تراجع النمو السكاني بسبب الصعوبات الاقتصادية..السيسي “قطع خِلفة” المصريين

- ‎فيتقارير

 

 

 

بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها مصر في زمن الانقلاب، سجلت البلاد للمرة الأولى انخفاضًا ملحوظًا في معدل النمو السكاني، بنسبة بلغت 1,34%، وهو الرقم الأدنى مقارنةً بالعامين الماضيين، وهو ما يؤكد  أن السيسي "قطع خِلفة" المصريين .

هذا التراجع الكبير سببه عزوف الكثير من الشباب عن الزواج؛ بسبب عدم توافر الإمكانات المادية وتراجع الدخول وعدم وجود فرص عمل بجانب الارتفاع الجنوني في الأسعار، كما يأتي كنتاج طبيعي لضغوط اقتصادية متراكمة أثقلت كاهل المواطن، ولا يعكس هذا التراجع نجاحًا استراتيجيًا كما تزعم حكومة الانقلاب .

الخبراء من جانبهم أكدوا أن هذا التراجع لم يأتِ بسبب نجاح حملات تنظيم الأسرة، وإنما بسبب حدوث تحولات اقتصادية ومجتمعية وثقافية أكثر تعقيدًا، أعادت تشكيل رؤية كثير من الأزواج الجدد لمفهوم تكوين الأسرة.

وقال الخبراء: "إن الشباب في زمن الانقلاب أصبحوا يتعاملون مع قرار الإنجاب بوصفه مشروعًا استثماريًا يحتاج إلى دراسة جدوى دقيقة: تكاليف متابعة الحمل، ومصاريف الولادة، وأسعار الألبان والحفاضات، وتحديات التعليم والرعاية، كل ذلك يدفعهم لإعادة النظر في قرارات كانت تُتخذ سابقًا ببساطة، بل وتلقائية".

 

أدنى معدل

 

كان خالد عبدالغفار، وزير صحة الانقلاب قد أعلن ، أن مصر سجلت أدنى معدل نمو سكاني خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنةً بالفترة نفسها فى عامي 2024 و2023، زاعما أن هذا التراجع يعكس نجاح سياسات ضبط النمو السكاني وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وقال عبدالغفار في تصريحات صحفية: "إن عدد السكان ارتفع من 104,4 مليون نسمة في يناير 2023 إلى 107,2 مليون نسمة في يناير 2025، بمعدل نمو سنوي بلغ 1,34%، مقارنة بـ1,4% في 2024 و1,6% في 2023".

وزعم أن هذا التراجع تزامن مع تحسن المؤشرات الاقتصادية، حيث بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 3,5% في الربع الأول من العام المالي 2024/2025، مقابل 2,7% في نفس الفترة من العام السابق.

 

ميزانية خاصة

 

حول هذا التراجع قال حسام (32 عامًا، شاب حديث الزواج):" بعد الزواج، كنت أعتقد أن الإنجاب سيكون خطوة طبيعية، لكن عندما بدأت في حساب تكاليف المتابعة الطبية والولادة، وجدت أن الأمر يحتاج إلى ميزانية خاصة، لذا قررت أنا وزوجتي الانتظار عامًا أو عامين حتى نكون مستعدين ماليًا".

وأكد أحمد (35 عامًا، أب لطفل عمره 6 أشهر) أن طفله الصغير يستهلك عبوتين أو ثلاث من الحفاضات أسبوعيًا، وكل عبوة يتجاوز سعرها 250 جنيهًا، هذا بخلاف الألبان الصناعية التي تصل إلى أكثر من 500 جنيه شهريًا.

 

حساب التكاليف

 

وقال محمود (29 عامًا، متزوج منذ عام): "فكرة الإنجاب مباشرة بعد الزواج أصبحت صعبة، لا أريد أن أُنجِب طفلًا، ثم أجد نفسي غير قادر على توفير متطلباته الأساسية".

