذه اللحظة مختلفة ويحتاجون إلى الاستجابة بشكل مختلف".

وتعمل حكومة الانقلاب أيضا على إعداد وثيقة ملكية الدولة التي تهدف إلى تحديد القطاعات التي تتوخى فيها دورا لكيانات الدولة، بما في ذلك الجيش، وحيث ينبغي تقليص وجودها أو سحبه بالكامل.

ولدى وضع خططها، انخرطت حكومة الانقلاب مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ورجال الأعمال في الوقت الذي تستهدف فيه زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد إلى أكثر من الضعف إلى 65 في المائة على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ولكن بعد أشهر من الإعلان عن المبادرة لأول مرة، لم يتم نشر الوثيقة الختامية، وسبق للسيسي أن تعهد ببيع حصص في شركات عسكرية على مدى السنوات الثلاث الماضية، لكن الخطاب لم يقابله بعد مبيعات الأصول على الأرض.

الاعتماد على الجيش

وقالت الصحيفة إن "السيسي اعتمد على الجيش كوسيلة رئيسية لدفع خططه الاقتصادية وحصلت حكومته على استحسان من صندوق النقد الدولي ورجال الأعمال والمصرفيين في عام 2016 بعد أن دفعت بإصلاحات صارمة، بما في ذلك خفض دعم الطاقة وخفض فاتورة الأجور في الدولة، لتأمين قرض ذلك العام البالغ 12 مليار دولار وتحقيق الاستقرار المالي، كما سمح بانخفاض قيمة الجنيه ، حيث فقدت العملة نصف قيمتها في ذلك العام.

ومع ذلك، لم يفعل النظام شيئا يذكر لتحسين مناخ الاستثمار في بلد يعاني منذ فترة طويلة من بيروقراطية غير عملية، وسوء الخدمات اللوجستية والفساد، كما يقول رجال الأعمال والاقتصاديون.

وأضافت أنه بدلا من ذلك، مضى السيسي قدما في مشاريع البنية التحتية التي تقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار حيث وعد ببناء جمهورية جديدة، ومع تحول البلاد من دولة بوليسية إلى دولة يقودها الجيش، وسع الجيش نطاق انتشاره عبر الاقتصاد، من الصلب والأسمنت إلى الزراعة ومصايد الأسماك والطاقة والرعاية الصحية والأغذية والمشروبات.

وأوضحت أن الاقتصاد استمر في تسجيل بعض أعلى معدلات النمو في المنطقة، لكن الاقتصاديين حذروا من أنه مدفوع بشكل رئيسي بالبناء وقطاع الطاقة والعقارات، وفي حين اعتبرت بعض مشاريع البنية التحتية ضرورية، يرى النقاد أن البعض الآخر مشاريع غرور لا تستطيع البلاد تحملها. وارتفعت معدلات الفقر بعد تخفيض قيمة العملة وظلت استثمارات القطاع الخاص دون المتوسطات التاريخية.

ويعتقد العديد من رجال الأعمال الذين رحبوا بانقلاب السيسي لإعادته ما يشبه الاستقرار إلى البلاد، لكن مع توسع وجود الجيش في الاقتصاد، تزايدت المخاوف من أنه يؤجل الاستثمار المحلي والأجنبي، لم تكن القضية تتعلق فقط بحجم الانتشار المتزايد للجيش باستمرار، ولكن الخوف بين رجال الأعمال من أنهم سيستيقظون ويجدون أنفسهم يتنافسون مع مؤسسة منبوذة تسيطر على جزء كبير من أراضي مصر، ويمكنها استخدام العمالة المجندة ومعفاة من بعض الضرائب.

وقبل عامين، كانت هناك علامات مبدئية على أن النظام بدأ يستمع إلى مخاوف الشركات عندما تم تكليف الصندوق السيادي المصري ببيع حصص في 10 شركات مملوكة للجيش، وحددت اثنتين هما الوطنية التي تدير نحو 200 محطة خدمة وشركة صافي وهي شركة لتعبئة المياه والمواد الغذائية كأول أصول ستقوم بخصخصتها لكن لم يتم بيع أي منها.

ولكن حتى لو كان النظام جادا في بيع الشركات العسكرية، فإنه سيواجه تحديات لا تعد ولا تحصى في جذب المستثمرين، كما يقول الخبراء، ويحذر الاقتصاديون من أن مبيعات الأصول وحدها لن تحل مشاكل مصر العميقة مع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، حيث يعيش ما يقدر بنحو 60 مليون مصري تحت خط الفقر أو فوقه مباشرة.

كانت أولوية النظام خلال السنوات التسع الماضية هي الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وسحق المعارضة لمنع أي تكرار للانتفاضة الشعبية عام 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. لقد كمم بلا رحمة أي تلميح إلى الاضطرابات.

كما كان العديد من المصريين الذين يتذكرون الفوضى التي حدثت في أعقاب الثورة حذرين من مواجهة النظام أو إثارة عدم الاستقرار، لكن المشاعر الأخيرة يمكن أن تتبدد بمرور الوقت ، كما يقول الخبراء.

 

 

https://www.ft.com/content/03533d92-4a71-43fc-b885-27dcb962d4e8