نشر موقع "قنطرة" المتخصص في الحوار الديني والسياسي (الألماني -الإسلامي والعربي) تقريرا بعنوان (مشاريع السيسي “العظيمة" تثقل كاهل فقراء مصر) عن سعي "النظام المصري العسكري" بنشاط على تحديث الطرقات والمواصلات والصناعة وبناء عاصمة إدارية فاخرة للطبقة العليا. من خلال "طفرة بناء ممولة بقروض تدفع مصر إلى فخ الديون".
وقال محرر التقرير سفيان فيليب نصر تحت عنوان فرعي (قلعة محصَّنة لنخبة الدولة) إن العاصمة هي مسارعة "في وضع الأسس لحماية حكم العسكر على المدى الطويل بعد سيطرة السيسي على السلطة في عام 2013". مؤكدا أنه "أُعيد بسرعة توازن القوى القديم في البلاد باستخدام عنف الشرطة والدعاية الحكومية ومجموعة متنوِّعة من الأعمال الانتقامية".
تحصين من الانتفاضة
وأوضحت أن "المؤسسة العسكرية، التي عادت تسيطر اليوم على كل شيء، تعلمت دروسا من الثورة الشعبية – التي يجب عدم تكرارها بأي ثمن من وجهة نظر النخب الحاكمة – ولذلك فقد نقل العسكر في عام 2016 وزارة الداخلية، التي كانت تقع قبل ذلك مباشرة بالقرب من ميدان التحرير -وهو رمز ثورة 2011- إلى القاهرة الجديدة عند طرف المدينة".
وأضاف الباحث أن "العاصمة الجديدة المحاطة بجدار وبالعديد من أحياء الطبقة العليا يخطو النظام الآن خطوة أخرى إلى الأمام بإقامته قلعة محصَّنة للدولة والجيش ونخب المجتمع، الذين يمكنهم هنا في حالة حدوث انتفاضة جديدة الجلوس بهدوء ريثما تنتهي العاصفة في شوارع مصر".
وأكد "فيليب" أن "الحجم الهائل لهذه العاصمة الإدارية الجديدة لا يعتبر على الإطلاق رمزًا لقوة نظام السيسي، بل هو دليل يدل على ضعفه ويكشف من خلال هذا المشروع بوضوح أكثر من أي وقت مضى عن مدى خوف النخبة في مصر من تجدُّد انتفاضة ذوي الدخل المحدود".
وشدد أنه منذ الأحداث التي تعاقبت في مصر بين عامي 2011 و2013، كان الجيش – الذي لا يزال يمسك بالخيوط من وراء الكواليس – يستعد للفترة القادمة بعد مرحلة التحول الديمقراطي في مصر ".
وعود مضخمة
واستعاد الباحث وعود السيسي المتزامنة مع "انتخابات" 2014، والمتمثلة في "..بناء عشرين ألف مدرسة جديدة ومشاريع استصلاح أراضٍ عملاقة، ولكن أيضًا بإنشاء اثنتين وعشرين مدينة صناعية جديدة وخمسة وعشرين مجمَّعًا سياحيًا وثمانية مطارات وثلاثة موانئ والتوسيع الضخم للقاهرة الكبرى باتجاه خليج السويس".
وتعليقا قال "يبدو في البداية كأنه مجرد قائمة غير واقعية بوعود انتخابية مبالغ في تضخيمها، ظهر أنه أشبه بإعلان دقيق لسياسة التحديث المتَّبعة من قِبَل عبد الفتاح السيسي منذ ذلك الحين".
