أثار الاتفاق الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال الانفصالي لاستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر أزمة جديدة تشعل التوتر في منطقة القرن الإفريقي والمواجهة مع مصر.
في خطوة ، أدانتها الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والحكومة الصومالية، وقعت أثيوبيا اتفاقا مع جمهورية أرض الصومال، الانفصالية، غير المعترف بها، لاستئجار ميناء بربرة الواقع على البحر الأحمر، يمكن أديس أبابا من التواجد العسكري والتجاري في الممر الملاحي، البعيد عن أراضيها، إذ تعد أثيوبيا دولة حبيسة، وهو ما أثار غضب مصر والذي عبرت عنه في بيان لوزارة الخارجية المصرية، دون أي تحركات على أرض الواقع، وهو مايخصم من قوتها السياسية والعسكرية بالمنطقة.
وأمس الأول، استدعت الحكومة الصومالية سفيرها في أديس أبابا بعد الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال “صومالاند” لاستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر.
وتعهد رئيس وزراء الصومال حمزة عبدي بري، بالدفاع عن أراضي بلاده بشتى السبل القانونية، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأعلنت وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، أن مجلس الوزراء سيعقد اجتماعا طارئا لاتخاذ قرار بشأن توقيع مذكرة تفاهم بين حكومة إثيوبيا وإدارة منطقة أرض الصومال الانفصالية لاستخدام ميناء بربرة في البحر الأحمر ، تعتمد إثيوبيا الدولة الحبيسة، على جيبوتي المجاورة في معظم تجارتها البحرية.
بينما ذكر رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أن مذكرة التفاهم التي وقعها آبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيي عبدي، تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر.
وقال: إن “أرض الصومال ستحصل أيضا على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة، دون أن يفصح عن مزيد من التفاصيل”.
ولم تحصل أرض الصومال على اعتراف دولي واسع النطاق، على الرغم من إعلانها الانفصال والحكم الذاتي عن الصومال في عام 1991، وتقول الصومال إن أرض الصومال جزء من أراضيها.
وقال متحدث باسم الحكومة الصومالية: إن “بلاده ترفض هذا المقترح، رفضا قاطعا، وتعتبره انتهاكا لسيادتها”.
وجاء على لسان رئيس الوزراء، حمزة عبدي بار: “أدعو الشعب الصومالي إلى الهدوء، أود أن أطمئنهم بأننا ملتزمون بالدفاع عن بلادنا، فلن يتعرض أي جزء من بلادنا إلى الانتهاك، سواء كان بريا أو بحريا أو جويا، وسندافع عنه بكل الطرق القانونية، وأنا متأكد أننا بمساعدة شعبنا، في الشمال والجنوب، سنتمكن من الدفاع عن بلادنا”.
وانفصلت أرض الصومال عن الصومال، عام 1991، ولكن المجموعة الدولية لم تعترف بها كدولة مستقلة، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وعليه فإن أي اعتراف من دولة بوزن أثيوبيا، سيكون حاسما بالنسبة لها مستقبلا.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق لم يوقع رسميا حتى الآن، ولكن المسؤولين الأثيوبيين يقولون إن ذلك سيتم خلال الشهر المقبل.
تأثيرات ومواقف وتباينات
ولا شك أن أي اتفاق سيمنح أثيوبيا منفذا استراتيجيا ومربحا في هذه النقطة من العالم.
قد لا يبدو الحصول على منفذ بحري طوله 20 كلم أمرا كبيرا، ولكنه حيوي بالنسبة لدولة حبيسة، مثل أثيوبيا، تبحث عن موارد مالية من أجل بقائها، فهي أكبر دولة في العالم، من حيث عدد السكان، لا تملك ساحلا، وهو ما يشكل لها مصاعب كثيرة في النمو.
فنسبة 95 % من المعاملات التجارية الأثيوبية تعتمد على جارتها جيبوتي، التي تمتلك 31 كلم من السواحل، ووصف رئيس الوزراء، آبي أحمد، حاجة بلاده إلى منفذ بحري، بأنها مسألة وجودية، وقال في أكتوبر من العام الماضي، في خطاب تلفزيوني، إن الحصول على ميناء في البحر الأحمر ضروري ليخرج 120 مليون من مواطنيه من سجنهم الجغرافي.
