“عقرب بدر” أسوأ من “عقرب طره”.. تكنولوجيا هدفها “تحديث الانتهاكات” ومزيد من القمع

- ‎فيتقارير

حين أعلن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن إنشاء سجون جديدة على الطراز الأمريكي عام 2021 كنوع من تلميع صورة نظامه السيئة في القمع والتعذيب، بادر إعلام السلطة لتدشين حملة دعائية عن رفاهية هذه السجون وكيف أنها "فنادق".

لكن بعد أقل من عام على افتتاح هذه السجون ونقل المعتقلين لها ظهر أن هذه الرفاهية التي تشدق بها إعلام السيسي عن سجن بدر ليست سوى تحديث للانتهاكات، عبر سجون بها تكنولوجيا حديثة تزيد الانتهاكات ولا تحسن حياة السجناء.

تبين أنها تعني استمرار التعذيب والتحرش الجنسي ومنع الزيارة، وطعام قليل وإضاءة شديدة على المعتقلين، ومراقبة المعتقلين بالكاميرات 24 ساعة، حسبما كشفت عدة تقارير لمنظمات حقوقية ومحامين وشهادات معتقلين.

ومع تزايد أعداد القتلى داخل السجون الجديدة خاصة سجن بدر تبين، وفق شهادات حقوقيين ومحامين ومعتقلين، ظهر أنها ليست سوي سجون "عقرب جديدة"، أو "عقرب بدر" بدلا من "عقرب طره"، لإخلاء القديم لبيع أرضه لمستثمرين.

ووصل عدد القتلى في سجن بدر 3 الجديد إلى 3 معتقلين هم: علاء محمد السلمي، مجدي عبده الشبراوي، حسن دياب حسن عطية.

كان كثير من معتقلي سجن العقرب الشهير يمنون أنفسهم بتحسن أحوالهم في السجون الجديدة التي سينقلون إليها وخاصة سجن مدينة بدر ، لكنهم فوجئوا بالعكس وزيادة التضيق عليهم فضلا عن إرهاق أهاليهم لبعد السجن ورفض الزيارات.

ومنذ احتجازهم قبل سنوات، عانى المحتجزون في سجن العقرب من حرمانهم من حقوقهم التي يكفلها لهم القانون، بما فيها الحق في التريض، والزيارة، والسماح بدخول الأدوية والطعام والملابس وأدوات العناية الشخصية، بحسب الأهالي.

وأصدر البرلمان الأوروبي قرارا بشأن مصر في 24 نوفمبر 2022 يدور حول إدانة استمرار الاحتجاز التعسفي والحبس الاحتياطي المتجدد للآلاف من سجناء الرأي في ظروف احتجاز غير إنسانية، وحرمانهم من المحاكمة العادلة ومن حقوقهم الأساسية، وبالأخص الأوضاع المفزعة في سجن وادي النطرون وسجن بدر.

وخلال أقل من شهرين، رصدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان ثلاثة وفيات في سجن بدر 3 نتيجة للإهمال الطبي، وذلك منذ بداية تشغيله ونقل المحتجزين إليه، بما يرجح كون هذا السجن الجديد كبديل للعقرب، حسبما قالت.

https://twitter.com/egyptian_front/status/1595368745580609539

وقالت منظمة "العفو الدولية" إن "السلطات المصرية تحتجز منتقدي الدولة ومعارضيها السياسيين في ظروف قاسية ولا إنسانية في سجن بدر 3 وتقشعر أبدان المحتجزين في زنازين سجن بدر الباردة، بينما تعمل أضواء الفلورسنت على مدار الساعة، على تهييج أعصابهم".

وأكدت أن سجن "بدر 3″ الواقع على بعد 70 كيلومترا من القاهرة، يُحتجز السجناء فيه في ظروف مروعة وعقابية أسوأ من تلك الموثقة باستمرار في مجمع سجون طرة سيئ السمعة.

 

القمع الجديد

روى معتقل لموقع "مدى مصر" 21 نوفمبر 2022 ما كان يحدث معه في السجون القديمة ثم الجديدة قائلا "في السجون الثلاثة التي قضيت فيها سنوات حبسي على ذمة قضايا سياسية تعود لعام 2015، كان أبرز ما يهون عليه هو النظر للسماء من نضارة الزنزانة".

تلك الفتحة في أعلى باب الزنزانة التي ينظر منها مساء إلى السماء، يتحدث عبرها مع زملائه في زنازين العنبر، ويتبادلون أكواب الشاي، ينتظرون الصباح للتنقل بين الزنازين المجاورة داخل العنبر الواحد، والخروج وقت التريض لقضاء بعض الوقت تحت أشعة الشمس في مكان محاط بالأشجار.

