رسوم ترامب.. هل تكون الشمّاعة الجديدةلفشل السيسي الاقتصادي؟

- ‎فيتقارير

فيما تتصاعد حدة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بمصر، بسبب فشل المنقلب السيسى الاقتصادى بدأت دوائر رسمية وإعلامية مقربة من السلطة تروّج لفكرة تحميل السياسات الجمركية الأميركية الجديدة، التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مسؤولية التدهور الحاصل في المؤشرات الاقتصادية، في محاولة لتصدير أزمة خارجية لتبرير فشل داخلي ممتد منذ سنوات.

 

لكن خبراء اقتصاديين ومراكز بحثية محلية أكدوا أن تأثير الرسوم الأميركية، التي وصلت إلى 10% على بعض الواردات، يظل هامشيًا مقارنة بالصدمات التي يتلقاها الاقتصاد المصري من الداخل.

 

حجم صادرات محدود وتنافسية مفقودة

في ندوة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بحضور مسؤولين سابقين وخبراء ورجال أعمال، كُشف أن الصادرات المصرية إلى السوق الأميركية لا تمثل سوى أقل من 3% من إجمالي واردات الولايات المتحدة، وأن غالبيتها تتركز في الملابس الجاهزة والمنسوجات التي تواجه منافسة شرسة من دول مثل الصين وبنغلادش وفيتنام.

 

كما أوضحت عبلة عبد اللطيف، المديرة التنفيذية للمركز، أن الولايات المتحدة لا تسمح بدخول الخضروات والفاكهة الطازجة من مصر لأسباب تتعلق بحظر الشحن الجوي المباشر، وهو ما يحد من فرص التوسع التصديري في قطاع الزراعة، رغم ارتفاع إمكانياته.

 

اتهامات للحكومة بإهدار الفرص

انتقد المشاركون في الندوة ما وصفوه بـ"السياسات غير المنضبطة" التي أهدرت فرصًا حقيقية لتعزيز مكانة مصر كدولة تتمتع بوضع تفضيلي لدى واشنطن، خاصة في ظل اتفاقيتي "كويز" (QIZ) و"تيفا" (TIFA) التي تتيح دخول صادرات مصرية بأسعار تفضيلية. وأشاروا إلى أن الحكومة فشلت في استغلال هذه الامتيازات بسبب ضعف التنافسية وغياب إصلاحات هيكلية حقيقية.

 

عبد اللطيف كشفت أن مصر تستغل فقط 19% من إمكاناتها التصديرية في قطاع الأسمدة، و2% فقط في الآلات، رغم وجود فرص واضحة للتوسع في السوق الأميركي. كما أشارت إلى أن رسوم ترامب تهدد بزيادة تآكل القدرة التنافسية للصادرات المصرية في قطاع الملابس الجاهزة، الذي يمثل 45.6% من إجمالي الصادرات المصرية إلى أميركا.

 

مشكلات داخلية أكبر من التحديات الخارجية

الدراسة التي عرضتها عبد اللطيف أكدت أن العقبات الحقيقية أمام تنمية الصادرات المصرية ليست الرسوم الأميركية، بل العوائق الداخلية مثل البيروقراطية، وتعقيدات التقييم الجمركي، وعدم وضوح معايير الاستيراد، وتأخر صرف دعم المصدرين، وتكاليف التخليص المرتفعة، فضلاً عن الرسوم غير الرسمية و"الإكراميات" التي تنهك القطاع الخاص.

 

واقترحت الدراسة سلسلة إصلاحات لرفع كفاءة الصادرات، منها تقليص زمن الإفراج الجمركي بنسبة 62.8%، وتبسيط الإجراءات، وميكنة عمليات صرف الدعم لتتم في غضون 15 يومًا بدلًا من 14.7 شهرًا حاليًا، مما قد يرفع الصادرات بنسبة تصل إلى 25% في قطاع الملابس وحده.

 

تحذير من تفاقم الأزمة الاقتصادية

وحذر المشاركون من أن التأثير غير المباشر لرسوم ترامب قد يتمثل في إغراق السوق المصرية بسلع رديئة من دول أخرى تبحث عن بدائل للسوق الأميركية، مما يفاقم من عجز الميزان التجاري ويضعف الصناعات المحلية، خاصة في ظل الضغوط المستمرة على الجنيه وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع عائدات قناة السويس بسبب الحرب على غزة واضطرابات سلاسل الإمداد.

 

ترامب يحارب الدول الفقيرة لصالح "أميركا أولًا"

من جهته، اعتبر محمد قاسم، رئيس جمعية المصدرين المصريين "إكسبولينك"، أن سياسات ترامب تعكس تحالف اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الذي يتبنى خطابًا عنصريًا تحت شعار "أميركا أولًا"، ويسعى إلى إعادة هيمنة واشنطن على حركة التجارة الدولية، حتى لو كان ذلك على حساب شركائها من الدول النامية.

 

ورأى أن هذه السياسات تهدف إلى إعادة الولايات المتحدة كمركز تصنيع عالمي، وتقويض دور منظمة التجارة العالمية، عبر فرض رسوم حمائية وشروط تعجيزية على الدول المصدّرة، بما فيها مصر.

 

فشل داخلي لا تغطيه شماعة خارجية

رغم تأكيد الخبراء أن الرسوم الجمركية الأميركية قد تؤثر على بعض الصادرات المصرية، فإنهم شددوا على أن جذور الأزمة الاقتصادية في مصر داخلية بامتياز، تتعلق بضعف التنافسية، وبيروقراطية الدولة، وتغوّل الجهات السيادية على الاقتصاد، وليس بمجرد قرارات اتخذها ترامب في واشنطن.

 

ويرى متابعون أن محاولة السيسي تحميل ترامب مسؤولية الأوضاع المتردية في مصر، لن تجد صدى واسعًا، خاصة في ظل تراجع ثقة الشارع في السياسات الاقتصادية الحكومية، وغياب أي مؤشرات على تحسن قادم.