بعد دفن الضحية الثانية ..” مطروح “على صفيح ساخن ومطالب بتحقيق مستقل في واقعة “تصفية” الفزاري” والسرحانى”

- ‎فيتقارير

في تطور جديد لقضية أثارت غضبًا واسعًا في محافظة مطروح، تسلّمت قبيلة الفزار، أمس  الأحد، جثمان الشاب فرج الفزاري، الذي تتهم أسرته أجهزة الأمن بسلطة الانقلاب  بتصفيته رفقة شاب آخر يُدعى يوسف السرحاني، رغم تسليمهما نفسيهما طوعًا لقوة من الشرطة، عقب أيام من مقتل ثلاثة أمناء شرطة في مدينة النجيلة.

وما زالت تداعيات الحادث مفتوحة على احتمالات متعددة، ما بين تأكيد رسمي على رواية "تبادل إطلاق النار"، وإصرار شعبي وقبلي على أن الشابين قُتلا بعد تسليم نفسيهما. وبين هذا وذاك، يقف ملف العدالة والشفافية على المحك، وسط مطالبات بتحقيق حقيقي، تُسائل من تورّط، وتحفظ ما تبقى من ثقة الأهالي في مؤسسات الدولة.

 

غضب قبلي وتحقيقات أولية

تمهيدًا لدفنه عصرًا في مقابر الزاوية بسيدي براني، جاء تسلُّم جثمان الفزاري بعد ثلاثة أيام من مقتله، ويومين من دفن السرحاني، وسط رفض قبيلته في البداية استلام الجثمان احتجاجًا على "تصفية خارج القانون"، قبل أن تعود وتستجيب عقب عقد النيابة الكلية في مطروح جلسة تحقيق مساء السبت استمعت خلالها لأقوال شاهدين من مشايخ القبائل: حمد أبو الأقرع ونصر الله جميل، بحسب المحامي جمعة الصريحي، أحد أعضاء هيئة الدفاع عن أسرتي الشابين.

 

وأوضح الصريحي أن التحقيقات، التي استمرت حتى فجر الأحد، تضمنت شهادات تؤكد تسليم الشابين بأنفسهما، وسط تأكيد من الشهود أن الضحيتين لم يكونا ضالعين في حادث مقتل أمناء الشرطة، وأن الأمر تم بناءً على اتفاق واضح مع قيادات من الأمن الوطني.

 

مطالب بتفريغ مكالمات وتحقيق محايد

هيئة الدفاع طالبت النيابة بتفريغ كاميرات المراقبة في محيط منزلي الشابين، وتحليل المكالمات الهاتفية بين الشاهدين وضباط الشرطة، لمعرفة توقيتات الاتصال وتفاصيل الاتفاق على التسليم، وما إذا كانت هناك نوايا مبيتة لتصفيتهما.

 

كما طالب فريق الدفاع بأن تتم التحريات في القضية عبر "أجهزة محايدة" مثل المخابرات الحربية أو العامة، بالنظر إلى أن الشرطة طرف مباشر في الحادث. ونقل مصدر قانوني بنقابة المحامين عن أحد أعضاء الدفاع قوله إن "المخابرات الحربية أقرب للناس الآن، وهي الجهة التي أبدت حرصها على الوصول إلى الحقيقة، دون تواطؤ أو تزييف".

 

شهادة مشايخ القبائل: تسليم مقابل الإفراج عن النساء

في شهادة مصورة تداولها أهالي مطروح، قال الشيخ نصر الله جميل، أحد الشاهدين في الواقعة، إنه تلقى اتصالًا من قريب الضحية فرج الفزاري، وجرى التنسيق مع عواقل القبيلتين لتسليم الشابين مقابل إطلاق سراح نساء من أقاربهما احتجزتهن الشرطة دون إذن قضائي.

 

وأكد جميل أن الاتفاق تم مع ضابط الأمن الوطني بالسلوم، الذي وعد بالتحقيق مع الشابين فقط إذا لم يثبت عليهما شيء. "قالوا لو هما ما عملوش حاجة هنسألهم كلمتين ويخرجوا"، بحسب قوله. وتم التسليم في منطقة أبو زريبة عند الكيلو 30 قبل السلوم، مساء الخميس 10 أبريل/نيسان.

 

لكن بعد ساعات قليلة، فوجئ الشهود بخبر مقتل الشابين. وعندما اتصل جميل بالضابط للاستفسار، قيل له إن الضابط سلمهما لجهة أمنية أخرى وإن الأمر "خرج من يده".

 

رواية الداخلية تثير الجدل.. وردود فعل قبلية غاضبة

من جانبها، أعلنت وزارة الداخلية  بحكومة الانقلاب أن الشابين كانا عنصرين "شديدي الخطورة"، وأشارت إلى مقتلهما في تبادل إطلاق نار أثناء مداهمة أمنية، وقالت إنهما كانا يحملان بندقية آلية وطلقات نارية.

 

لكن هذه الرواية قوبلت بتشكيك واسع على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا بعد تداول روايات أهالي مطروح التي تؤكد تسليم الشابين مقابل إطلاق سراح نساء محتجزات. وزارة الداخلية ردّت ببيان ثانٍ نفت فيه احتجاز نساء، ونقلت عن "مصدر أمني" نفيه لما وصفه بـ"الشائعات".

 

تصعيد قبلي: وقف التعامل مع الشرطة

ردًا على الحادث، أعلن مجلس العمد والمشايخ في محافظة مطروح، أمس السبت، تعليق التعاون مع أجهزة الشرطة في المحافظة، لحين انتهاء التحقيقات في الواقعة، في خطوة غير مسبوقة تعكس عمق الغضب الشعبي في المنطقة.

 

وطالب المجلس بتحقيق عادل ومستقل، ومحاسبة المسؤولين عن الواقعة، خاصة أن الشابين – بحسب روايات الأهالي – سلما نفسيهما بناءً على وعود رسمية.

 

منظمات حقوقية: "جريمة خارج القانون"

من جهتهم، وصف حقوقيون الحادث بأنه "جريمة قتل خارج إطار القانون"، ودعوا إلى تدخل النائب العام بشكل مباشر لضمان شفافية التحقيق. وقال المحامي الحقوقي محمد زارع، مدير البرنامج المصري لحقوق الإنسان، إن ما حدث "يهدد فكرة سيادة القانون"، مضيفًا: "عندما يُقتل مواطن بعد تسليم نفسه للسلطات، فإن ذلك ينسف فكرة الدولة القانونية من الأساس".

 

وشدد زارع على أهمية إخضاع الواقعة لتحقيق قضائي نزيه تحت إشراف النائب العام، داعيًا إلى نشر نتائج التحقيقات للرأي العام، ومحاسبة المتورطين أيا كانت مناصبهم.

 

من ناحيتها، اعتبرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في بيان لها، أن الحادث "يكشف عن خلل في منظومة العدالة الجنائية"، مؤكدة أن مثل هذه الوقائع إذا مرت دون محاسبة فإنها "تكرّس الإفلات من العقاب وتفتح الباب أمام تكرارها".

 

خلفية: النزاع الأمني القبلي في مطروح

تُعد محافظة مطروح من المناطق التي تشهد توازنًا دقيقًا في العلاقة بين القبائل والأجهزة الأمنية، في ظل وجود حساسيات تاريخية متعلقة بالملاحقات الأمنية والتعامل مع أبناء القبائل. ومع أن المحافظة لم تشهد أعمال عنف موسعة في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه الواقعة أعادت إلى السطح التوترات الكامنة بين الدولة والمجتمع القبلي، خاصة إذا كانت الرواية الرسمية محل تشكيك واسع.