“فتح القسطنطينية”.. آيا صوفيا مقصد الأتراك مع فوز أردوغان

- ‎فيلن ننسى

 

مثلت الذكرى 570 لفتح القسطنطينية فتحا جديدا الإثنين 29 مايو 2023، حيث انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان، والساعات الأولى لمرحلته الجديدة من مسجد آيا صوفيا وسط إسطنبول (القسطنطينية) بجموع غفيرة من الأتراك، أدوا صلاة الصبح، ليؤمهم رئيس الشؤون الدينية “علي أرباش”.

وألقى رئيس الشؤون الدينية كلمة قصيرة بعد الصلاة، وقال: “إخواني وأخواتي الأعزاء، اليوم، في الذكرى 570 للغزو، أدينا صلاة الصبح معا في مسجد آيا صوفيا، وهو ذكرى الفتح بالنسبة لنا، تقبله الله”.

وبالتزامن مع الذكرى، قال رئيس الهيئة العليا للانتخابات أحمد ينار في مؤتمر صحفي: إن “الرئيس أردوغان حصل على 52.14%، وكليجدار أوغلو حصل على 47.86%، مع فرز 99.43% من صناديق الاقتراع”.

وتوقع أتراك أن يشارك الرئيس أردوغان في الاحتفال بالذكرى 570 لفتح مدينة إسطنبول، على يد السلطان العثماني محمد بن مراد  المعروف بمحمد الفاتح أو محمد الثاني.

القسطنطينية في تغريدات الرئيس أردوغان تتمثل في إحياء روح الفتح التي يستلهمها في تركيا الجديدة.

 

ويحتفل الأتراك خاصة، والمسلمون عامة في 29 مايو من كل عام، بذكرى فتح مدينة القسطنطينية ،كما كانت تسمى في الماضي (إسطنبول حاليا)، تلك المدينة التاريخية التي فتحها عليها السلطان محمد الفاتح من الإمبراطورية البيزنطية، عام 1453م، بعد أن ظلت عصية على الفتوحات الإسلامية لعدة قرون.

 

كان حصار المسلمين للقسطنطينية في أعوام 673 ــ 678 و717 ــ 718 أكثر رمزية من «بواتييه»، بعد أن دحر المسلمون البيزنطيين من بلاد الشام ومصر، وهاهم يحاولون إسقاط العاصمة البيزنطية المنافسة لروما قبل سقوطها عام 476، ومن ثم خليفتها السياسية.

 

الأحداث التاريخية اللاحقة أثبتت بحسب مراقبين أنه لم يكن لسقوط العاصمة البيزنطية القسطنطينية بيد العثمانيين عام 1453 ذلك الأثر المدمر الذي كان ممكنا لو سقطت في حصار 717 ــ 718 على الغرب، حتى ولو ترافقت قبلها وبعدها مع سقوط البلقان واليونان ووصول العثمانيين إلى فيينا عام 1529 ما دام التوازن الاقتصادي قد اختل كثيرا لمصلحة الغرب مع اكتشاف القارة الأميركية ومع تحول التجارة عن الشرق الأوسط مع اكتشاف رأس الرجاء الصالح عامي 1492 و1497.

فتح القسطنطينية والانقلاب
 

العداء السافر بين الانقلاب والهوية الإسلامية ودفاع الحكومة التركية عن الحريات وحقوق الشعوب العربية في الحرية، أسفرت عن ادعاء دار الإفتاء المصرية المعروفة بالعسكرية في يونيو 2020، إلى وصف فتح القسطنطينية بالاحتلال العثماني، وهو ما دعا إمام أيا صوفيا ورئيس الشؤون الدينية في تركيا علي أرباش أن يقول: إنه “أمر مؤسف وقبيح ومخالف للمعتقدات والأخلاق الإسلامية والحقائق التاريخية”.

وأضاف، “أنتظر من مسؤولي الدولة استيفاء المتطلبات القانونية والأخلاقية لهذا التزييف للحقائق المُشوه للذاكرة المشتركة للمسلمين على وجه الأرض وإلا سيُدانون تاريخيا”.

وأكد أن “الفتح يعبر عن المثالية والأخلاق العظيمة في الفكر الإسلامي، وإن غزو إسطنبول وهو فتح سعيد، كان من نصيب السلطان محمد الفاتح، تنبأ به نبينا الحبيب الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف”.

 

وأكد أن فتح القسطنطينية هو “نتيجة صراع من أجل الحرية والعدالة والرحمة”.