لكن، مع انتقاله إلى مركز الإصلاح والتأهيل بمجمع «سجون بدر» في الأول من أكتوبر الماضي، وجد نفسه محاصرا داخل قالب إسمنتي أربعة جدران يتخللها باب مصمت، به فتحتان: الأولى على ارتفاع نصف متر من أرض الزنزانة تُفتح لإدخال التعيين «وجبات السجن»، والثانية تعلوها بـ 140 سم ولا تُفتح أبدا.

والآن وسيلته الوحيدة للتواصل مع الخارج هي زر يضغط عليه في حالة الطوارئ ليرد عليه معاون شرطة على الجانب الآخر ردا واحدا لا يتغير، بعدما يستمع إلى الشكوى «حاضر هنبلغ».

لا يغادره سوى أقل من ساعتين في اليوم بعد أن يجلس على ركبتيه ويُخرج يده من فتحة باب الزنزانة السفلية ليتم وضع الكلابشات في يده قبل أن يتم فتح الباب والخروج منها إلى فناء إسمنتي محاط بسلك فتحاته ضيقة.

 

تجهيزات إلكترونية قمعية

وأكد عدد من أهالي المساجين بـ«بدر 1 و3» على وجود بعض الاختلافات في السجون الجديدة، تمثلت في تجهيزات تكنولوجية، إلا أن كثيرا منهم أشار إلى أن هذه التجهيزات نفسها أصبحت تستخدم كوسائل لانتهاكات حقوق المساجين بدلا من تحسين ظروف احتجازهم.

إضافة إلى استمرار بعض الانتهاكات الأخرى المعتادة، مثل المنع من الزيارة أو الحرمان من التريض، أو تدني الرعاية الصحية ، والتي لم تتغير مع تغير السجن. منظمات حقوقية اعتبرت السجن الجديد أسوأ حتى من سجن طرة شديد الحراسة، المعروف بـالعقرب سيء السمعة، واصفين إياه بـ«جوانتانامو» وذلك في توثيقهم وفاة ثلاثة سجناء به خلال الشهرين الماضيين بسبب عدم تلقيهم الرعاية الصحية اللازمة.

وقال معتقل إنه "عقب وصوله إلى سجن بدر1 في الأول من أكتوبر 2022 سكنته إدارة «بدر1» وتسعة آخرين بزنزانة في الدور الثالث في مبنى مكون من أربعة طوابق، مساحتها حوالي أربعة أمتار طول ومثلها عرض، مضيفا أن المساحة المخصصة لكل سجين هي مساحة المرتبة الخاصة به، حيث تخلو الزنزانة من الأسرّة، ونصيب كل سجين بها مرتبة ومخدة وكيس بلاستيك يضع به أغراضه، وأن الزنزانة بها حمامان، وكاميرا تكشف جميع أركان الزنزانة باستثناء منطقة الحمامات.

بالإضافة إلى هذا، هناك مروحتان وأربعة شبابيك تقترب من السقف، الذي ثُبت به سبعة كشافات كبيرة، كان يتم تشغيلها على مدار اليوم ولكن بعد شكوى المساجين، تم تخفيض الإضاءة في المساء بإطفاء ستة كشافات في العاشرة مساء وحتى السادسة صباحا.

ويقول إن "السجن الجديد يلعب على الحالة النفسية للسجين، حيث تنقطع علاقته بخارج الزنزانة، وفي «بدر1» «كل حاجة إلكتروني، الكاميرا شغالة 24 ساعة وبيكلمونا إلكتروني، كأننا عايشين في جوانتانامو، معزولين عن كل حاجة» مشيرا إلى أنه خلال وجوده في السجن شعر أحد السجناء بتعب، وكان محتاجا لحقنة ، فطلبوا أنهم يعطوا له الحقنة من فتحة سفلية في باب الزنزانة يتم فتحها لإدخال الطعام منها، وذلك لأن عيادة السجن وقتها لم تكن بدأت عملها».

أضاف أنهم اعترضوا، فطالبهم الضابط بإخراج أيديهم من تلك الفتحة واحدا تلو الأخر ليقوم بكلبشة كل من في الزنزانة، وبعدها فتحوا الباب وأعطى الممرض للسجين الحقنة، موضحا أنه على الرغم من أن معاملة الحراس والضباط في السجن أكثر آدمية مما كانت عليه في سجن طرة، إلا أنها تكون في أضيق الحدود، حيث يتعاملون معنا من خلف الجدران.

