في تطور جديد ينذر بتفاقم الأزمة المائية المستمرة بين مصر وإثيوبيا، تعتزم أديس أبابا تنفيذ ما بين مشروعين إلى 3 مشروعات هيدروكهربائيين ضخمين على مجرى النيل الأزرق، الرافد الرئيس لنهر النيل.
وفي مقال للمهندس الاثيوبي Sisay Alemayehu في صحيفة المراسل الاثيوبي تركز حول “ضرورة حماية السعة التخزينية للسد الاثيوبي، وتقليل كميات الرواسب التي تهدد عمره التشغيلي وكفاءته من خلال بناء ثلاثة سدود قبله لتعمل كمصايد للطمي والرواسب “، بأن ينقل ما كان سوف يذهب الى السد الاثيوبي الى السدود السابقه عليه، ويرى أنه حل غير دائم”.
وتخطط إثيوبيا لبناء 3 سدود كبرى بخلاف سدّ النهضة، وهي سدود “كارداوبة” و”بيكو أبو” و”مندايا”، التي تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه.
قال مراقبون منهم الباحث هاني إبراهيم على فيسبوك إن حل بناء سدود جديدة لا يقضي على مشكلة الترسبات والطمي بل يقوم بنقلها الى سدود جديدة، فضلا عما يسببه لدول المصب من شح إضافي في المياه لهم.
وكان وزير الري السابق د. م محمد نصر علام Mohamed Nasr Allam قد قال إنه في 2020 “تقدمت أثيوبيا لمصر والسودان في ذلك العام بمقترح لاقامة 4 سدود كبرى على النيل الأزرق بسعة إجمالية حوالى 150 مليار متر مكعب، منهم سد الحدود (يقصد سد النهضة المشيد على الحدود الاثيوبية مع السودان)، ورفضت مصر المقترح، وتم ارسال الرفض لأثيوبيا ومبادرة حوض النيل وللبنك الدولي والدول المانحة”.
وقال Hany Ibrahim عبر منصة (نهر مصر الخالد تاريخ حضارة مستقبل) إن “اقتراح انشاء سدود جديدة كحل مؤقت ومتأخر بعد ان انتهى السد الاثيوبي من اعمال الملء والبناء هو اجراء يتجاهل الاثر على دول المصب من مشروعات تتم في أعالي النهر ويؤكد أن السدود لا يتم مراعاة الاثر البيئي لها على المصب كما لا يراعي الاثر البيئي على تلك السدود وتدهورها”.
ونبه إلى أن هذا التوجه “يطرح امثلة عديدة على الامر في اثيوبيا بمعنى ان الامر في اثيوبيا لا يتم وفق دراسات لتلافي الاخطاء بل يتم التنفيذ واكتشاف الاخطاء ثم محاولة التغلب عليها ان استطاعوا.”.
ورصد “إبراهيم” كباحث متخصص ما دعا له المقال من “إجراءات بيئية مهمة كالتشجير والحفاظ على الغطاء النباتي”، معتبرا انه أمر بالغ الأهمية لتثبيت التربة والتقليل من الانجراف”.
واستدرك “سياسة التشجير الحالية في اثيوبيا تقوم على زراعة اشجار البن والفاكهة وليس غابات تحافظ على ثبات التربة”!
ولفت إلى مجموعة من العناصر الجوهرية أبرزها؛ تراجع الغطاء النباتي الطبيعي في إثيوبيا، الذي يشمل الغابات التي تحولت في كثير من المناطق إلى أراضٍ زراعية بفعل التوسع الزراعي غير المخطط له وما له من اضرار كبيرة”.
وقال “إن الغابات تقوم بالحفاظ على استقرار التربة وتقليل انجرافها، وبالتالي فإن إزالة الغابات تسهم بشكل مباشر في ارتفاع معدلات الرواسب التي تصل إلى الأنهار والسدود”.
وأكمل، “تجاهل هذا الامر في أي استراتيجية لمكافحة الطمي يجعلها بلا قيمة، ويُفقد أي جهد تشجيري قيمته – اذا كانت هناك جهود تشجيرية تستهف الحفاظ على البيئة – إذا لم يتضمن سياسات لإيقاف إزالة الغابات واستنزاف الموارد الطبيعية في أعالي النيل الأزرق “.
وأكد في الإطار الأهم لنا أن “إقامة سدود جديدة يعني القضاء على المزيد من الغابات بتوفير حيز للتخزين على حساب الغطاء النباتي الطبيعي”.
