المؤمن كريم النفس، عظيم الخصال، لا يخضع لشهوة، ولا يستذله خوفٌ ولا طمع، حريصٌ على سمعته وكرامته، يصبر فى الضراء، ويشكر فى السراء، ذو قوة نفسية تصغر أمامها جميع القوى المادية…
«وتلك طبيعة الإيمان إذا تغلغل واستمكن، إنه يضفى على صاحبه قوة تنطبع فى سلوكه كله، فإذا تكلم كان واثقًا من قوله، وإذا اشتغل كان راسخًا فى عمله، وإذا اتجه كان واضحًا فى هدفه، وما دام مطمئنًا إلى الفكرة التى تملأ عقله، وإلى العاطفة التى تعمر قلبه، فقلما يعرف التردد سبيلًا إلى نفسه، وقلما تزحزحه العواصف العاتية عن موقفه، بل لا عليه أن يقول لمن حوله.. (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [الزمر: 39، 4]…
هذه اللهجة المقرونة بالتحدى، وهذه الروح المستقلة فى العمل، وتلك الثقة فيما يرى أنه الحق، ذلك يجعله فى الحياة رجل مبدأ متميزًا، فهو يعاشر الناس على بصيرة من أمره، إن رآهم على الصواب تعاون معهم، وإن وجدهم مخطئين نأى بنفسه واستوحى ضميره وحده» [جدد حياتك، الشيخ الغزالى].
يقول الربيع بن خثيم: «إن الله تعالى قضى على نفسه، أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له، وتصديق ذلك فى كتاب الله تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن: 11]، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ…) [الطلاق:3]، (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) [التغابن:17]، (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران:101]، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
إن حصول السكينة فى قلب المؤمن نتيجة طبيعية لاعتزاره بالله، وتفويض الأمور إليه، وساعتها يستصغر كل شىء، وأى شىء، فلا يخاف، ولا يحزن، ولا يقلق، وتملأ الطمأنينة قلبه، فيستعلى بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله…
• لما خاف أصحاب موسى أن يدركهم فرعون فيقتلهم، قال لهم نبيهــم بثـقة المـؤمن وإيمان الواثق: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
• وأصحاب محمد، لما رأوا الأحزاب قالوا: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22].
• وخــاف أبو بكر أن يراهما القوم -هو والنبى- وهما فى الغار، فقال له النبي ﷺ: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].
• ووقف نوح متحديًا قومه قائلًا: (يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 71، 72].