وقال المحامي خالد علي إن "كثرة الشكوى من بدر لأنه يضم غالبية السجناء المدنيين المحبوسين في قضايا سياسية، بعكس سجن وادي النطرون، الذي لا نعرف من السياسيين فيه سوى علاء عبد الفتاح، وغالبية سجنائه من الإخوان والجنائيين".

 

سجون أمريكية للعقاب

اللافت أن سجن العقرب الذي تم نقل السجناء منه إلى سجن بدر لتحسين ظروف احتجازهم، أنشئ أيضا عام 1993 استلهاما من التجربة الأمريكية في السجون، وذلك بعدما أعجب وزير الداخلية الأسبق حسن الألفي، بمقترح قدمه عدد من الضباط عقب عودتهم من بعثة تدريبية في الولايات المتحدة بإنشاء سجون شديدة الحراسة ، لكن كلاهما واحد والفارق في زيادة تكنولوجيا العقاب والتدمير النفسي.

وتم تقسيم عقرب بدر المسمى كنوع من الخداع مركز الإصلاح والتأهيل ببدر إلى ثلاثة سجون الأول «بدر1» وخُصص للسجناء السياسيين والجنائيين و«بدر2» للسيدات و«بدر3» للسياسيين الإسلاميين وهو الأشد تعذيبا وبه مات ثلاثة خلال شهر.

وبحسب المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار، انتقل مئات النزلاء من سجن طرة شديد الحراسة1 «العقرب» إلى سجن بدر3 في الأسبوع الأول من أغسطس 2022.

ويؤكد العطار استمرار انتهاكات أخرى، كمنع إدخال الكتب واستلام وتسليم الخطابات والحرمان من التريض، وكذلك منع إدخال الأطعمة والأدوات الشخصية.

وإلى جانب هذه الانتهاكات المعتادة، واجه السجناء انتهاكات جديدة استُخدمت فيها تجهيزات السجون الجديدة، أحالت حياة عدد كبير منهم إلى جحيم مستمر، مما دفع عدد غير محدد منهم إلى الإضراب عن الطعام ورفضهم استلام التعيين نهاية الشهر الماضي، اعتراضا على أوضاع الاحتجاز التي وصفوها بأنها أسوأ من سجن العقرب، بحسب العطار، نقلا عن رسائل وصلت إلى أسر مساجين من داخل السجن.

https://twitter.com/Saramoh92/status/1595074468661104642

أوضح العطار أن إدارة السجن تتعمد تكدير المساجين والتحكم في كل تفاصيل حياتهم من خلال الكاميرا والميكروفون، مشيرا إلى أنه يتم إيقاظهم في الصباح الباكر بالميكروفونات، وكلبشة كل من في الزنزانة عن طريق فتحة باب الزنزانة قبل فتح الباب لخروج ولو سجين واحد لحضور جلسة محاكمته أو تجديد حبسه.

إلى جانب هذا، تعمل كاميرات المراقبة 24 ساعة في اليوم، مع استمرار الإضاءة القوية على سبيل المثال، وفي حال تعليق أي سجين ما يشبه منشر الغسيل لنشر الملابس عليه يقوم السجان بالنداء عليه عبر الإذاعة الداخلية لإزالته.

أضاف كذلك أن كمية التعيين (الغذاء) قليلة، فضلا عن صرف زجاجة مياه واحدة أسبوعيا لكل سجين، والكانتين الموجود بالسجن به منتجات محدودة.

وعلى الرغم من أنه لا يفصل سجن بدر عن محكمة بدر التي تنظر جلسات تجديد حبس ومحاكمة المتهمين في قضايا إرهاب سوى سور كما كان الوضع خلال وجودهم في طرة، إلا أن إدارة سجن بدر3 لا تنقل السجناء إلى المحكمة، وإنما يتم نظر جلسات محاكمتهم أو تجديد حبسهم عبر الفيديو كونفرانس.

وتقول المحامية هدى عبد الوهاب، إن "أحد سجناء «بدر3» هدد بالانتحار أمام القاضي خلال جلسة تجديد حبسه بالفيديو كونفرانس في 23 أكتوبر الماضي بسبب ظروف احتجازه، موضحة أن السجين قال للقاضي إنه محبوس احتياطيا منذ ثلاثة سنوات ولم يرَ أيا من أهله".