وقد لا تكون التجارة هي الحاجة الوحيدة في الأمر، فأثيوبيا كانت تعد قوة بحرية بمينائيها مصوع وعصب، ولكنها فقدت المينائين وكل ساحلها، بعد انفصال أريتريا عنها، في 1993 لتصبح دولة مستقلة.
وحسب السفير الأمريكي السابق في أثيوبيا، ديفيد شين، فإن السبب الرئيسي، الذي دفع أثيوبيا إلى توقيع مذكرة التفاهم مع أرض الصومال، هو رغبتها في بناء منشأة بحرية في ساحل البحر الأحمر أو خليج عدن.
وذكر في تصريح لبي بي سي أن أرض الصومال قالت: إنها “ستؤجر 20 كلم من الساحل وخليج عدن لأثيوبيا من أجل بناء هذه المنشأة، وتسمح لأثيوبيا، على الأقل، باستغلال ميناء بربرة، وهو ميناء كبير في أرض الصومال لاستيراد وتصدير السلع، ولكنني لا أرى ذلك هو السبب الرئيسي، أعتقد أنها الرغبة في بناء منشأة عسكرية أو بحرية”.
ويرى الباحث في مؤسسة المجلس الأطلسي، مركز أفريقيا، مايكل شوركين، أنها مخاطرة محسوبة من أثيوبيا، فيها بعض المكاسب الحقيقية، فأثيوبيا بحاجة ملحة إلى منافذ بحرية أوسع، وبهذه الطريقة ستتجنب الدخول في حرب مع أريتريا، ومن الجانب الآخر تمنح أرض الصومال الاعتراف، وستثير الصفقة، دون شك، سخط الصومال، ولكنها أقل خطورة من الدخول في حرب مع أريتريا”.
وتعتقد دوائر سياسية صومالية كبيرة أن هذه الخطوة قد تهدد الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي كلها، فقد جاءت بعد أيام من توصل الصومال وأرض الصومال إلى اتفاق لاستئناف المفاوضات من أجل إزالة أسباب التوتر السياسي بينهما.
وقال مبعوث الصومال الخاص إلى أرض الصومال، عبد الكريم حسين غولد: إن “الصفقة المقترحة تبين عدم اكتراث أثيوبيا بالأعراف الدولية، وتهدم ما تحقق من تقدم بين مقديشو وعاصمة أرض الصومال هارغيسا”.
ونشر الرئيس الصومالي السابق، محمد فرماجو، بيانا، على موقع أكس، يرى فيه أن مذكرة التفاهم تشكل قلقا كبيرا في الصومال وأفريقيا كلها، وأضاف البيان: “احترام السيادة وسلامة التراب الوطني هو ضمان الاستقرار الإقليمي والتعاون الثنائي، وعلى الحكومة الصومالية أن ترد بالطريقة الملائمة”.
وقال محمد مبارك، المدير السابق لمعهد هيرال للشؤون الأمنية في القرن الأفريقي: إن “آلاف الجنود الأثيوبيين موجودون في جنوب الصومال، وقد تسحبهم أثيوبيا إذا ساءت العلاقات بين البلدين، وهو ما سيؤدي إلى تدهور الظروف الأمنية هناك”.
وذكر مبارك أن “آبي يردد منذ شهور أنه سيضمن منفذا بحريا لأثيوبيا، وهذا ما يكون قد حققه بهذه الصفقة، فهو مستعد لفعل أي شيء، بغض النظر عن تأثيره على السلم والاستقرار في المنطقة”.
مفاوضات مع كينيا
وتعد كينيا من الدول التي دخلت معها أثيوبيا في محادثات بهدف تنويع منافذها البحرية. فقد زار المسؤولون الأثيوبيون في أغسطس 2023 ميناء لامو، وهو ميناء يدخل في إطار مشروع نقل إقليمي بين كينيا وأثيوبيا وجنوب السودان، يطلق عليه اسم لابسيت.
وحسب تقرير للبنك الدولي فإن كينيا تتوقع أن تقلص، عبر ميناء لامو، حصة جيبوتي من الطلب الأثيوبي المحلي، بنسبة 15% فأي ميناء جديد في أرض الصومال، أو تأخير في توسعة ميناء لامو، قد لا يكون مصلحة كينيا. وفي عام 2020، قطعت الصومال علاقاتها مؤقتا مع كينيا، بعدما استقبلت زعيم أرض الصومال، موسى بيهي، وقالت كينيا: إنها “تعترف بأرض الصومال حكومة إقليمية ضمن السيادة الصومالية، ولكنها على غرار أثيوبيا فتحت قنصلية لها في هارغيسا”.
