ربما يرى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أنّ التطوّرات الميدانيّة الأخيرة في قطاع غزّة تعني فرض واقع سياسيّ وجغرافيّ جديد على القطاع بعد عام من حرب الإبادة الإسرائيليّة، لكنه تناسى أن أكثر من مليوني فلسطيني لا زالوا صامدين، وأن المقاومة ماضية في طريقها، طالقة شعار “لا استسلام ولا هوان”.
ومع فرض الحصار الأخير قبل ثلاثة أسابيع على الشّمال، وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة، وتقطيع أوصاله بشكل تامّ مع مدينة غزّة والجنوب، فضلاً عن السيطرة على المعابر، للتنفيذ مُحكم لـ”خطة الجنرالات”، ظن نتنياهو أن حصار الشّمال سيمكنه من إخلائه والسيطرة عليه واستيطانه.
وفي حين يرى نتنياهو أنه يفرض واقعاً عسكريًّا وأمنيّاً على الشّمال، وأن إسرائيل تجهّز نفسها للمستوى السياسي، أو أن تُخرج الخطط المبيّتة في أدراجها، استعدادا لليوم التالي، فذلك لا يعني غياب أهالي غزة والمقاومة، فإنّ السياسة تحدّدها دائماً الأفعال على الأرض، وليس الخطط أو التأييد الغربي والأمريكي وحتى العربي.
اليوم التالي للحرب
وفي حين أنّ نتنياهو أقسم في وقت سابق بأنّه لن يقبل بأن “يحكم غزّة لا حماستان ولا فتحستان”، في إشارة إلى حكم حماس والسلطة، فكان لا بدّ من خطّة لإدامة الاحتلال وتغيير معالمه الجيوسياسية وفرض مشروع احتلالي يتطابق مع المشروع الأمريكي لما يسمى اليوم التالي للحرب في قطاع غزة.
والخطة الملعونة تكمن بمنح مقاولين من القطاع الخاص “المرتزقة” مفاتيح السيطرة المدنيّة على القطاع، بالتالي تحويله إلى نموذج أشبه بالعراق وأفغانستان بعد الاحتلال الأمريكي.
وأعدت الخطة الاعتماد على شركة (GDC) الأمريكية التي يمتلكها رجل الأعمال الأمريكي اليهودي موتي كهانا، وهي شركة مقاولات عسكريّة من النوع الذي عمل في العراق وأفغانستان في أثناء الاحتلال الأميركيّ.
وهذا يشكل نوعاً من خصخصة الحكم العسكري في غزة من خلال تسليمها لشركات خاصة ذات مصالح مالية، بهدف نقل المسؤولية الأخلاقية والقانونية من إسرائيل إلى تلك الجهات.
وبحسب صحيفة يديعوت أحرنوت فإن هناك خطّة اليوم التالي للحرب، تتمثل في عمدة جديد وأحياء جديدة في قطاع غزة.
يقول موتي كهانا، اليهودي الأمريكي مالك شركة (GDC) التي اختارتها الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية لتولّي توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، في حديثه لصحيفة يديعوت أحرونوت: إنه “سيتم استخدام القوة والرصاص ضد سكان غزة، من أجل بسط السيطرة على الأحياء”.
ويضيف مالك الشركة أنه “سيتيح لإسرائيل التركيز في حربها على الإرهاب، مبرراً الاستعانة بشركته بأن الجيش الأميركي قد استعمل ذلك سابقاً، في سبيل تأمين فقاعات إنسانية، ستكون أشبه بأحياء محمية محاطة بجدران، ومعقّمة من الإرهابيين، على حد وصفه.
الخطة ستبدأ تدريجيا
ومن جهته يقول الصحفي الإسرائيلي شالوم ألدار : “هناك اتفاق بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية على خطة اليوم التالي للحرب، إذ تبدأ تلك الخطة بالتنفيذ في حي العطاطرة في بيت حانون شمال قطاع غزة، وإذا نجحت التجربة، فستنتقل لمناطق أخرى داخل القطاع”.
وأشار إلدار إلى أن “الخطّة ستقوم على تجنيد نحو 1000 عنصر أمن أمريكي لتنفيذها، وتتضمن إعادة البناء في المنطقة وتسليم السلطة المدنية للنخب الاقتصادية والاجتماعية والعشائرية الذين يحظون باحترام وإجماع من الأهالي”.
الاعتماد على العملاء
وأضاف الصحفي أنّ الخطة ستعتمد على الفلسطينيين الموالين لإسرائيل حيث كشف أن هناك خمسة تجار فلسطينيين مقيمين في القاهرة أبلغوا الإدارة الأمريكية استعدادها لتولي إدارة شؤون غزة إذا تم توفير الحماية والدعم لهم و لعائلاتهم، إذ التقى أحدهم منذ شهور مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، وناقش معه الخطة التي تقضي بتولّي شيخ من حي العطاطرة رئاسة المجلس وإدارة الأمور الخاصة بالمدارس والمستشفيات والقضايا الاجتماعية والمدنية، على أن تُدفع الرواتب والأجور والالتزامات المالية عبر بعض التبرعات من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تمّ تجنيد جزء كبير من هذا المال لتحقيق ذلك.
خطة مصيرها الفشل
وأعرب الباحث في قضايا الصراع والمحاضر في الجامعة العربية الأمريكية، نزار نزال، عن أن سيناريو تولي شركة أمنيّة أو قيادات عشائرية محليّة كما طُرح سابقاً لإدارة القطاع لن ينجح إطلاقاً وسيكون مصيره الفشل الحتمي.
ويدعم نزّال رؤيته هذه بلحظة تجريب سيناريو مشابه في ثمانينيّات القرن الماضي، فيما عُرف بمخطّط “روابط القرى” لإقامة تشكيل مسلّح متعاون مع إسرائيل في الضفّة وغزّة، وقد أفشلتها في حينه انتفاضة شعبيّة عام 1981.
وتابع أنه في هذه المرة سيفشل المخطّط أيضاً، وأعزو ذلك لسببين، الأول وجود حوالي مليونيّ فلسطيني في قطاع غزة يشكّلون تحديات فيما يتعلق بالجانب الإنساني والأمني، والثاني هو وجود المقاومة الفلسطينية التي ما زالت حاضرة في المشهد الميداني والشعب
وتابع أنه في هذه المرة سيفشل المخطّط أيضاً، وأعزو ذلك لسببين، الأول وجود حوالي مليونيّ فلسطيني في قطاع غزة يشكّلون تحديات فيما يتعلق بالجانب الإنساني والأمني، والثاني هو وجود المقاومة الفلسطينية التي ما زالت حاضرة في المشهد الميداني والشعبي في القطاع.
ويؤكد أنّ “أفراد هذه الشركات ستُعتبر قوّة احتلاليّة ذات تسليح خفيف، لن تكون لديهم طائرات أو دبابات وسيكون من السهل استهدافهم”.
وأخيرا فإن صمود المقاومة، وحاضنتها الشعبية في غزة، هو صمام الأمان الرئيسي الفاصل بين الطموحات الاستيطانية والمؤشرات الواقعية التي ستحول كل أرض يطأها الاستيطان في القطاع إلى بقعة استنزاف مستمرة، ستدفع الاحتلال في المحصلة إلى تفكيك مستوطناته بيده كما كان في السابق.