وبحسب عبد الوهاب، يظهر المحبوسون في الفيديو بالكلبشات وهو أمر مخالف للقانون، لافتة إلى أن المحامين عادة يعترضون على هذا الأمر، فيطلب القاضي من الضباط فك الكلابشات خلال الجلسة.

كذلك تتمثل المخالفة الأبرز في عدم سماح بعض الدوائر القضائية للمتهمين بالحديث، موضحة أنه بسبب ظروف المحاكمات الإلكترونية وما تتطلبه من وقت طويل، يقوم بعض القضاة بإثبات حضور المتهمين بمجرد ظهورهم على الشاشة ونطق أسمائهم ورقم القضية المتهمين فيها، وبعدها يغلق الشاشة ويستكمل الجلسة، لافتة إلى أنه عند اعتراض المحامين وتهديدهم بالانسحاب من الجلسة، ومطالبتهم بالسماح للمتهمين بالحديث، رد عليهم القضاة بتخييرهم «المحامين أو المتهمين يتكلموا، نلاحق على كل الناس إزاي؟

 

التضييق زارد على معتقلي "العقرب" بعد نقلهم إلى "بدر3"

كان كثير من معتقلي سجن العقرب الشهير يمنون أنفسهم بتحسن أحوالهم في السجون الجديدة التي سينقلون إليها وخاصة سجن مدينة بدر لكنهم فوجئوا بالعكس وزيادة التضيق عليهم ، فضلا عن إرهاق أهاليهم لبعد السجن ورفض الزيارات.

ومنذ احتجازهم قبل سنوات، عانى المحتجزون في سجن العقرب من حرمانهم من حقوقهم التي يكفلها لهم القانون، بما فيها الحق في التريض، والزيارة، والسماح بدخول الأدوية والطعام والملابس وأدوات العناية الشخصية، بحسب الأهالي.

وأغلب السجناء الذين تم نقلهم إلى «بدر 3» محتجزون على ذمة قضايا سياسية، منهم من صدر ضدهم أحكام قضائية بالفعل، وأيضا ممن ما زالوا في مرحلة الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا اتهموا فيها بالإرهاب، على الرغم من تبرئتهم من قضايا مماثلة في وقت سابق، وتجاوز احتجازهم الحد الأقصى للحبس الاحتياطي.

وقد أصدرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، بيانا يؤكد الاستمرار في حرمان المحتجزين من حقوقهم، رغم أن أوضاع الأهالي أثناء الزيارة شهدت بالفعل تحسنا، من ناحية وجود مظلة وكافتيريا والتفاعل مع الاستعلامات من قبل الأهالي، إلا أنه لم يتم السماح لهم بأي زيارة أو تمكينهم من رؤية ذويهم حتى الآن وفق المنظمة.

وبحسب الجبهة، يتعرض سياسيون بارزون محتجزون داخل المركز وحرمانهم من حقوقهم الأساسية التي يكفلها قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية كما طالبت المجلس القومي لحقوق الإنسان بالاضطلاع بدوره وتنظيم زيارة رسمية للمركز.

قالت "لم تتغير ظروف الاحتجاز في مركز بدر عن سجن العقرب وتدهورت أوضاع الاحتجاز في مركز الإصلاح والتأهيل بدر 3 وبالتحديد أوضاع هؤلاء الذين تم نقلهم خلال الشهور الأخيرة من سجن شديد الحراسة 1 المعروف بالعقرب".

وبعد سنوات من تدهور أوضاع احتجازهم داخل سجن العقرب سيئ السمعة، تستمر إدارة مركز بدر 3 في حرمانهم من حقهم في الزيارة والتواصل مع العالم الخارجي ومعاملتهم بشكل مهين داخل هذا السجن، بما يدحض الدعاية الحكومية القائمة على تحسين أوضاع الاحتجاز بمجرد نقل المحتجزين إلى سجون جديدة، ويثبت أن هذا المركز لا يقدم أي جديد وإنما يُدار بنفس الفلسفة العقابية والثقافة المؤسسية لدى موظفي وإدارات السجون.

 

إهانة المعتقلين 

بخصوص معاملة المحتجزين، أكدت مصادر للجبهة المصرية، بأن القيادات البارزة المحتجزة داخل المركز يتعرضون لإهانات من قبل موظفي المركز، ما دفع أحد المحتجزين، وهو قيادي في جماعة الإخوان المسلمين، لإعلان إضرابه عن الطعام منذ أكثر من ثلاثة أسابيع لتعرضه للسب والإهانة داخل المركز.