وأضاف : قررت مع زوجتي الانتظار حتى نحصل على دخل ثابت يكفي لتغطية المصاريف.

وقالت نهى (30 عامًا، متزوجة منذ ثلاث سنوات): عندما تزوجت، كنت أرغب في إنجاب طفل فورًا، لكن مع حساب التكاليف، أدركت أنني بحاجة إلى بعض الوقت حتى أكون مستعدة ماديًا ونفسيًا.

وأشارت إلى أنها لا تريد أن تضع طفلها في ظروف صعبة؛ بسبب التسرع في اتخاذ القرار.

 

نفقات الأطفال

 

وقال عماد (40 عامًا، أب لطفلين): عندما تزوجت قبل 10 سنوات، لم يكن لدينا هذا القلق بشأن نفقات الأطفال، لكن اليوم تغيرت الأمور.

وأشار إلى أنه يعرف الكثير من الأزواج الذين يؤجلون الإنجاب ليس لأنهم لا يريدون أطفالًا، بل لأنهم غير قادرين على تحمل تكاليفهم.

 

الظروف الاقتصادية

 

وقالت الدكتورة منى حمدي، استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري: "إن انخفاض معدلات المواليد وفقًا للإحصائيات الأخيرة قد لا يكون بالضرورة مؤشرًا على تغيير جذري في القيم الثقافية والمجتمعية تجاه فكرة الإنجاب، بل هو انعكاس مباشر للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تؤثر بشكل متزايد على قرارات تكوين الأسرة".

وأكدت د. منى حمدي في تصريحات صحفية أن تراجع معدلات الزواج وارتفاع نسب الطلاق في السنوات الأخيرة، جعل الكثير من الشباب المتزوجين حديثًا أكثر حذرًا في اتخاذ قرار الإنجاب، مشيرة إلى أنه أصبح هناك خوف من عدم استقرار الزواج أو وقوع الطلاق، مما يدفع المتزوجين حديثا إلى تأجيل الإنجاب حتى يتأكدوا من استقرار حياتهم الزوجية.

وأشارت إلى أن هناك تحولًا في تفكير الأجيال الجديدة، خاصة في البيئات المدنية وبين الفئات الأكثر تعليمًا، حيث يفضل بعض الأزواج في البداية الاستمتاع بالحياة الزوجية دون أعباء ومسؤوليات، وتأجيل الإنجاب لحين الاستعداد النفسي والمادي الكامل.

وأضافت د. منى حمدي أن هذه التوجهات ليست منتشرة بنفس الدرجة في المناطق الريفية أو بين الفئات الأقل تعليمًا، حيث لا تزال فكرة "العِزوة" والإنجاب كوسيلة لتعزيز الأمن الاقتصادي والاجتماعي سائدة، مؤكدة أن هذه التغيرات لا تعني بالضرورة تحولًا ثقافيًا عميقًا في المجتمع تجاه الإنجاب، وإنما هي أشبه بـ »طفرة» في التفكير، ناتجة عن تأثيرات العصر الحديث، مثل السوشيال ميديا وانتشار الأفكار التحررية التي تتحدى بعض المفاهيم التقليدية، كما أن هناك شريحة من الشباب تتبنى أفكارًا أكثر راديكالية، مثل رفض الإنجاب بالكامل لأسباب فلسفية أو بيئية أو اقتصادية.

وأشارت إلى أن الظروف الاقتصادية تلعب دورًا حاسمًا في هذا الاتجاه، حيث يواجه الشباب صعوبات في تأسيس أسر، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن ومتطلبات الزواج، مما يؤدي إلى تأخر سن الزواج وانخفاض معدلات الزيجات، وبالتالي انخفاض أعداد المواليد، موضحة أن من يتزوجون يجدون أنفسهم أمام تحديات اقتصادية تدفعهم إلى تأجيل الإنجاب أو تقليل عدد الأطفال للحفاظ على مستوى معيشي مستقر.