بعد عشر سنوات.. مذبحة رابعة لا تزال تطارد مصر

- ‎فيحريات

مع مرور عشر سنوات على مقتل مئات المتظاهرين على يد قوات أمن الانقلاب في ميداني رابعة والنهضة، ألقت أسباب المجزرة وعواقبها بظلال قاتمة على مصر وحياتها السياسية والاجتماعية اليوم، بحسب ما أفاد تقرير لصحيفة "العربي الجديد".

 

الانقلاب والاعتصامات

وقال التقرير: إنه "في 3 يوليو 2013، بعد أشهر من الاحتجاجات وعدم الاستقرار في أعقاب الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك في ثورة 25 يناير 2011، تم الانقلاب على الرئيس المدني الأول والوحيد المنتخب ديمقراطيا في مصر محمد مرسي من قبل وزير الدفاع آنذاك وقائد القوات المسلحة المصرية الجنرال عبد الفتاح السيسي، وتم استبدال حكومة مرسي الانتقالية المدنية بطغمة عسكرية ديكتاتورية برئاسة السيسي، وأصبح الجنرال آنذاك رئيسا بعد عام واحد، وهو المنصب الذي شغله منذ ذلك الحين".

وأضاف التقرير أنه بعد انقلاب السيسي مباشرة ، ظهرت حركة احتجاج سلمية لصالح إعادة مرسي، وبشكل أعم، عودة الديمقراطية المصرية، احتل المتظاهرون ونظموا اعتصامات في ميدان رابعة العدوية في شرق القاهرة، مع وجود وحدة أصغر في ميدان النهضة في غرب المدينة.

 

المجزرة

وأوضح التقرير أن نظام السيسي الناشئ اعتبر رابعة مركزا للحركة المؤيدة لمرسي والمؤيدة للديمقراطية في مصر، وأطلقوا هم وأنصارهم حملة إعلامية تشوه سمعة المتظاهرين باعتبارهم إرهابيين إسلاميين عنيفين يعملون نيابة عن قوات أجنبية. ومع ذلك، وكما تشهد روايات شهود العيان، كانت الاحتجاجات سلمية إلى حد كبير ومتنوعة أيديولوجيا وموحدة من خلال دعم إعادة إرساء الديمقراطية.

ولهذا السبب عندما اقتحمت قوات أمن الانقلاب، في الساعة 7 من صباح يوم 14 أغسطس 2013، برفقة الجرافات، المخيم وأطلقت الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية، أصيب المتظاهرون بالذهول، وعلى الرغم من ادعاء السلطات الانقلابية أنها فتحت ممرات آمنة للناس لمغادرة الساحات، إلا أن شهود عيان يقولون خلاف ذلك.

وقال طبيب نجا من الاعتصام في رابعة للعربي الجديد بشرط عدم الكشف عن هويته: "قوات الأمن أغلقت المداخل، كانت فوضى عارمة، لم يكن أحد يعرف إلى أين يذهب، وكان الناس يتعرضون لإطلاق النار وهم يركضون بحثا عن مخبأ".

وأضاف "لم يصدق أحد أن الجيش سيسمح بقتل المصريين بهذه الطريقة".

وبعد عام من المذبحة، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرا موسعا عن أحداث ذلك اليوم، يظهر أن قوات الأمن تعمدت إغلاق المداخل لمنع الناس من المغادرة، ودهست الجرافات خياما مليئة بالناس، بينما أطلقت ناقلات الجنود المدرعة، برفقة مسلحين ملثمين، النار على حشود من المتظاهرين الفارين، وكان العديد من الضحايا قد أصيبوا برصاص قناصة في الظهر أو في الرأس، وأظهرت مقاطع فيديو المتظاهرين وهم يلتقطون عشوائيا، بل إن بعضهم أحرقوا أحياء، حيث أضرمت النيران في الخيام.

وأشار التقرير إلى أنه بحلول نهاية فض الاعتصام كما وصفته وسائل الإعلام المصرية الموالية للانقلاب، تقول هيومن رايتس ووتش: إن "ما لا يقل عن 817 شخصا قتلوا، لكن الرقم الحقيقي هو على الأرجح أكثر من 1000 وعلى الرغم من أن النظام قد أعاد تسمية الميدان الآن وحظر المناقشة العامة للمجزرة، إلا أن رابعة تذكر بأنها واحدة من أحلك الأيام في تاريخ مصر.

