تشهد أسعار الأسماك ارتفاعا كبيرا في الأسواق، ما أثار شكاوى المواطنين من ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الغريب وغير المبرر، رغم أننا في فصل الصيف والأسماك من السلع سريعة التلف التي تتأثر بحرارة الجو، وهو ما يجعل أسعارها تنخفض، إلا أن أسعار هذا العام لم تعد في متناول الجميع، حيث ارتفعت في الأسواق الشعبية وفي المناطق الراقية وفي أسواق الجملة أيضا.
أسعار السمك في سوق العبور للجملة تتغير بين عشية وضحاها، حيث يتراوح سعر كيلو البلطي من 60 إلى 64 جنيها، وسجل سعر كيلو الفيليه البلطي بين 140 جنيها و200 جنيه، وسعر كيلو المكرونة السويسي من 65 إلى 95 جنيها، بينما سجل سعر كيلو السبيط والكاليماري بين 190 إلى 300 جنيه، وبلغ سعر كيلو الكابوريا بين 40 جنيها و 210 جنيهات، كيلو الجمبري الصغير من 80 إلى 180 جنيها، وتراوح سعر كيلو البوري بين 80 إلى 125 جنيها، وكيلو الماكريل المجمد من 75 إلى 120 جنيها، وتراوحت أسعار الجمبري الوسط بين 180 و 300 جنيه للكيلو.
يشار إلى أن أسعار الأسماك الشعبية كثيرة الاستهلاك على موائد «الغلابة»كـالبلطي والبوري والفيليه ضربت جيوب الأسر الفقيرة، بعد أن قفزت بصورة غير متوقعة، فتراوح سعر البلطي في الأسواق الشعبية بين 85 إلى 90 جنيها فأعلى، ووصل البوري إلى 140 جنيها، والفيليه إلى 200 جنيه، بعدما كانت هذه الأنواع في متناول الأسر لرخص ثمنها.
ومع ارتفاع أسعار الأسماك بهذا الشكل المبالغ فيه ارتفعت صرخات المواطنين، فبعد أن كان السمك ملاذ ملايين الأسر لتذوق طعم البروتين بعد ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، أصابته اللعنة أيضا لترتفع أسعاره ويصبح الحصول عليه تحديا للأسر متوسطة ومحدودة الدخل.
جشع التجار
حول ارتفاع أسعار السمك قالت «مها» موظفة: إنها “أصبحت تشتري نصف الكمية التي كانت تشتريها من قبل بعد زيادة الأسعار، موضحة أن الأسعار مبالغ فيها جدا، حيث تجاوز سعر كيلو السمك البلطي المشوي 100 جنيه” .
وأضافت أن الأسرة لا يكفيها كيلو أو اثنان، وتحتاج إلى كميات كبيرة في الوجبة الواحدة، خاصة إذا كان عدد الأفراد 5 أو 6 أشخاص، وأن «الطبخة» تحتاج إلى أرز وخضراوات لاستكمال طاولة الطعام، وكل هذا لا يكفيه الراتب.
وطالبت «أم مصطفى» مسئولي الانقلاب بالتدخل لحل الأزمة وضبط الأسعار، قائلة: «كل حاجة غليت، لازم حكومة الانقلاب تلاقي حلا، الناس مش عارفه تعمل إيه وتجيب منين؟ كنت بشتري السمك بدل اللحمة دلوقتي مش عارفه أجيب لا سمك ولا لحمة» وشددت على ضرورة توفير الأسماك في المنافذ بأسعار منضبطة.
واستنكرت «الحاجة فايزة» ارتفاع الأسعار، وقالت: «عندنا النيل والبحر بيغلوا السمك ليه؟»، مطالبة بضرورة مواجهة جشع التجار وضبط الأسواق ووضع تسعيرة موحدة لحل الأزمة.
وأكدت ربة منزل، مقيمة بالقاهرة، أن ارتفاع أسعار الأعلاف سبب الأزمة، موضحة أن ناس كتير مزرعتش سمك، وبالتالي الكميات قلت عن السنين اللي فاتت .
وأشارت إلى أن الطلب أكبر من المعروض عشان كده السمك غالي.
أزمة الدولار
وكشف الدكتور صلاح مصيلحي، رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، أن أزمة الدولار واحدة من أسباب ارتفاع أسعار الأسماك، مؤكدا أن هذه الأزمة أثرت على أسعار الأعلاف التي يتم استيراد كميات كبيرة منها من الخارج، فضلا عن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الأخرى.
وأشار «مصيلحي» في تصريحات صحفية، إلى أن الأسماك من أرخص أنواع البروتين الحيواني، لكن نظرا لانخفاض الكميات المنتجة من المزارع السمكية والتي تمثل أكثر من 80% من إجمالي الإنتاج في مثل هذا الوقت ارتفعت الأسعار، موضحا أن موسم الاستزراع يبدأ من شهر أبريل وينتهي في شهر نوفمبر، مما أدى إلى قلة المعروض وارتفاع السعر.