تأثيرات سلبية
وأشار إلى "رافعات البناء وخلاطات الخرسانة في كل مكان في القاهرة الكبرى وفي الإسكندرية وعلى طول ساحل البحر الأبيض المتوسط وفي دلتا النيل وفي الصعيد وشبه جزيرة سيناء". مستدركا بتوضيح التأثير السلبي لهذه المشاريع ومن ذلك قوله: "إنشاء طريق سريع يمر عبر مقبرة القاهرة التاريخية، وهي واحدة من أكبر المقابر في المدينة. ومن أجل هذا الطريق السريع فقد هدمت الجرافات في عام 2020 الأكواخ القديمة وغرف الدفن – على الرغم من احتجاجات السكان واليونسكو. كان يسكن هنا أشخاص لا يستطيعون تحمُّل الإيجارات الباهظة في القاهرة وقد طردوهم بشكل جماعي. تتعامل سياسة التحديث المتَّبعة من قِبَل النظام بقسوة مع التراث الثقافي والجماهير الفقيرة في مصر".
وأكد الباحث فشل هذه المشاريع رغم أن أكثر من سبعة آلاف كيلومتر من الشوارع والطرق السريعة قد تم بناؤها أو تجديدها منذ ذلك الحين. وفي حين يتم في صحراء جنوب مصر وغرب الدلتا استصلاح أراضٍ وإقامة مشاريع زراعية ضخمة.
وقال "يصر السيسي على تمسكه بسياسة "المدن الجديدة"، التي تعتبر في الواقع فاشلة، ويبني التجمُّعات السكنية الصحراوية الواحد تلو الآخر في القاهرة الكبرى وفي صعيد مصر وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. وبحسب معلومات الحكومة من المخطَّط حاليا إقامة ما مجموعه سبعٍ وثلاثين مدينة جديدة، توجد منها الآن سبع عشرة مدينة قيد الإنشاء".
طفرة مموَّلة بقروض
وعاب الباحث أن هذه الطفرة البنائية ممولة بقروض، وأن "مصر غارقة من جديد في أزمة اقتصادية ونقدية عميقة وعجز في ميزان مدفوعاتها".
وأضاف "أدى هروب رؤوس الأموال من مصر بسبب جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا إلى انهيار احتياطيات العملة، بينما باتت مصر على وشك إبرام اتفاقية قروض جديدة مع صندوق النقد الدولي".
وأبدى تعجبا من ".. خلو خزائن الدولة من الأموال، ويتم تمويل هذه الطفرة إلى حد كبير بقروض من الخارج قيمتها بالمليارات وببيع أملاك الدولة"!
وأوضح "تأمين كل من بناء الحي التجاري في العاصمة الإدارية الجديدة وكذلك مشروعي السكك الحديدية، اللذين يربطان العاصمة الجديدة بالقاهرة، بقروض مالية من الصين وفرنسا".
وأضاف "بالقروض أيضا تمول مصر بناء مفاعل نووي على البحر الأبيض المتوسط تنفذه شركة روساتوم الروسية المملوكة للدولة، وكذلك شبكة قطارات عالية السرعة بطول ألفي كيلومتر تبنيها شركات من بينها سيمنز الألمانية، بالإضافة إلى إنشاء خطوط مترو جديدة في القاهرة والعديد من مشاريع المياه والصرف الصحي. تُظهِر حاليًا بكلّ وضوح دراسة جديدة أجرتها مؤسَّسة العلوم والسياسة الألمانية كيف تفاقمت ديون مصر الخارجية منذ عام 2013".
وحذر من أن "المزيج المصمم تصميما جيدا من الحوافز والتهديدات والخداع" سمح لمركز السلطة الرئاسي بأن يقترض المزيد من الديون الجديدة"، ولذلك تحذر الدراسة بإلحاح من إفلاس الدولة".
وخلص إلى أنه ".. بينما تستهلك خدمة الدين أجزاء كبيرة من ميزانية الدولة يتم نقل تكاليف سياسات التحديث المتَّبعة من قبل السيسي لتلبية احتياجات الأثرياء إلى غالبية المواطنين المصريين، الذين يستمر انخفاض قوَّتهم الشرائية بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة. إن سياسة البناء النخبوية، التي يتبعها السيسي محفوفة بالمخاطر. ومع أن القروض الجديدة ما تزال تتدفق حتى الآن، لكن في المجتمع المصري يزداد الصخب والاستياء".
الرابط: https://ar.qantara.de/node/48495
