في ظل تصاعد الغضب الشعبي من تدهور الأوضاع الاقتصادية استعرض وزير المالية بحكومة المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي، أحمد كوجك، هذا الأسبوع مشروع الموازنة العامة الجديدة أمام مجلس النواب بنظام الانقلاب ، في وقت يرزح فيه الاقتصاد المصري تحت وطأة ديون تجاوزت 11.4 تريليون جنيه، وعجز مالي يلامس حدود الكارثة.
ووفق الحساب الختامي للعام المالي 2023/2024، بلغت المصروفات العامة 3.96 تريليون جنيه، مقابل إيرادات لم تتجاوز 2.18 تريليون، بعجز كلي تخطى 1.77 تريليون جنيه، وهو ما يمثل استمراراً لمسار اقتصادي يصفه خبراء بـ"المدمر".
الديون تحاصر الدولة.. أكثر من 60% من الموازنة تُهدر على خدمة الدين
أظهر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن خدمة الدين العام التهمت ما نسبته 60.3% من موازنة الدولة، إذ بلغت فوائد الديون وحدها 1.355 تريليون جنيه، في حين تجاوزت الأقساط 1.283 تريليون، وسط ارتفاع متسارع في كل من الدين المحلي والدين الخارجي.
ففي أقل من أربع سنوات، ارتفعت الديون الداخلية من نحو 4 تريليونات إلى 8.7 تريليون جنيه، والخارجية من 1.1 تريليون إلى 3.7 تريليون جنيه. هذا الانفجار في حجم المديونية يُعد نتاجًا مباشرًا، بحسب مراقبين، لسياسات اقتصادية مرتجلة تنحاز للبهرجة والإنشاءات على حساب الاستثمار الإنتاجي والتنمية البشرية.
العاصمة الإدارية وقصور الرئاسة.. مليارات مهدرة في مشروعات بلا عائد
يرى محللون اقتصاديون أن الإنفاق الهائل على مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والقصور الرئاسية، ومئات الكباري والطرق التي تخدم مصالح السلطة أكثر مما تخدم المواطن، يشكل أحد أبرز أوجه الإهدار في موازنات الدولة. وبدلاً من توجيه الموارد الشحيحة نحو الصحة والتعليم والصناعة، تصر السلطة على تمويل مشروعات ضخمة لا تولد دخلاً حقيقياً، ولا تُسهم في حل البطالة أو تحريك عجلة الاقتصاد.
التضخم يلتهم الدعم.. ومخصصات الحماية لا تصمد أمام الغلاء
رغم الإعلان عن زيادات في مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية، فإن الواقع يكشف أن ارتفاع التضخم وتدهور قيمة الجنيه أمام الدولار يلتهمان تلك المخصصات. فالدولار ارتفع رسمياً من 30 جنيهاً في 2023 إلى أكثر من 51 جنيهاً في أبريل 2024، ما أفقد الدعم الحكومي فعاليته، وسط معاناة ثلثي المصريين من الفقر، بحسب تقديرات مستقلة.
موازنة العام الجديد.. ضرائب أكثر وخدمات أقل
الموازنة المقترحة للعام المالي 2024/2025 تحمل مزيداً من الأعباء للمواطنين، مع خطط لزيادة الضرائب إلى 2.6 تريليون جنيه، تمثل أكثر من نصف قيمة الموازنة، فيما تتراجع مخصصات دعم الوقود والسلع التموينية. وخصصت الموازنة 2.298 تريليون جنيه لبند الفوائد فقط، بينما لم يتجاوز بند التعليم والصحة مجتمعَين 1.2 تريليون، ما يعكس أولوية السلطة لسداد ديونها وليس لتلبية احتياجات المواطن.
الولي: بيان الموازنة تضليلي والحساب الختامي يفضح التلاعب
الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، حذر في تصريحات موسعة من التلاعب الحكومي المتكرر في أرقام الموازنة. وقال إن "البيان المالي الذي يُعرض أمام البرلمان يتم تضخيمه لتهدئة الرأي العام، بينما يكشف الحساب الختامي حقيقة ما تم إنفاقه فعلاً، وغالبًا ما تختلف الأرقام عن تلك التي تُعرض في البداية".
وأشار إلى أن الحكومة تدرج مستحقات صناديق التأمينات الاجتماعية على بند الدعم، ما يرفع رقمه بشكل وهمي، في حين أن تلك المستحقات هي ديون على الدولة، ويجب إدراجها كبند منفصل. كما أوضح أن الدعم المعلن للمصدرين والمزارعين لا يُصرف فعلياً أو يتم تجزئته على دفعات لا تتناسب مع الالتزامات المعلنة.
البرلمان ينتفض.. ونواب يطالبون بمحاسبة الحكومة
في سابقة نادرة، هاجم نواب في برلمان الانقلاب الحساب الختامي للموازنة، ووصفوه بـ"الكارثي". النائب محمد عبد العليم داود طالب بإحالة الحكومة إلى النائب العام، بينما أكد النائب ضياء الدين داود أن الدين العام قفز بأكثر من 2.8 تريليون جنيه في عام واحد، واصفاً الموازنة بأنها "أداة لإفقار المصريين".
60% من الموازنة تُهدر على الديون.. والتعليم والصحة في ذيل القائمة
اعتبر حزب "غد الثورة" أن الحساب الختامي لموازنة 2023/2024 يعكس فشل السياسات المالية لحكومة السيسي، موضحاً أن "استحواذ خدمة الدين على أكثر من 60% من الاستخدامات العامة يعني أن التعليم والصحة والدعم أصبحوا بلا نصيب فعلي، وهو ما يكشف الطابع غير التنموي للموازنة".
الجيش خارج الحسابات.. والهيئات الاقتصادية صندوق أسود
ورغم تعهدات الحكومة السابقة بدمج موازنات الهيئات الاقتصادية -التي تشمل أنشطة الجيش الاقتصادية- ضمن الموازنة العامة، إلا أن الحكومة الحالية عرضت "الحساب الختامي للهيئات الاقتصادية" بشكل منفصل، في تجاهل واضح لمبدأ الشفافية.
يرى اقتصاديون أن هذه الهيئات، وعلى رأسها المؤسسات العسكرية، تمثل "صندوقاً أسود" يُستنزف من خلاله المال العام دون رقابة برلمانية حقيقية، فيما يستمر الجيش في التوسع داخل قطاعات مدنية، منافساً للقطاع الخاص، ومستحوذاً على الاستثمارات الحكومية الحيوية.