في ظل استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الرئيسية، في زمن المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسى تكشف التحليلات الاقتصادية عن سلسلة من العوامل التي أدت إلى هذه الحالة.
يُلاحظ أن سعر الدولار بالبنك المركزي سجل مستويات أقل من الأسعار السائدة في السوق، حيث بلغ سعر شراء الدولار في البنك المركزي 51.21 جنيهاً للبيع و51.31 جنيهاً، بينما وصل سعر الدولار في البنوك إلى مستويات تاريخية جديدة عند 51.80 جنيهاً للشراء و51.68 جنيهاً للبيع. وفي السوق الموازية، ارتفع الدولار إلى 52.40 جنيهاً، فيما استقر سعر الذهب عند 51.35 جنيهاً.
أسباب تراجع الجنيه المصري وتأرجحه
يشير خبراء الاقتصاد إلى أن التنافس الحاد بين البنوك على شراء الدولار ساهم في استمرار ارتفاعه على شاشات البنوك طوال اليوم الماضي، رغم اللون الأحمر الذي تميزت به شاشات البنك المركزي وسوق الذهب. ويرى الاقتصاديون أن هذا الانعكاس ينجم عن حالة الاضطراب الذي يميز السوق المحلية، والتي تأثرت بشكل كبير وهش بسبب الضغوط الاقتصادية المتفاقمة. وتأتي هذه الحالة في أعقاب الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة ترامب من خلال فرض رسوم جمركية جديدة في نهاية الأسبوع الماضي، حيث تم تعليق معظمها لاحقاً باستثناء الصين التي شهدت زيادة في الرسوم.
تيارات الأموال الساخنة وهروب الاستثمارات
أوضح محللون ماليون أن خروج كميات كبيرة من الدولار المستثمر في الأموال الساخنة قد تسبب في تخلي المستثمرين عن السندات وأوراق الدين المحلية، في محاولة للنجاة من المخاطر المرتبطة بأسواق الدين والأصول في الأسواق الناشئة. وقد دفعت هذه التدفقات المستثمرين والجهات المالية إلى توفير السيولة بصورة عاجلة لتلبية الطلب المتزايد من المستثمرين المحليين والعرب، مما أوجد ضغطاً مستمراً على الدولار.
تأثير الانكماش في البورصة والأسواق المالية
شهدت البورصة انخفاضاً جماعياً بمؤشر ايجي أكس 30 بنسبة بلغت 4.5%، حيث سجل أدنى مستوى له منذ بداية العام عند 28 ألفاً و332 نقطة. كما انخفض مؤشر ايجي إكس 70 بنسبة 4.82%، وإيجي إكس 100 بنسبة 5.01%. وتفسير الخبراء لهذا الانخفاض يتمثل في الضغوط البيعية المكثفة من قبل المستثمرين المحليين والعرب، الأمر الذي ارتبط بزيادة التعرفة الجمركية المفروضة على الواردات من الصين والتأثيرات السلبية للتوترات الجيوسياسية العالمية.
التوتر الجيوسياسي وصدمة السياسات الأمريكية
أعرب نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية ورئيس غرفة التجارة الأميركية، طارق توفيق، عن قلقه من تأثير السياسات الأمريكية، وعلى رأسها تلك التي اتبعتها إدارة ترامب، على الاقتصاد المصري والدولي. وأشار توفيق إلى أن تصعيداً في التوترات الجيوسياسية قد يؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال نحو الخارج، كما أن الحرب الإسرائيلية على غزة لها تأثير مباشر على الاستثمارات الأجنبية، مما يزيد من الضغوط على الجنيه المصري. وأكد أن الاقتصاد المصري، رغم التقدم الملحوظ في مجالات البنية التحتية والطاقة، لا يزال يعتمد بشكل كبير على العائدات الريعية مثل إيرادات قناة السويس وبيع الأراضي والموارد الطبيعية، وهو ما يجعله ضعيفاً أمام الصدمات الاقتصادية.
الاعتماد على الأموال الساخنة والآثار السلبية
يرى بعض أعضاء جمعية رجال الأعمال المصريين أن اعتماد الحكومة المفرط على الأموال الساخنة لتمويل العجز في العملة الأجنبية كان له دور كبير في تأثر الجنيه المصري، خاصةً مع غياب المشروعات الإنتاجية التي تُولّد الدولار من الصناعات المحلية. وقد أوضح رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية، عمر مهنا، أن استهلاك الحكومة لنحو 90% من إجمالي الودائع المحلية بالبنوك جعل القطاع الخاص عاجزاً عن تحمل جزء من الخسائر الناجمة عن الأزمات المفاجئة، مما يثقل كاهل الموازنة العامة للدولة. كما اعتبر مهنا خروج الأموال الساخنة فرصة لتعديل السياسات البنكية وتشجيع القطاع الخاص على النمو وعدم الاعتماد الكامل على أدوات الدين الحكومية.
التوقعات المستقبلية والتدابير المحتملة
يتوقع المحللون استمرار ارتفاع الطلب على الدولار في الأيام القادمة نتيجة لتدهور أسواق المال الدولية، مع تفضيل المستثمرين للتحوط بسيولة نقدية واحتكاك أسعار الفائدة على الدولار الفيدرالي الأميركي. كما أن تطبيق تعرفة ترامب على أسعار السلع ومستلزمات الإنتاج قد يدفع الموردين المحليين للبحث عن مصادر سيولة في السوق المحلية، مما يزيد من حدة التقلبات في أسعار السلع. في ظل هذه التقلبات، يُبرز الخبراء ضرورة تحفيز القطاع الخاص وتعزيز قدرته على مواجهة الصدمات الاقتصادية عبر تطوير مشروعات إنتاجية تساهم في جلب عملات أجنبية بشكل مستقل وتقليل الاعتماد على الأموال الساخنة في تمويل العجز الخارجي.
بذلك، يشكل التراجع المستمر للجنيه المصري انعكاساً لعدة عوامل مترابطة تشمل السياسات الاقتصادية الداخلية، التداعيات الجيوسياسية العالمية، والسياسات التجارية الخارجية التي أثرت بشكل مباشر على ثقة المستثمرين وتدفقات الأموال داخل الاقتصاد المصري.