وسط تفاقم الدين العام وعجز الموازنة، تواصل حكومة الانقلاب الاعتماد المكثف على الضرائب كمصدر رئيسي للإيرادات، ما ينعكس مباشرة على حياة المواطن الذي يجد نفسه مطالبًا بسداد فاتورة إخفاقات السياسة الاقتصادية، في ظل موجات تضخم ومعيشة تزداد صعوبة.
بحسب البيانات الرسمية لمشروع الموازنة الجديدة 2025-2026، بلغ إجمالي الإيرادات الضريبية نحو 1.4 تريليون جنيه خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الجاري، أي نحو 75% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، دون أن تشمل إيرادات أخرى كقناة السويس أو عوائد الأصول العامة.
وتسعى الحكومة لزيادة تلك الحصيلة في موازنة العام المالي الجديد بنسبة 34.4%، لتصل ضرائب السلع والخدمات وحدها إلى 1.103 تريليون جنيه، من بينها 640.4 مليار جنيه ضريبة قيمة مضافة، بزيادة غير مسبوقة قدرها 50.2% عن العام السابق.
المواطن بين المطرقة والسندان
في ظل هذه الزيادة، وافق برلمان الانقلاب ، بقيادة حزب "مستقبل وطن" المؤيد لنظام العسكر على مشروع لتعديل قانون الضريبة على القيمة المضافة، يشمل إلغاء إعفاءات كانت ممنوحة لـ19 سلعة غذائية وخدمية أساسية، مثل الشاي، البن، العسل الأسود، الطحينة، وأغذية الحيوانات، استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي.
ورغم إبقاء الحكومة على بعض الإعفاءات مثل الخبز، وأغذية الأطفال، إلا أن خبراء اقتصاد يرون أن الأثر التضخمي لإلغاء الإعفاءات على باقي السلع سيتحمله المواطن البسيط بشكل مباشر.
أعباء المواطن تتزايد
يقول الدكتور أحمد ذكر الله، الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل الإسلامي، في تصريحات صحفية إن "الحكومة لجأت إلى أسهل طريقة لزيادة الإيرادات وهي الضغط على المواطن، بينما تغض الطرف عن إصلاحات حقيقية في منظومة الإنفاق العام أو تقليص الفساد الإداري".
ويضيف: "من غير المنطقي الحديث عن تحفيز مجتمع الأعمال في موازنة تُحمِّل المستهلك النهائي أعباءً إضافية، وتُبقي على امتيازات ضريبية لكبريات الشركات".
صندوق النقد… اللاعب الخفي
إلغاء الإعفاءات الضريبية جاء تنفيذًا مباشرًا لتوصيات صندوق النقد الدولي، الذي طالب مرارًا بـ"توسيع القاعدة الضريبية" و"ترشيد الإعفاءات". ويعتبر الصندوق أن تلك الإجراءات تعزز "الانضباط المالي"، لكنها في واقع الأمر تُترجم داخل مصر إلى ضرائب إضافية على محدودي ومتوسطي الدخل.
وتُظهر ملامح الموازنة أن الحكومة تسعى لزيادة مساهمة الضرائب في الناتج المحلي، بما يتماشى مع أهداف الاتفاق الجديد مع الصندوق، لكنها لا تُفصح كثيرًا عن تكلفة هذا النهج على الفئات الاجتماعية الأضعف.
غياب الإصلاح الحقيقي
يرى الباحث الاقتصادي هشام توفيق، في مقال له بصحيفة "مدى مصر"، أن "التحسن الظاهري في أرقام الفائض الأولي والاحتياطي النقدي لا يعكس تحسنًا في جودة حياة المواطن أو بنية الاقتصاد الإنتاجية، بل يُظهر قدرة الحكومة على الجباية وليس على الإصلاح".
ويتابع: "ما لم يصاحَب التوسع الضريبي بإصلاح في هيكل الإنفاق العام، ووقف الهدر في مشروعات البنية التحتية الفوقية والعاصمة الإدارية، فإن المواطن سيظل وحده من يدفع الثمن".
ماذا عن العدالة الضريبية؟
في بلد يعاني أكثر من 60% من سكانه من الفقر أو الهشاشة الاقتصادية، تصبح العدالة الضريبية قضية محورية. غير أن التركيز على ضرائب الاستهلاك، بدلًا من ضرائب الدخل والثروة، يجعل العبء غير متوازن.
وتشير تقارير دولية مثل تقرير "أوكسفام" إلى أن النظام الضريبي المصري يفتقر إلى التدرج والعدالة، حيث يعتمد بشكل رئيسي على الضرائب غير المباشرة، التي تُطبق بنفس النسبة على الجميع بغض النظر عن مستويات الدخل.
المواطن الحلقة الأضعف
بينما تعلن حكومة الانقلاب عن "موازنة النمو والاستقرار"، يُظهر الواقع أن هذا النمو يأتي من جيوب المواطنين، عبر ضرائب متزايدة وخفض الإعفاءات، في غياب حلول جذرية لتقليص الدين العام، أو مراجعة جادة لأولويات الإنفاق.
ومع توقعات بمزيد من الضغوط خلال العام الجديد، يبقى السؤال المطروح: إلى متى سيظل المواطن المصري يدفع وحده ثمن أخطاء لم يرتكبها؟