 

إرث من العنف والخوف

ولفت التقرير إلى أنه منذ المذبحة، أصبحت مصر واحدة من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان على وجه الأرض، حيث وثقت جماعات حقوق الإنسان تصعيدا كبيرا في الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والمحاكمات الجائرة وتدمير المجتمع المدني والاعتداءات الشديدة على حرية التعبير، وتعد مصر الآن من بين الدول الثلاث الأولى في العالم من حيث عدد عمليات الإعدام وأحكام الإعدام.

وقال عمرو مجدي، وهو مصري وباحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش لصحيفة العربي الجديد: "رابعة شكلت سابقة لمصر شبه الشمولية التي نراها اليوم".

وأضاف مجدي "لم تكن رابعة تتعلق فقط بتفريق احتجاج، بل كانت تتعلق بإرسال رسالة لما سيأتي، ليس فقط لأنصار مرسي أو الإخوان المسلمين أو مؤيدي الديمقراطية، ولكن لجميع المصريين، إذا عارضتم هذا النظام، فإن الثمن سيكون السجن أو الموت". 

 

المستقبل: ماذا عن العدالة؟

ونوه التقرير بأن أحد الأسئلة التي يطرحها العديد من الناجين وعائلات الضحايا هو ما إذا كانت هناك عدالة لأحداث ذلك اليوم أم لا؟.

في العقد الذي أعقب المجزرة، لم يحاسب شخص واحد على المجزرة،  وعلى الرغم من أن جماعات حقوق الإنسان تحدد السيسي ورئيس الوزراء المؤقت آنذاك حازم الببلاوي باعتبارهما مهندسي المجزرة، فمن الواضح أنهما لا يمكن المساس بهما في مصر السيسي.

وتابع:" على الصعيد العالمي، بعيدا عن مواجهة مصر لأي تداعيات للمجزرة، طور نظام السيسي علاقة قوية مع الاتحاد الأوروبي، حيث أصبح نظامه حليفا استراتيجيا للكتلة ومشتريا مربحا للأسلحة الأوروبية عالية التقنية، ويلقي الكونجرس الأمريكي الآن نظرة أكثر جدية على سجل حقوق الإنسان في مصر فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية التي تقدمها للبلاد بقيمة 1.3 مليار دولار، ولكن بالنظر إلى مرور عقد كامل على مذبحة رابعة، يفترض الكثيرون أن السيسي قد أفلت من العقاب ببساطة".

يوافق مجدي على أنه في حين أن آفاق العدالة حاليا "صفر" بالنظر إلى أن مذبحة رابعة كانت أساس نظام السيسي، وأن السيسي قد أعاد الآن تشكيل القضاء إلى أداة قمع ، إلا أنه يعتقد أن مصر ستشهد لحظة ديمقراطية أخرى.

واختتم مجدي قائلا: "لا أعتقد أن الأمر سيبقى على هذا النحو إلى الأبد والعدالة أمر لا مفر منه، وعندما تأتي ستكون هناك لحظة حساب للمسؤولين عن هذه الجريمة".

 

تحقيق العدالة

وفي خطوة نادرة، أصدرت 26 منظمة حقوقية داخل مصر بيانا أعربت فيه عن تعازيها لأسر الضحايا ودعت إلى تحقيق العدالة، وذكرت أن السيسي والببلاوي هما الجناة.

وفي حين أن هذا قد لا يبدو كثيرا، إلا أنه يعكس اعتقاد مجدي بأنه على الرغم من أن الوعي المصري بالمذبحة قد يبدو منخفضا بسبب القمع والعوامل الأيديولوجية، إلا أن العديد من المصريين يدركون حجم الجريمة ومركزيتها في صياغة نظام السيسي للقمع. 

ومع ذلك، لا يزال الطبيب المصري الذي قابلته صحيفة العربي الجديد أكثر حذرا بشأن احتمالات أي تعويض عن الأحداث التي شهدها.

وقال: "لن أنسى أبدا ذلك اليوم في رابعة، وأعتقد أن الكثير من المصريين يدركون أنها كانت جريمة فظيعة، لا يزال الناس يبكون على أحبائهم الذين قتلوا، لكن معظمهم خائفون جدا من التحدث علانية، النظام يحرمنا حتى من فرصتنا لتذكر الموتى، أعلم أنه لن تكون هناك عدالة للجريمة في ظل النظام الذي نفذها".

 

 

https://www.newarab.com/news/ten-years-fear-rabaa-massacre-continues-haunt-egypt