وبين أن “كان من الممكن – وربما من الافضل– أن يتم بناء السد بسعة تخزينية أقل مما هو عليه الآن، وان يتضمن تصميمه منافذ سفلية لتمرير المياه المحمّلة بالطمي دون أن يُسمح لها بالركود داخل البحيرة ليُقلل من الترسيب داخل السد خلال ذروة الفيضان ويُطيل عمره التشغيلي خصوصا ان طول البحيرة وكثرة الانحناءات بها ساهمت في رفع معدلات الترسيب”.
وأعتبر أن “السعة الحالية البالغة 74 مليار متر مكعب (لسد النهضة الاثيوبي) مبالغ فيها بالنسبة لطبيعة نهر مثل النيل الأزرق، الذي يتميز بتقلباته الشديدة بين مواسم الجفاف والفيضان، كان من الأجدى دراسة نموذج أكثر مرونة في التخزين والتشغيل وبسعة اقل، بحيث يقل أثر المشروع على دول المصب “.
ودعا الاثيوبيين إلى الأفضل وهو برأيه “التركيز على محطات طاقة شمسية أفضل من السدود الضخمة التي يجادل البعض بأن تكاليف السدود هي الاقل في حين اذا تم حساب تكاليف التغلب على مشاكل الترسيب في السدود في حالة السد الاثيوبي ومخطط سدود لتقليل الترسيب وتكاليف الصيانة والتدعيم للسد وغيرها سوف نجد ان التكلفة متساوية ولم تكن تؤدي الى ازمات بيئية أو إقليمية، ويمكن إنشاؤها بشكل لا مركزي لتغطية احتياجات المناطق الريفية التي لا تصل اليها شبكة الكهرباء الاثيوبية اذا كان الغرض توفير الكهرباء للشعب الاثيوبي”.
الأكاديمي د. محمد حافظ وعبر Mohd Hafez على فيسبوك لفت إلى أن المعلومات عن تشييد إثيوبيا سدوداً جديدة لـ”حماية” سد النهضة له تأثير مباشر حيث “يؤدي لـ”جفاف مائي” بمصر”.
وعلى سبيل التمني قال إنه “في حال وضعت أديس أبابا يافطة أو حجر أساس أو في حال أعلنت نيتها لإقامة سدود أخرى خلال السنوات المقبلة، فإن ذلك سيقابل برد مصري “يتجاوز التصريحات الدبلوماسية”.
وأشار إلى أن هناك عوامل عديدة تقود إثيوبيا للتفكير في بناء سد جديد في مقدمتها ضمان بقاء سد النهضة أطول فترة ممكنة عبر زيادة عمره الافتراضي، والتعامل مع بعض المشكلات الهندسية التي تترتب على تخزين كميات كبيرة من المياه خلفه”.
وأعتبر “د. حافظ” أن السدود الثلاثة الاثيوبية المقترحة “تمثل خصماً لمخزون المياه في السدّ العالي، الذي يستخدم لسدّ العجز المائي لإيراد النهر في مصر، ما يؤدي بطبيعة الحال لجفاف مائي لمصر بعد الانتهاء من إنشائها”.
وحذر من أن “مصر تحاط بجملة من الأخطار المستقبلية قد تكون أكثر خطورة من سنوات تشييد وملء سد النهضة لأن الجفاف سيكون سمة سائدة خلال السنوات المقبلة في وقت تمتلك فيه إثيوبيا خططا لتشييد مزيد من السدود على النيل الأزرق، وهو ما يترجم مخاوف وزارة الري المصرية من شح المياه خلال السنوات المقبلة التي ترجعها إلى التغيرات المناخية لكنها ترتبط على نحو أكبر بما تنوي إثيوبيا القيام به.”.
وأضاف، “ما يقلق القاهرة أيضاً هو التوسع الإثيوبي في تدشين مشروعات زراعية في دول حوض النيل التي تعزز معها شراكاتها وهو أمر يشكل ضررا على الأمن المائي المصري أيضا مع توجيه تلك المياه للزراعة هناك”.
ونقل عن خبير مصري بوزارة الري، من “أن القاهرة لديها مخاوف من تسرب مياه سد النهضة بعد أن وصل الملء إلى أكثر من 62 مليار متر مكعب، وهي سعة تخزينية كبيرة قد تفوق قدرة السد، فضلاً عن احتمالية حدوث فيضانات. زادت المخاوف من إمكانية أن يتسبب مخزون المياه أو الفيضانات في حدوث تسرب في خزائن مياه السد بشكل كبير”.
ورصد الخبير “أن القاهرة طالبت أديس أبابا بإجراء دراسات جيولوجية للتعرف على صحة وجود تسريب للمياه من عدمه، وبنت طلبها على أن ذلك يشكل خطراً على جسم السد لأنه في حالة حدوث تراكم في الرواسب قد تحدث تشققات وانزلاقات أرضية.”.