 

وأردف هدف السلطان “الفاتح” كان إدخال مبادئ الإسلام المشرقة والسلام والعدالة والرحمة، وبعده تعيش الأعراق والأديان المختلفة في سلم وسلام في إسطنبول، مركز الحضارة النموذجي.

 

 

وأثارت دار الإفتاء المصرية غضبا وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تتراجع عن ذلك بعد تعرضها لوابل من الاستنكار، وتقول: “الفتح العظيم تم على يد السلطان العثماني الصوفي العظيم محمد الفاتح، أما أردوغان فلا صلة له بمحمد الفاتح”، وهو ما يثبت أن الغاية من منشورها عن الفتح العظيم، هو النيل فقط من القيادة التركية والرئيس أردوغان شخصيا.

 

وفي الشهر التالي لفتوى الإفتاء (يوليو 2020)، هاجمت صحيفة مصرية اختبار اللغة العربية للدبلومات الفنية، وذلك بسبب سؤال عن فتح القسطنطينية، وهو ما اعتبرته الصحيفة تمجيدا للفتح العثماني، في ظل حالة العداء السابق بين نظام “السيسي” و”أردوغان”.

 

وأرفق موقع “القاهرة 24” خبره بصورة من امتحان اللغة العربية للدبلومات الفنية، والذي تضمن أسئلة عن سبب شهرة القسطنطينية إبان فتحها على يد السلطان العثماني “محمد الفاتح”، وسؤالا آخر حول سبب كون القسطنطينية درة الجناح الشرقي في العالم المسيحي، وسؤالا ثالثا حول ميناء القرن الذهبي الذي كان له دور مهم في فتح القسطنطينية.

وزعم الموقع أن متداولي هذه الصورة، طالبوا وزير التعليم المصري “طارق شوقي” ونائب وزير التعليم لشؤون التعليم الفني “محمد مجاهد” باتخاذ إجراء حاسم ضد من وضع هذا الامتحان، وتطهير الوزارة من “الإخوان”.

 

الفتح واليمين المتطرف

ويبدو أن اليمين المتطرف الغربي ما زال فتح القسطنطينية يؤرقه ويتمنون العودة مع ادعاءات ومزاعم، ففي 15 مارس 2019 شن “برينتون تارنت” إرهابي إسترالي هجوما إرهابيا دمويا على مسجدي مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، الجمعة، وقتل نحو 55 مسلما ومسلمة بين طفل ورجل مسن و كشفت صور السلاح المستخدم عبارات وكلمات وأرقام كتبها منفذ الهجوم، تحمل إشارات تاريخية عنصرية تجاه المسلمين والأتراك والدولة العثمانية.

وأضاف: “نحن قادمون إلى القسطنطينية (إسطنبول) وسنهدم كل المساجد والمآذن في المدينة، آيا صوفيا ستتحرر من المآذن وستكون القسطنطينية بحق ملكا مسيحيا من جديد، ارحلوا إلى أراضيكم طالما لا تزال لديكم الفرصة لذلك”.

 

دراسة الصلابي

وللشيخ د. علي الصلابي العالم الليبي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين دراسة حديثة نشرها قبل ساعات بعنوان “فتح القسطنطينية وأثره على العالمين الأوربي والإسلامي” من مستخلصات كتبه عن الدولة العثمانية وحديثه عن ذكرى فتح القسطنطينية.

قال فيها: إنه “بقي المسلمون أكثر من ثمانية قرون حتى تحققت البشارة النبوية بفتح القسطنطينية، وكان حلما غاليا وأملا عزيزا راود الخلفاء والقادة والفاتحين عبر تاريخنا الإسلامي المجيد، هذا الحلم الذي لم يُخب جذوته مر الأيام وكر السنين، وظل هدفا مشبوبا يثير في النفوس رغبة عارمة في تحقيقه حتى يكون صاحب الفتح هو محل ثناء النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله: “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش.”.

وأضاف أن ما يميز هذه الذكرى اليوم “الانتخابات الرئاسية التركية التي تتزامن أطوارها مع ذكرى الفتح العظيمة، ففوز حزب العدالة والتنمية بقيادة الزعيم رجب طيب أردوغان سيكون بإذن الله تعالى انتصارا جديدا لهذه الأمة في تاريخها الحديث”.
 