أزمة مع مصر
وتعد مصر دولة رئيسية في المنطقة إذ إنها تملك أكبر عدد من الموانئ على البحر الأحمر، 8 منها تجارية، و6 نفطية، ومنجمية وسياحية، وأثارت رغبة آبي الطويلة في حصول بلاده على منفذ بحري في البحر الأحمر، قلقا في المنطقة، ونقل عنه وصف الحصول على منفذ بحري بأنه مسألة وجودية.
ويرى المحللون أن موقفه هذا لا يختلف عن قراره بالمضي قدما في بناء سد النهضة الأثيوبي العظيم، وتمنح اتفاقية 1922 مصر والسودان الحق في حصة بمياه النيل، ولكن لا يزال الاختلاف قائما بين مصر وأثيوبيا بشأن كيفية تشغيل هذا السد.
وقد يسمح استغلال ميناء بربرة لأثيوبيا بالالتحاق بمجموعة من الدول، من بينها مصر، تمكنت من تطوير اقتصادها كثيرا بفضل منافذها على البحر الأحمر.
إلا أن مصر تعد التحرك الأثيوبي تهديدا لسيادتها بالبحر الأحمر، وترفض القاهرة التوسع الأثيوبي في المنطقة، ردا على تعنتها بشأن مياه النيل ورفض المطالب المصرية.
ووفق تقديرت استراتيجية، فإن المخاطر تتعاظم على مصر، في ظل سعي إثيوبيا للمشاركة في التحكم بالملاحة بالبحر الأحمر وتهديد قناة السويس في إطار التوتر مع مصر والخلاف الحاد معها حول سد النهضة.
وتهدف الخطة الإثيوبية في الأساس لإقامة قواعد عسكرية بحرية على البحر الأحمر، وفق عسكريين مصريين.
ومن جانبه، أوضح الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، في تصريحات صحفية، أن هناك مؤشرات عديدة على رغبة إثيوبيا الرسمية في بسط سيطرتها الكاملة على إقليم أرض الصومال الحدودي معها، مستغلةً حالة الفوضى وغياب السلطة المركزية هناك.
وهو ما تهدد المنطقة، خاصة في ظل زيادة أطماع أديس أبابا، ورفض بعض الدول مثل جيبوتي وإريتريا والصومال تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، والتي أعلن فيها أنه في حال فشل بلاده في تأمين الوصول إلى مياه البحر الأحمر سوف يؤدي ذلك إلى صراع إقليمي.
جيبوتي
دولة أفريقية صغيرة الحجم، ولكنها مفتوحة على قناة السويس، واحد من أنشط طرق النقل البحري في العالم، ويعد ميناؤها المهم روح اقتصاد البلاد، إذ يوفر أكبر مصادر الدخل والتشغيل في بلاد تفتقر إلى مقومات حيوية أخرى، وباعتبارها أكبر منفذ بحري لجارتها العملاقة، فإن أي صفقة للتجارة عبر ميناء بربرة قد تقلل من مكانتها.
الصين
وبعيدا عن المنطقة تنظر الصين إلى الصفقة باهتمام. فقد تلقت أرض الصومال مساعدة من تايوان، ومن جهتها تدعم الصين دولة الصومال، وتقيم تايوان علاقات دبلوماسية مع أرض الصومال، إذ بدأ التقارب بينهما في سنة 2020، وهو ما أثار سخط جيرانهما الكبار.
فكلاهما غير معترف به دوليا، ولهما جيران كبار، فالصومال تعتبر أرض الصومال جزءا من إقليمها، وكذلك تعتبر الصين تايوان جزءا من ترابها.
ومع الاتفاق الذي ما زال غير قانونيا، لتوقيعه مع حكومة غير معترف بها، فان المخاطر باتت تقترب أكثر من مصر وقناة السويس، اذ قد ينفجر صراعا إقليميا آخر يهدد الملاحة الدولية بالبحر الأحمر، ما يخصم من حصة قناة السويس من التجارة العالمية، بالإضافة إلى حرمان مصر من ميزة أمنية واستراتيجية ضد أثيوبيا، التي تهدد الأمن المائي المصري بقوة، إزاء تفردها بمياه النيل، فهل سيتوقف دور مصر عند الإدانة أم مفاوضات عبثية لعقد من الزمان دون نتيجة كما فعلت مع سد النهضة؟.