ولام الباحث أحمد عكاشة المتخصص في “شئون الأمن القومي” بحسب Ahmed Okasha مشروعات حكومية مصرية لتنفيذ أنهار جديدة وأنها تخدم البروبجندا الاثيوبية.
وقال “عكاشة”: “فكرة اننا نعمل فروع جديده للنيل لمجرد اهواء او للبروباجندا او للاستثمار العقارى بدون الاستعانة بخبراء الموارد المائية والزراعة والسياسة المتخصصين فى الشأن الأفريقي سيزيد من محنة نهر النيل “.
وأوضح أن “زيادة المسطح المائي يزيد من عمليات البخر وفقدان المياه واثيوبيا تقول هذا فى تسويقها الاعلامي لسد النهضة والسدود القادمة التى تتراوح من بين ٤ سدود إلى ٢٠ سدت ان مصر تدير المياه بشكل خاطئ ولديها إسراف فى المياه وبالتالي معظم دول الحوض تؤيد موقف اثيوبيا لأنها تريد أقصى استفادة ممكنة من نهر النيل وهذا ما يعطى اسرائيل فرصة للتغلغل داخل دول حوض النيل و زيادة الفجوة والتناقضات مثلما فعلت انجلترا من قبل “.
وعلق “انا عقلى اصابه صدمات كبيرة من إدارة السياسة المائية بهذا الشكل فالنيل هو الوجود المصري وإدارة المياة فى مصر يجب ان تكون احترافية ولا تترك فى يد سماسرة عقارات ابدا”.
الصيف الصادم
الكاتب الصحفي بالأهرام محمد جمال غيطاس Gamal Mohammed Ghietas قال “بات فصل الصيف أشد كاشف لأكبر عورة في تاريخ وطننا، وهو أنه بات وطن رهين محبسين يؤكدان انه عمليا مهزوم تنمويا بلا حرب، محبس الغاز في الشمال الذي تتلاعب به أصابع الصهاينة، ومحبس الماء في الجنوب الذي تتباهي به أصابع الاحباش.”.
وأوضح فيما يخص “ملف الماء” أنه “انتهي بنا المطاف بعد عشر سنوات تفاوض وجهود ظاهرة وباطنة، بنتيجة هي صفر مصر 100 اثيوبيا، نتيجة تمثلها الحقيقة المجسدة علي الأرض فعليا: فقد أصبح لديهم سد ومحبس ماء، كما كانوا يريدون بالضبط دون تغيير، ولم يصبح لدينا أداة ضغط واحدة تجعلهم يكفون عن التلاعب بحصتنا من المياه، وذهب أدراج الرياح كل ما تم تقديمه للشعب كبطولات ومعجزات، ولم يعد هناك شيء يحفظ لنا حصتنا من المياه سوي أن يكون المتساقط من المطر أمام سدهم اكبر مما يستطيع السد احتجازه فيمر رغما عنه، دونما أي اعتبار لما نحتاجه نحن”.
وأضاف “حالة الهزيمة التنموية بلا حرب، تقع مسئوليتها بالكامل على السلطة التي تتولى أمور البلاد منذ عقد مضى، وتديرها بمنطق “الشيك علي بياض”، أي الولاية الخالصة لها من دون شائبة مشاركة من أحد، أو رأي أحد، فلا صحافة حرة ولا برلمان مستقل ولا مجتمع مدني نشط، ولا أحزاب سياسية معبرة عن شرائح المجتمع اقتصاديا واجتماعيا، ولا جامعات تعمل كمراكز تفكير وطنية فاعلة مؤثرة، بل حالة إقصاء تكاد تكون جامعة مانعة، خاضعة لمبدأ الخلع من المنبع لكل ما ترى السلطة أنه مختلف، أو غير مصطف معها اصطفافا مطلقا.”.
وتساءل متعجبا “هل يعقل أن نمضي بها قدما وهي رهينة المحبسين ونعلن عن مشروعات لنقل مياه النيل للصحراء لأغراض التطوير العقاري، وتصوير ذلك على أنه قمة الإنجاز والعبقرية؟.. هل من المقبول والمعقول والمنطقي أن يعلن المهزوم تنمويا بلا حرب والمخنوق بمحبسين واضحين للعيان عن انتصارات تنموية لا يمكن لها ان تتم في أجواء الاختناق المائي واختناق الطاقة؟.. تقديري أن تنمية بهذا النمط تضرب جسد الوطن ومصالحه طويلة الاجل في حائط صلد مدبب بمسامير صدئة، تقتل بما فيها من صدأ قبل ما فيها من تدبيب وسنون تنغرس في اللحم الحي بلا رحمة.”.