تعتبر فرنسا من أكثر الدول الأوروبية عنصرية وتطرفا وعداونية؛ وتاريخ فرنسا حافل بالجرائم وقتل ملايين البشر في الجزائر ودول غرب إفريقيا التي بدأت تتمرد على الاحتلال الفرنسي غير المباشر لبلادها عبر تنصيب حكومات عميلة تدين بالولاء لباريس على حساب بلادها وشعوبها. وتتجه فرنسا في عهد إيمانويل ماكرون إلى دولة استبدادية بوليسية؛ حيث احتجزت السلطات الفرنسية الثلاثاء 19 سبتمبر 2023م الصحفية الفرنسية أريان لافريو؛ بعدما ألقت القبض عليها، وفتشت منزلها على خلفية مشاركتها في سلسلة تحقيقات نشرها موقع «ديسلكوز» الاستقصائي الفرنسي خلال الأعوام القليلة الماضية، كشفت عددًا من أسرار التعاون العسكري والاستخباراتي بين فرنسا وعدد من حكومات الشرق اﻷوسط، ومن بينها العلاقات المشبوهة التي تربط المخابرات الفرنسية بالنظام العسكري في مصر بزعامة الدكتاتورعبدالفتاح السيسي. قبل أن يتم الإفراج عنها عصر اليوم الخميس.
وحسب بيان موقع “ديسكلوز” جاء إلقاء القبض على لافريو في إطار تحقيق بدأته الحكومة الفرنسية، في يوليو 2022 بشأن «فضح أسرار الأمن القومي والكشف عن معلومات قد تؤدي إلى كشف هوية عميل محمي»، وهو ما اعتبره «ديسكلوز»: «آخر حلقة في سلسلة الترهيب غير المقبول لصحفيي ديسكلوز بهدف الكشف عن مصادرنا التي مكنت من الكشف عن عملية سيرلي العسكرية التي كانت تجري في مصر».
وفي متابعة لتطورات القضية كشف “ديسكلوز” الأربعاء عن علمه بأن الجهاز الاستخباراتي اتهم لافريو بكتابة خمسة تقارير منذ 2019 تناولت بيع الأسلحة الفرنسية، بما فيها التقارير عن عملية «سيرلي» وصفقات بيع مقاتلات الرافال لمصر، بالإضافة إلى تقارير عن إمداد روسيا بالأسلحة حتى عام 2020، وبيع الذخيرة للإمارات والسعودية، وكذلك توصيل أسلحة من الإمارات إلى ليبيا بشكل غير قانوني.
وأكد «ديسكلوز» أن تلك المعلومات السرية مهمة للنقاش العام حول علاقة فرنسا بـ«الأنظمة الديكتاتورية»، وتلقي الضوء على استخدام الأسلحة الفرنسية ضد المدنيين، مضيفًا: «لماذا يهم إذا كانت هذه المعلومات محرجة للدولة الفرنسية؟». وطالب البيان بالإفراج عن لافريو بعد مرور أكثر من يوم على احتجازها.
العملية “سيرلي”
وحسب موقع “مدى مصر”، نشر «ديسكلوز» خلال السنوات الماضية سلسلة من التحقيقات حول العلاقات العسكرية الفرنسية مع عدد من الدول وصفقات بيع الأسلحة لها، اعتمد فيها على مئات الوثائق العسكرية الفرنسية السريّة التي حصل عليها من أحد المصادر دون تسميته. وشملت هذه السلسلة بداية من نوفمبر 2021 ملفًا يتعلق بالتعاون العسكري مع السلطات المصرية، تحت عنوان «أوراق مصر»، تناول أحد تقاريره مهمة عسكرية مشتركة بين البلدين، باسم «سيرلي»، كان هدفها توفير معلومات استخباراتية عن المسلحين الذين يشكلون خطرًا إرهابيًا على مصر من خلال حدودها الغربية، ولكن اتضح لاحقًا للجانب الفرنسي استخدام هذه المعلومات في استهداف 19 مدنيًا، يشتبه في كونهم مهربين، خلال الفترة ما بين عامي 2016 و2018.
