اتجه سعر الدولار للارتفاع مقابل الجنيه المصري لليوم الرابع على التوالي، مسجلاً ارتفاعاً بنحو 30 قرشاً، في ظل خروج نحو 1.1 مليار دولار من البنوك خلال اليومين الماضيين، ما أعاد القلق إلى سوق الصرف في مصر وسط ضغوط مستمرة على العملة المحلية.
نزيف العملة.. وخروج الأموال الساخنة
أكدت مصادر اقتصادية، أن الضغوط المتزايدة على الدولار دفعت مستثمرين عرباً وأجانب إلى سحب استثماراتهم من أدوات الدين الحكومية، ما أدى إلى نزوح نحو 1.1 مليار دولار خلال 48 ساعة فقط، جزء منها استرداد لأذون الخزانة، والباقي ناتج عن بيع أسهم وسندات.
ويأتي ذلك في ظل إصرار البنك المركزي على الالتزام بسياسة "تعويم الجنيه"، حيث أكد رامي أبو النجا، نائب محافظ البنك المركزي، خلال مؤتمر في دبي، أن تراجع الجنيه أمر صحي، ويعكس عدم تدخل البنك في تحديد السعر، مؤكداً أن مصر لن تعود لنظام تثبيت سعر الصرف.
شهادات خبراء: هل الوضع تحت السيطرة؟
يقول الخبير الاقتصادي ممدوح الولي في تصريحات صحفية: إن "استمرار خروج الأموال من البنوك والبورصة هو نتيجة مباشرة لغياب الثقة في استقرار السوق المصري، موضحاً أن ما يسمى بـ"الأموال الساخنة" تبحث دائماً عن بيئة مستقرة، وهو ما لا توفره مصر حالياً بسبب التضخم، وسوء الإدارة، وزيادة الاعتماد على القروض".
في السياق ذاته، اعتبر الخبير عبد الخالق فاروق أن الحديث عن سعر صرف "مرن" في ظل سوق موازية نشطة وسحب جماعي للدولار يعكس خللاً بنيوياً في بنية الاقتصاد المصري، مشيراً إلى أن البنك المركزي يتحدث بلغة السوق الحرة، بينما الواقع يعج بالتدخلات غير المعلنة.
المواطن يدفع الثمن: تضخم وجيوب فارغة
على مستوى المواطن العادي، فإن استمرار تراجع الجنيه يعني ارتفاعاً فورياً في أسعار السلع المستوردة، وفي مقدمتها الغذاء والوقود، يقول أحمد عبد الله، موظف في قطاع خاص: إن "راتبه لم يعد يكفي لأكثر من عشرة أيام، كل يوم أشتري نفس الأشياء بسعر أعلى، وأصبحنا نحسب كل قرش".
وقد رصدت مواقع صحفية ارتفاع أسعار عدد من السلع الأساسية مثل الزيت والأرز والمكرونة بنسبة تتراوح بين 10 و15% خلال الأسبوع الماضي فقط، بالتزامن مع ارتفاع أسعار صرف الدولار في السوق الرسمية والموازية.
ردود فعل دولية: تحذيرات وقلق
من جهته، حذر صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن الاقتصاد المصري من التحديات المرتبطة باستمرار الاعتماد على الأموال الساخنة، مشيراً إلى أهمية توسيع القاعدة التصديرية وتقليص دور المؤسسات العسكرية في الاقتصاد لجذب استثمارات مستدامة.
كما حذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من أن استمرار الضغوط على الجنيه قد يؤدي إلى مراجعة التصنيف الائتماني لمصر إذا استمر خروج المستثمرين دون إجراءات إصلاحية حقيقية، وقالت الوكالة: إن "أي تراجع إضافي في الثقة، قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في مؤشرات الاستدانة".
نظرة على البورصة: انتعاش مؤقت؟
رغم تراجع الجنيه، شهدت مؤشرات البورصة المصرية تحسناً طفيفاً مدفوعاً بمشتريات محلية، لكن حجم التداول لا يزال منخفضاً، وتقول حنان رمسيس، خبيرة أسواق المال: إن "هذا التحسن لا يعكس استقراراً حقيقياً، بل هو نتيجة لجاذبية بعض الأسهم التي هبطت إلى مستويات مغرية، متوقعة حالة من التذبذب خلال الفترة المقبلة".
