كتب- محمد مصباح:
كل يوم يثبت الانقلاب العسكري غباءه السياسي، كما كان يقول الرئيس الراحل أنور السادات عن معارضيه: "سأقبض عليهم بتهمة الغباء السياسي".. هذا الغباء السياسي الذي يسيطر على مفاصل نظام السيسي لا محالة سيسقط الانقلاب العسكري؛ لأن مصير الأغبياء دائمًا السقوط والفشل.
أكبر دليل على الغباء السياسي، تعامل السيسي وأمنه وعساكره بالقبضة الحديدية مع أهالي النوبة، رغم خطورة ذلك استراتيجيًا على كيان الدولة المصرية؛ حيث تؤكد العلوم السياسية ضرورة مراعاة مشاكل أهالي الأطراف وإيلائهم عناية كبيرة مخافة تنامي الشعور بالانفصال كمصير محتوم ردًا على التهميش والاقصاء.
حيث لم يكتف السيسي بالإقصاء والتهميش وإنما قدم القبضة الأمنية والضرب في المليان بمواجهة مطالب أهالي النوبة.. والذين تظاهروا بالدفوف والأغاني النوبية التي تطرب المستمعين، ففي ذكرى اعتصام 4 سبتمبر 2011 للنوبيين الذي استمر لمدة أيام أمام مبنى محافظة أسوان، وانتهى بمهاجمة الأمن لمخيمات المعتصمين وإلقاء القبض على 3 شباب ثم الإفراج عنهم بعد ساعات، ألقت قوات أمن أسوان القبض على 24 نوبيًا في مسيرة سلمية بالدفوف.

أبناء النوبة خرجوا الأحد الماضي في مسيرة سلمية بالدفوف تحت شعار "العيد في النوبة أحلى"، لتنظيم وقفة في حديقة درة النيل أمام مبنى المحافظة، مرددين أغاني تراثية للنوبيين وتصف حالهم بعد التهجير.
وعند وصولهم إلى ميدان المحطة، فوجئوا أنه تحول إلى ثكنة عسكرية محاطة بقوات الأمن، التي تمنعهم من الدخول للحديقة، فاتجهوا إلى منطقة الجزيرة، لاستكمال احتفالهم بالعيد ومسيرتهم السلمية، رافعين لافتات مكتوبًا عليها: "الهوية النوبية، تفعيل الدستور، إلغاء القرار 444".
فقام الأمن بعمل طوق ورفعوا السلاح على المشاركين وضربوا البنات ومسحوا الفيديوهات والصور اللي تثبت سلمية المسيرة.
وانتهى الأمر باعتقال أكثر من 24 نوبيًا، منهم محمد عزمي رئيس الاتحاد النوبي السابق، ومنير بشير رئيس الجمعية النوبية للمحاميين.
وقام الأمن باحتجاز الشباب في سجن معسكر فرق الأمن المركزي بمنطقة الشلال بأسوان قبل التحقيق معهم، وتم عرضهم على النيابة صباح الإثنين، دون حضور محام معهم، لتأمر بحبسهم أربعة أيام على ذمة التحقيق.
الغباء في الاتهام بتلقي تمويل
وتثبت الاتهامات التي وجهت للشباب النوبيين الغباء السياسي للسيسي ونظامه، وجاءت التهم الموجهة لشباب النوبيين: التحريض على التظاهر، التظاهر بدون ترخيص، إحراز منشورات، الإخلال بالأمن العام، تعطيل حركة المرور، التمويل من الخارج، وذلك للضغط على الدولة لتحقيق مطالبهم.
سر الغباء في أن قضية أهالي النوبة ممتدة منذ أمد طويل؛ حيث بدأت قضية أبناء النوبة منذ أكثر من قرن وتوارثتها الأجيال منذ ﺗﻬﺠﻴﺮ ﺍﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺑﺄﺳﻮﺍﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﺧﺰﺍﻥ ﺃﺳﻮﺍﻥ ﻋﺎﻡ 1898، ﺛﻢ ﺣﺪﺛﺖ ﺗﻌﻠﻴﺎﺕ ﻟﻠﺨﺰﺍﻥ ﻓﻲ ﺃﻋﻮﺍﻡ 1902 ﻭ1912 ﻭ1933 ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺘﻴﺖ ﻋﺪﺩ ﺁﺧﺮ ﺩﻭﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻱ ﺗﻌﻮﻳﻀﺎﺕ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻬﻢ، ﻟﻴﺘﻢ ﺗﻬﺠﻴﺮﻫﻢ ﻧﻬﺎﺋﻴًﺎ ﻭﻳﺼﺒﺢ 350 ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮًا ﺑﻤﺤﻴﻂ ﺑﺤﻴﺮﺓ ﻧﺎﺻﺮ ﺧﺎﻟﻴًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﻋﺎﻡ 1964 ﻋﻨﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ.

وﺍﻧﺘﻘﻞ ﺍﻟﻨﻮﺑﻴﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﻛﻮﻡ ﺍﻣﺒﻮ ﻭﺗﻢ ﺗﺴﻜﻴﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ 50 ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮًا، ﻭﻫﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﻤﻮﻃﻨﻬﻢ ﺍﻷﺻﻠﻲ، ﻟﻴﺒﺪﺃ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻬﻢ ﻭﺗﻨﻈﻴﻤﻬﻢ ﻟﻮﻗﻔﺎﺕ ﻭﺍﻋﺘﺼﺎﻣﺎﺕ ﻟﻠﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺤﻘﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﻴﻂ ﺍﻟﺒﺤﻴﺮﺓ.
وهو ما يرفضه سمسار أراضي مصر، الذي قرر ضم مساحات واسعة من أراضي النوبيين ضمن أراضي الجيش وضمن مشروعات الإصلاح الزراعي الجديدة والمطروخة لعموم المصريين وتجار السيسي وليس النوبيين فقط.
وأمام غباء نام يقامر بأبناء الوطن وطوائفه وفئاته المختلفة، يبقى مطالب النوبيين حاليًا، وفق شهادات محلية؛ إخلاء سبيل كل معتقلي الدفوف، عدم الملاحقة الأمنية لهم ولكل النوبيين ولغير النوبيين المساندين والداعمين للحقوق النوبية، إصدار قرار جمهوري بعودة النوبيين لمناطقهم الأصلية على ضفاف بحيرة ناصر، استثناء مناطق النوبة من القرار 444 الصادر في 2014 بشأن المناطق المتاخمة للحدود لعدم دستوريته، تفعيل المادة 236 من الدستور المصري والتي تكفل عودة النوبيين لمناطقهم الأصلية".
قافلة العودة محطة أيضًا
ولم يكف النوبيون عن تنظيم فعالياتهم، ومراسلاتهم لجميع السلطات المصرية، لنيل حقوقهم، قبل انفجار الازضاع، وكان أخر اعتصاماتهم بعد طرح الأراضي النوبية في مزاد مشروع المليون ونصف فدان عن طريق الريف المصري، فاعترضوا خلال مسيرة قافلة العودة النوبية بطريق أبو سمبل أسوان في نوفمبر 2016، وتم تعليقها بوعد من الحكومة ومجلس النواب بتحقيق مطالبهم، ولكنها لا زالت وعود لا تنفذ….!!
فهل يسمع الانقلابيون قبل تفاقم الامور وخروجها عن السيطرة أم تكون عجرفة السيسي بابًا للانفصال وتقزيم مصر…؟!!