إلى جانب المهمة العسكرية، تناولت التقارير الأخرى في الملف المصري توجه الحكومة الفرنسية في عام 2013 نحو التغاضي دبلوماسيًا عن الأوضاع السياسية المصرية مقابل التركيز على صفقات بيع الأسلحة لمصر، كما كشفت عن موافقة الحكومة الفرنسية على نقل ثلاث شركات فرنسية لتكنولوجيا برامج التجسس إلى الحكومة المصرية وإشراف هذه الشركات على تشغيل شبكة مراقبة تهدف إلى جمع المعلومات بشكل جماعي من شبكات الاتصالات في مصر.
انتقادات لباريس
وفي ردود فعل على الخطوة الفرنسية؛ أعرب عدد من وسائل الإعلام والصحفيين والمنظمات مثل مراسلون بلا حدود، عن استنكارهم على منصة إكس، منددين بـ”عرقلة غير مقبولة لحرية نقل المعلومات”. وأبدت عدة منظمات حقوقية فرنسية، ومنظمة “المصريون في الخارج من أجل الديمقراطية” عن قلقها البالغ من اعتقال الصحفية الفرنسية لافريو.
وندد رئيس مكتب الاتحاد الأوروبي بمنظمة صحفيين بلا حدود، بافول سالاي، بإلقاء القبض على لافريو وتفتيش منزلها وأجهزتها الإلكترونية، مضيفًا: «نخشى أن تقوض أفعال الجهاز الاستخباراتي مبدأ حماية المصادر». وأشار سالاي إلى أن فرنسا شهدت في الماضي عدة مواقف حاولت فيها الحكومة الضغط على الصحفيين لكشف مصادرهم، وهو ما يسمح به القانون الفرنسي، ولكنها عادة ما أخذت شكل استدعاء الصحفيين لتحقيق يحتفظون فيه بحقهم في عدم كشف المصادر. وأضاف أن اللجوء للحبس والتفتيش هي أدوات نادرة الاستخدام في هذه الحالات وتمثل تصعيدًا في الضغط على الصحفيين، مشيرًا إلى حالة شبيهة حدثت العام الماضي حين ألقت المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي القبض على صحفي لنشره كتابًا عن الجهاز الأمني.
كانت المديرية العامة الفرنسية استدعت رئيس تحرير «ديسكلوز»، جيفري ليفولسي، وصحفيين فرنسيين آخرين، في ديسمبر الماضي”2022″، لنشرهم تحقيقًا في 2018 عن التمييز في تعاقدات القوات المسلحة الفرنسية، وذلك بعدما استدعى الجهاز الأمني الصحفيين الثلاثة في 2019، للتحقيق معهم، بطلب من وزارة الدفاع الفرنسية، في ما نشروه عن تورط فرنسا في حرب اليمن، عن طريق بيعها الأسلحة للطرفين السعودي والإماراتي.
ومن أبرز ما كشفه تحقيق ديسكلوز المنشور بتاريخ 21 نوفمبر 2021م، عن العلاقات المشبوهة بين باريس والقاهرة، يتعلق بالعلاقات الاستخبارية الخفية بين الحكومة الفرنسية ونظام الجنرال عبدالفتاح السيسي والتأكيد على الوجود العسكري الفرنسي على الأراضي المصرية تحت لافتة التعاون العسكري والمخابراتي في الحرب على الإرهاب. حيث كشف الموقع تفاصيل بالغة السرية بعدما حصل على وثائق رسمية (سري للغاية) تخص الجيش الفرنسي، حول عملية استخبارية فرنسية مصرية، بدعوى استهداف الإرهابيين في الصحراء الغربية على الحدود مع ليبيا، تحمل اسم “عملية سيرلي” (Mission Siri). واستنادا إلى هذه الوثائق العسكرية الفرنسية، أشار الموقع الذي غالبا ما ينشر معلومات تُحرج الجيش الفرنسي إلى أن “قوات فرنسية لا تزال منتشرة في الصحراء الغربية وموجودة تحديدا بمدينة مرسى مطروح شمال غربي مصر.
