حكومة الانقلاب تتبع نهجا شاذا فى التعامل مع الأزمات وشكاوى المواطنين يقوم على النفى والانكار والزعم بأن الأمور تسير وفق القوانين وأن الكل يعمل فى صمت ويحقق انجازات لا يراها أحد وأن “كله تمام” .
وهى بذلك تتعامل بأسلوب همجى مع المواطنين يقوم على المقولة الشائعة : ” الكلاب تعوى والقافلة تسير ” وفى نفس الوقت لا يتم حل أى مشكلة وحتى لو تم حل مشكلة فان هذا يكون خارج السياق الذى يقوم على أن الأمور على الطريق الصحيح وأن الشكاوى هى مجرد شائعات تصدر عن جماعات إرهابية أو عن أهل الشر الذين لا يريدون الخير لمصر .
نمطً بيروقراطي
حول هذه الأزمة أكد الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أنّ أسلوب إدارة حكومة الانقلاب للأزمات يعتمد على نمطً بيروقراطي يقوم على الإنكار بدل المواجهة أو التحقيق فى الأخطاء ومعالجتها.
وقال السيد فى تصريحات صحفية إن المؤسسات الرسمية تميل إلى نفي الوقائع تجنّبًا لإبراز إخفاق رقابي قد يسيء إلى صورتها، مؤكدا أن الجهات المصدِرة للبيانات ـ وفي مقدّمتها مركز معلومات مجلس وزراء الانقلاب ـ لا تمتلك صلاحية التحقيق أو المحاسبة.
وأشار إلى أنّه فى أزمة البنزين المغشوش ومع شكاوى المواطنين تدخّل السيسي نفسه لفتح تحقيق وتحديد المسؤولين، وهو ما كشف عن قصور الاستجابة الأولية التي اعتمدت على إنكار بدائي.
وأضاف السيد أنّ هذا النهج يفترض افتقار الجمهور إلى المعلومات أو احتكار حكومة الانقلاب للحقيقة، محذرا من أن هذا التوجه يعمّق فجوة الثقة ويضعف تفاعل المواطنين مع السلطة، حتى فى القضايا الحساسة والمهمة.
وأكّد أنّ غياب المساءلة البرلمانية والإعلام الحر يسمح باستمرار هذا الأسلوب، لافتا إلى أن النظم الديمقراطية لا تمرّ فيها مثل هذه الوقائع بلا مساءلة علنية، بينما يؤدّي تقييد الإعلام وتقاعس برلمان الانقلاب عن دوره الرقابي إلى تغييب الشفافية .
اللجان الإلكترونية
وأكد أكرم إسماعيل عضو الحركة المدنية الديمقراطية، أنّ علاقة دولة العسكر بالمجتمع تمرّ بأزمة ثقة عميقة تفاقمت مع تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة.
وقال إسماعيل فى تصريحات صحفية انّ منصات مثل فيسبوك سرَّعت تداول الأخبار على اختلاف مصداقيتها، فبات كثير من المصريين يميلون إلى تصديق أي رواية تكشف خللًا إداريًّا أو تنتقص من كفاءة حكومة الانقلاب، في ظل مزاج عام غاضب ومشكك.
وأشار إلى أن هذا المناخ دفع حكومة الانقلاب إلى تعزيز وجودها الرقمي؛ لا عبر اللجان الإلكترونية فحسب، بل من خلال الصفحات الرسمية لوزارات العدل والخارجية والداخلية ومركز معلومات مجلس وزراء الانقلاب، سعيًا لاحتواء المحتوى المتداول والتأثير في الرأي العام. إلا أن خطابات النفي الصادرة غالبًا ما تأتي «مبتورة»؛ فلا تكشف نتائج تحقيقات، ولا تتعهد بالشفافية أو بخطوات لاحقة، لتتحول إلى ردود إعلامية سطحية تعجز عن تلبية معيار المساءلة.
وارجع إسماعيل هذا الضعف إلى غياب أدوات الرقابة الفاعلة، مثل البرلمان والمجالس المحلية، التي يُفترض أن تناقش هذه الوقائع وتطالب بتحقيقات شفافة تُعلن نتائجها للرأي العام موضحا أننا نعيش حالة تُتداول فيها الشائعات، ويُقابلها تكذيب حكومي مقتضب لا يقدّم صورة واضحة عما يجري، مع شبه انعدام لمعلومات موثقة حول نتائج التحقيقات في القضايا المثيرة للجدل .
وخلص إلى القول : إنّ الحقائق غائبة، وأدوات الدعاية والتضليل هي المسيطرة، بينما تتقلص فرص المواطنين في الوصول إلى المعلومات أو استيعاب ما يُتخذ باسمهم ومن أجلهم .
ثقافة الحجب والإنكار
وأرجعت الباحثة في الشأن الاقتصادي والاجتماعي منى عزت حالة الارتباك بين المؤسسات الرسمية والمجتمع إلى غياب قانون لتداول المعلومات مؤكدةً، أنّ إقرار هذا التشريع أضحى ضرورة ملحّة لضمان الشفافية والمساءلة.
وقالت منى عزت فى تصريحات صحفية إنّ وجود قانون ينظم الحق في المعرفة يحقق ثلاثة أهداف أساسية: أولهـا تمكين المواطنين، وليس الصحفيين والباحثين فحسب، من الوصول السهل والمجاني إلى البيانات الرسمية في قطاعات الصحة والتعليم والبيئة والنقل، فضلًا عن إحصاءات الجريمة والاعتداءات؛ وثانيهـا ترسيخ مبدأ المساءلة بحيث تُحاسَب الجهات التي تتعمّد حجب المعلومات أو تتوقف عن إصدار تقارير دورية بلا مبرر مُعلن؛ الهدف الثالث يتمثل في وضع معايير واضحة لتداول البيانات، تحدد أدوات النشر ومسؤوليات الموظفين، وتضبط توقيت الإفصاح وآلية الطعن أو الاعتراض.
وحذرت من أنّ غياب هذا الإطار القانوني يخلق فوضى يتصرّف خلالها كل مسؤول وفق اجتهاده، مشيرة إلى أنّ الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يصدر تقارير جزئية فقط، بينما أصبحت بعض البيانات متاحة بالحضور الشخصي أو توقفت من دون إعلان رسمي، وهو نهج يتكرر في وزارات أوقفت نشر إحصاءات دورية عن الجرائم أو الرعاية الاجتماعية بلا توضيح.
الصلاحيات
وأشارت منى عزت إلى ان حكومة الانقلاب عيّنت متحدثين إعلاميين في الوزارات، إلا أنّ معظمهم يفتقر إلى الصلاحيات أو المعلومات الكاملة، فيلجأون إلى الإنكار أو الامتناع عن التعليق بانتظار التعليمات، ما يكرّس غياب الشفافية ويحوّل الحق في المعرفة إلى امتياز لا حق.
وأكدت أنّ كثرة النفي، وتأخر التعليق الرسمي، وتعارض روايات المسؤولين هي أعراض لغياب تشريع واضح يفرض الإفصاح ويحاسب المخالف موضحة أنه رغم أنّ دستور 2014 الانقلابى ينص في مادته (68) على حق المواطنين في الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية، إلا أنه لم يصدر حتى اليوم، بعد أكثر من عقد، قانون شامل يحدد آليات الوصول وواجبات دولة العسكر .
وشددت منى عزت على أن هذا الفراغ التشريعي لا يعرقل عمل الصحفيين والباحثين وحسب، بل يحرم المواطنين من أدوات الرقابة، ويعمّق أزمة الثقة بتكريسه ثقافة الحجب والإنكار في المؤسسات الحكومية.