 

وأضاف أنه كانت القسطنطينية قبل فتحها عقبة كبيرة في وجه انتشار الإِسلام في أوروبا، ولذلك فإِن سقوطها يعني، فتح الإِسلام لدخول أوروبا بقوة وسلام لمعتنقيه أكثر من ذي قبل، ويعتبر فتح القسطنطينية من أهم أحداث التاريخ العالمي، وخصوصا تاريخ أوروبا، وعلاقتها بالإِسلام؛ حتى عدّه المؤرخون الأوربيون، ومن تابعهم نهاية العصور الوسطى، وبداية العصور الحديثة. (أوزنتونا، 1988، ص384).

وأشار إلى مفردات اسم “إسطنبول” فقال: “قام السلطان بعد ذلك على ترتيب مختلف الأمور في المدينة، وإِعادة تحصينها، واتخذها عاصمة للدولة العثمانية، وأطلق عليها لقب إِسلام بول؛ أي: مدينة الإِسلام.
 

وعن تأثّر الغرب بنبأ الفتح، فقال: “انتاب النصارى شعور بالفزع والألم والخزي، وتجسم لهم خطر جيوش الإِسلام القادمة من إسطنبول، وبذل الشعراء والأدباء ما في وسعهم لتأجيج نار الحقد، وبراكين الغضب في نفوس النصارى ضد المسلمين، وعقد الأمراء، والملوك اجتماعات طويلة، ومستمرة، وتنادى النصارى إلى نبذ الخلافات، والحزازات” مشيرا إلى أسماء البابوات الذين تزعموا حملات تحريض وتشجيع على قتال المسلمين وانشغالهم المتكرر عنها وتفتتهم بشأنها، ولم يبق منهم إلا المجر والبندقية التي عاهدت العثمانيين وانهزمت المجر أمامهم.
 

آثار الفتح إسلاميا

وعن آثار هذا الفتح المبين في المشرق الإِسلامي؛ فنقول: “لقد عمّ الفرح، والابتهاج المسلمين في ربوع آسيا، وأفريقية، فقد كان هذا الفتح حلم الأجداد، وأمل الأجيال، ولقد تطلعت له طويلا، وها قد تحقق، وأرسل السلطان محمد الفاتح رسائل إِلى حكام الديار الإسلامية في مصر، والحجاز، وبلاد فارس، والهند، وغيرها، يخبرهم بهذا النصر الإِسلامي العظيم وأذيعت أنباء الانتصار من فوق المنابر، وأقيمت صلوات الشكر، وزُينت المنازل، والحوانيت، وعلقت على الجدران، والحوائط الأعلام، والأقمشة المزركشة بألوانها المختلفة.

وعن احتفال مصر نقل عن ابن إِياس صاحب كتاب «بدائع الزُّهور» في هذه الواقعة: “فلما بلغ ذلك، ووصل وفد الفاتح؛ دُقت البشائر بالقلعة، ونودي في القاهرة بالزينة، ثم إِن السلطان عيّن برسباي أمير آخور ثاني رسولا إلى ابن عثمان يهنئه بهذا الفتح”.
 

وأضاف عن المؤرخ أبا المحاسن بن تغري بردي يصف شعور الناس، وحالهم في القاهرة عندما وصل إليها وفد الفاتح، ومعهم الهدايا، وأسيران من عظماء الروم، قال: «قلت ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم، وجاء القاصد المذكور، ومعه أسيران من عظماء إسطنبول، وطلع بهما إِلى السلطان (سلطان مصر إينال) وهما من أهل القسطنطينية، وهي الكنيسة العظيمة بإسطنبول، فسر السلطان، والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم، ودُقت البشائر لذلك، وزُينت القاهرة بسبب ذلك أياما، ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه الأسيران إلى القلعة في يوم الاثنين خامس وعشرين من  شوال بعد أن اجتاز القاصد المذكور، ورفقته شوارع القاهرة، وقد احتفل الناس بزينة الحوانيت، والأماكن، وأمعنوا في ذلك إلى الغاية، وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطاني من قلعة الجبل”.

وأشار الصلابي إلى أن احتفال الناس، وأفراحهم في القاهرة بفتح القسطنطينية ما هو إلا صورة لنظائر لها قامت في البلاد الإسلامية الأخرى.

ولفت إلى أن هذا الاحتفال العظيم بفتح القسطنطينية، ورغم الفارق الزمني فإنه يتشابه مضمونه كثيرا مع احتفالات فوز حزب العدالة التنمية في الاستحقاقات التركية، ولعل هذا نابع أساسا من ذلك التضامن الذي يجوب كل قطر إسلامي في السراء والضراء.