التحقيق الذي أطلق عليه “تسجيلات الرعب”، نشر تفاصيل بداية وجود القوات الفرنسية في مصر بحجة محاربة الإرهاب، لكنها تورطت مع السيسي في جرائم ضد الإنسانية. وبدأ التقرير بعبارة: “أرسل إلينا مصدر، مئات من وثائق الدفاع السري التي تكشف تورط فرنسا في جرائم الديكتاتورية المصرية”. وأظهرت الوثائق الاستخبارية الفرنسية أن بداية الوجود العسكري الفرنسي في مصر ترجع إلى 13 فبراير 2016، حين وصلت قافلة تحمل فريقا فرنسيا إلى ثكنة عسكرية مصرية بمدينة مرسى مطروح. كان ذلك الفريق يضم عشرة ضباط سابقين للجيش الفرنسي، ستة منهم يعملون لصالح متعهدين أمنيين، مجهزين بطائرة استطلاع خفيفة “ميرلين3″، استأجرتها وزارة الدفاع الفرنسية بكلفة 1.45 مليون يورو لكل خمسة أشهر من الخدمة. وكان هدف العملية السرية، التي سُميت “سيرلي”، تأمين 1200 كيلومتر من الشريط الحدودي الليبي-المصري من اختراقات “الإرهابيين”، وتغطية نحو 700 ألف كيلومتر مربَّع بطلعات جوية استطلاعية لرصد تحركات “الجماعات الإرهابية” المحتمَلة.
الوجود العسكري الفرنسي في مصر يفتح الباب أمام أسباب ودوافع هذا التواجد الفرنسي لا سيما على الحدود مع ليبيا رغم أن معظم ما يتعلق بالحرب على ما يسمى بالإرهاب كانت في سيناء وليس مرسى مطروح؛ ولإدراك أبعاد هذه الوجود الفرنسي يمكن النظر إلى ذلك من زاويتين:
- الأولى، تتعلق بالدعم الفرنسي للجنرال الليبي خليفة حفتر، وهو ما يتسق مع توجهات النظام العسكري في مصر وتحالف الثورات المضادة. وهذا ما أقر به وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في 9 يوليو 2021 حيث قال إن بلاده دعمت خليفة حفتر في ليبيا حسبما نقلت صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية. وفي 24 فبراير 2016 تحدثت وكالة رويترز عن “قوات خاصة فرنسية تشن “حربا سرية” في ليبيا، بالتعاون مع دول أخري، نقلا عن تسريبات من وزارة الدفاع الفرنسية نشرتها صحيفة “لوموند”. وخلال زيارة السيسي إلى فرنسا في 6 ديسمبر2020 قال المتحدث باسم الرئاسة بسام راضي أن التعاون العسكري مع فرنسا لا يقتصر على صفقات السلاح بل يمتد للتدريب والمناورات المشتركة وتبادل الخبرات والمعلومات لمكافحة الإرهاب.
- الثانية، تتعلق بامتداد الوجود العسكري الفرنسي في دول الساحل والصحراء الكبري في إفريقيا، وهو وجود قديم يتعلق بالأطماع الفرنسية في السيطرة على حكومات هذه الدول حتى تحافظ فرنسا على نفوذها الواسع الذي تسعى لحمايته وبسطه في مرحلة مع بعد الاستقلال الشكلي في منتصف القرن العشرين. وهو أيضا وجود بدواعي الحرب على الإرهاب والحركات الإسلامية بدعوى التشدد المزعوم في المناطق التي تمتد من موريتانيا ومالي والنيجر وصولا إلى ليبيا ومصر. وذلك حتى تكتمل حلقة النفوذ الفرنسي على معظم دول القارة التي ظلت تئن تحت الاحتلال الفرنسي لعقود طويلة لا سيما دول غرب أفريقيا. هذه الوجود بحسب صحف فرنسية يتعلق بالعملية “برخان” التي أطلقتها فرنسا في مالي سنة 2014م، بدعوى الحرب على الإرهاب والقضاء على الجماعات المسلحة في منطقة الساحق الإفريقي
وشهدت عدة دول في غرب إفريقيا انقلابات عسكرية على الحكومات العملية للحكومة الفرنسية مثل مالي والجابون والنيجر وغيرها؛ من أجل التحرر من النفوذ الفرنسي بدعم روسي تركي.