وعن استيراد مصر من 300 ألف إلى 400 ألف طن أسماك من الخارج، قال: إن “السبب الأساسي للاستيراد، هو عدم رغبة السياح في تناول أنواع من الأسماك المصرية، فضلا عن عدم استزراع أنواع عديدة منها الماكريل”.
وأكد «مصيلحي» أن بعض أنواع الأسماك الأخرى تأتي من الخارج بأسعار أقل من استزراعها في مصر، كالرنجة والباسا والماكريل وغيرها، ويتم استيرادها من إسبانيا وأمريكا واليابان وهولندا والنرويج وإيرلندا، لتلبية متطلبات وذوق المستهلك المحلي والأجنبي.
أسعار الأعلاف
وأرجع خبير الاستزراع السمكي المهندس أحمد الشراكي، ارتفاع أسعار الأسماك إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، مؤكدا وصول ثمن طن العلف الواحد إلى 25 ألف جنيه .
وأكد «الشراكي» في تصريحات صحفية تعرض عدد كبير من أصحاب المزارع السمكية للخسارة الفادحة، متوقعا توقف عدد من المنتجين عن الإنتاج بسبب ارتفاع الأسعار.
وأشار إلى أن كيلو السمك يحتاج إلى كيلو ونصف الكيلو علف يحوي 30% من البروتين بقيمة 36 جنيها في المرة الواحدة، إلى جانب مصاريف مستلزمات الإنتاج من عمالة وطاقة لتصبح تكلفة كيلو السمك 45 جنيها على صاحب المزرعة، بالإضافة إلى مصاريف النقل والشحن والتفريغ، فضلا عن وضع هامش ربح للتجار، وهو ما أدى إلى وصول السمك للمستهلك بسعر مرتفع.
وطالب «الشراكي» بسرعة الإفراج الكلي عن الأعلاف ومستلزمات الإنتاج لمواجهة الزيادة، مؤكدا أن الحل الوحيد هو الإفراج الكامل عن كل الاحتياجات من خامات الأعلاف .
وحذر من أن الإفراج الجزئي يسبب مشكلة في الاحتكار، لافتا إلى أن بعض المصانع تبيع الأعلاف بسعر مبالغ فيه وتحقق مكاسب تجاوزت 100%.
بحار فقيرة
حول ارتفاع أسعار الأسماك رغم وقوع مصر على بحار وأنهار، قال الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة: إن “بحار مصر فقيرة ولا يتم الاعتماد عليها في صيد السمك، معللا ذلك بأن التيارات الجالبة للأسماك ضعيفة”.
وأضاف «نور الدين» في تصريحات صحفية أن مصر تتمتع ببحار وبحيرات وأنهار ومزارع سمكية، تحديدا 5 بحيرات شمالية، وبحيرة قارون، والسوق المصري يعتمد بشكل أساسي على الأسماك المستزرعة، مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار الأعلاف أدى بالتبعية إلى زيادة سعر السمك شأنه شأن اللحوم والدواجن، لأن عملية الاستزراع السمكي تعتمد على الأعلاف بنسبة 60%.
وأكد أن الأزمة تفاقمت بسبب ارتفاع أسعار الدولار، موضحاً أن التيارات الجالبة للأسماك في البحر الأحمر والمحيط الهندي تجعل دولا مثل إريتريا وجيبوتي والصومال من أكثر الدول المصدرة للأسماك بخلاف الأمر لدينا على مدى سنوات طويلة ماضية، لم يسد الصيد المفتوح إلا 20% فقط من احتياجاتنا، في حين تسد المزارع السمكية 80% من الاحتياجات.
وكشف «نور الدين» أن هناك معوقات كثيرة تقف في سبيل الصيد من نهر النيل منها مشكلة الزريعة، فهناك خلاف بين حكومة الانقلاب والصيادين حول من يتحمل تكاليفها، وهذا أحد أسباب عدم إلقاء الذريعة في بحيرة أسوان على سبيل المثال، كما أن مراكب الصيد قديمة ومتهالكة والشباك التي تستخدمها ضيقة تصطاد الزريعة أكثر من الأسماك.
وأوضح أن الزريعة تحتاج إلى أعلاف أسعارها غالية للغاية، مشيرا إلى وجود مشكلات أخرى تسبب زيادة الأسعار مثل ارتفاع أسعار العمالة والمحروقات وتكاليف النقل .
وقال نور الدين: إن “حل أزمة ارتفاع الأسعار يبدأ من سرعة الإفراج عن الأعلاف المحجوزة بالموانئ للأسماك والدواجن والمواشي، للسيطرة على أسعار البروتين”.