مع تفاقم أزمة الدولار بزمن المنقلب السفيه السيسى ، وتآكل قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، عادت أزمة نقص الأدوية إلى الواجهة، لتضيف عبئاً جديداً على كاهل المواطنين، خصوصاً المرضى أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة، مثل أمراض القلب والضغط والسكري والغدة والأورام وزراعة الكبد والكلى وضمور العضلات.
ولم يتوقف النقص عند الأدوية فقط، بل شمل ألبان الأطفال، والمعدات الطبية، والأجهزة التعويضية، ما فتح الباب واسعاً أمام السوق السوداء التي تنشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في بيع هذه الأدوية بأسعار مضاعفة، بل وبيع بواقي أدوية محظور تداولها لاحتوائها على مواد مخدرة.
حياة المرضى في خطر
وأكد الدكتور محمد عبد اللطيف، أخصائي الأمراض الباطنية، في تصريح صحفى، أن "نقص أدوية القلب والضغط والسكري يُهدد حياة مئات الآلاف من المرضى الذين يعتمدون عليها يومياً. تأخير الجرعة أو استبدالها ببديل أقل فاعلية قد يؤدي إلى مضاعفات قاتلة، خاصة لكبار السن".
وأضاف: "شهدنا في الأسابيع الماضية تدهوراً صحياً متكرراً لعدد من مرضانا بسبب عدم توفر الأدوية التي اعتادوا عليها، وهو أمر غير مقبول طبياً أو إنسانياً".
من جهته، قال الدكتور أحمد الجندي، صيدلي ومستشار سابق في إحدى شركات الأدوية، إن "عودة السوق السوداء لبيع الأدوية، يعكس انهيار منظومة الدواء في مصر، بعد أن أصبحت الشركات عاجزة عن التصنيع أو الاستيراد، والمواطن يدفع الثمن".
أسباب الأزمة حسب المصنعين
قال علي عوف، رئيس شعبة الدواء في الغرفة التجارية، إن السبب الرئيسي في الأزمة هو تغيير هيئة الدواء المصرية لمعايير الإنتاج سنوياً، ما يحمل المصانع أعباء إضافية، مع تراجع قدرة الشركات على توفير المواد الخام المستوردة، التي تشكل نحو 91% من مكونات الأدوية.
وأضاف أن القفزة في سعر الدولار بنسبة 40% منذ مارس 2024 فاقمت الوضع، في ظل عدم قدرة الشركات على تحريك الأسعار بما يتناسب مع التضخم، مع استمرار زيادة استهلاك المرضى للأدوية التقليدية ورفضهم للبدائل.
مصدر بهيئة الدواء: القادم أسوأ
وكشف مصدر رفيع في هيئة الدواء عن تفاقم الأزمة خلال الربع الثاني من 2025، بسبب توقف عدد من مصانع الأدوية عن الإنتاج، نتيجة عدم توافر مستلزمات التصنيع التي لم يتم توريدها من الخارج رغم سداد ثمنها بالجنيه المصري لهيئة الشراء الموحد.
وقال المصدر إن "شركات الأدوية دفعت مليار دولار من خلال قروض بنكية ذات فوائد مرتفعة، لكن الهيئة لم تلتزم بتوريد المواد الخام، ما أدى لنقص حاد في السيولة، ودفع بعض الشركات إلى التصدير للحصول على الدولار، أو الدخول في شراكات أجنبية تمهيداً للخروج التدريجي من السوق المحلي".
فشل في التوطين وتأخر الدعم
وأشار المصدر إلى فشل مبادرة توطين إنتاج 280 مادة خام محلياً، نتيجة غياب الدعم الحكومي، وعدم توفير تمويل لمشروع القروض الميسرة الذي وعدت به الحكومة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
كما لفت إلى أن مستشفيات وزارة الصحة والتعليم العالي حولت صيدلياتها إلى مشاريع ربحية، تفضل استهلاك الأدوية المستوردة كاملة الصنع ذات هامش الربح الأكبر، بينما تتراكم مستحقات شركات الأدوية المحلية إلى نحو 15 مليار جنيه دون سداد.
