بعد “الشيحي” و”خاشقجي” .. إعدام الرياض ل”تركي الجاسر” يجدد تساؤلات عن قائمة الصحفيين بسجون “ابن سلمان”

- ‎فيعربي ودولي

يبدو أن الأمير محمد بن سلمان الشهير بأبو منشار عاود الكرة من جديد بالشرب من كؤوس دماء أصحاب الرأي والصحفيين المعارضين والمنتقدين في السعودية، حيث صدم قرار السلطات السعودية قتل الصحفي المعتقل تركي الجاسر بعد إصدار المحكمة حكمًا نهائيًا قضى بقتله تعزيرًا، دعوات بالرحمة له والتساؤلات عن مصير عشرات أصحاب الرأي والإعلاميين والصحفيين في سجون بن سلمان.

وتركي الجاسر كان صوتًا بارزًا في النقد عبر الإنترنت داخل السعودية، ومثّل رمزًا للمحاكمة القاسية ضد المعارضين، محقّقًا شهرةً بأفكار جريئة، ودفع حياته ثمنًا لآرائه وكتاباته، إذ تم إعدامه بعد سنوات من الاحتجاز والإخفاء، وسط ظروف أثارت موجة انتقاد دولية واسعة.

أعلنت وزارة الداخلية السعودية الأحد 14 يونيو 2025 تنفيذ حكم الإعــدام بحق الصحفي المغرد تركي الجاسر، أحد معتقلي الرأي في منتصف مارس 2018، حيث اختفى بعد اعتقال السلطات السعودية له بشكل كامل؛ حيث لم يُسمح بالزيارة ولا بالاتصال، ولم تُجب السلطات عن أي استفسار عنه، حتى 29 ديسمبر 2019 حين سُمح له بالاتصال بأسرته مرة واحدة فقط، في انتهاك واضح لأبسط حقوق المعتقلين.

حساب كشكول

والصحفي السعودي تركي بن عبد العزيز بن صالح الجاسر ولد ونشأ في السعودية، وبدأ مسيرته كصحفي يعمل مع صحف محلية حتى نحو عام 2015، ثم انطلق للتدوين النقدي عبر الإنترنت، وفي مارس 2013 أنشأ حسابًا على “تويتر” واشتهر بآرائه حول الحريات وحقوق الإنسان، حتى اعتبره البعض “ناشطًا رقميًا” بينما رصدته السلطات كناشط معادٍ للدولة.

وبحسب وزارة الداخلية السعودية، يُزعم أن الجاسر أدار حسابًا مجهولًا باسم “كشكول” على تويتر، نشر انتقادات حادة ضد الدولة، وقد تم تتبّعه عبر تحليل الأجهزة الإلكترونية الخاصة به.

وفي 15 مارس 2018 داهمت قوات أمن منزله في الرياض، وصادرت أجهزته، ثم اختفى قسريًا دون اطلاع عائلته أو محاميه.

وظهرت صوره واتهامات بعد نحو عام، لكن لم يُسمح له بالتواصل سوى بمكالمة قصيرة في ديسمبر 2019، ثم انقطعت أخباره مجددًا.

ووجهت السلطات اتهامات تشمل: التخابر مع جهات خارجية، التدخل في الأمن القومي، إدارة حساب مجهول “تحريضي”، وتلقي تمويل من كيانات خارجية لزعزعة الاستقرار.

وأصدرت محكمة سعودية حكمًا بالإعدام بجرائم “الخيانة العظمى” والعمل ضد الدولة، وفي 14 يونيو 2025، أعلنت وزارة الداخلية السعودية تنفيذ حكم الإعدام في حقه.

وأكدت جهات حقوقية أنه قضى سبع سنوات في الحجز بعد اعتقاله في 2018، خضع خلالها لإخفاء قسري وحرمان من محامٍ وعائلة ومعاملة قاسية.

وأثارت حالته استنكارًا من منظمات حقوقية مثل اللجنة لحماية الصحفيين و”القسط لحقوق الإنسان”، معتبرة أنه مثال على تفاقم قمع حرية التعبير في السعودية.

صالح الشيحي

وتتاشبه حالة تركي الجاسر مع الصحفي صالح الشيحي الذي توفي في 20 يوليو 2020 نظرا لسجنه ثم منعه واعتقاله إلى الموت دفاعا عن بلاده وكانت المحكمة الجزائية قررت في فبراير 2018 الحكم على الصحفي صالح الشيحي بالسجن 5 سنوات والمنع من السفر 5 سنوات بعد فضحه فساد الديوان الملكي في مقابلة تلفزيونية.

وفي يوليو 2019 وقبل وفاته كان أول ظهور للصحفي صالح الشيحي من داخل سجن ذهبان، منذ اعتقاله نهاية العام 2018، وبدا على وجهه وقتئذ الشحوب والإرهاق، كما ظهر في الفيديو مجموعة من الصحفيين والإعلاميين المعتقلين تعسفياً. الشيحي كان قد انتقد الفساد في الديوان الملكي.

أكتوبر واغتيال خاشقجي

وفي 4 أكتوبر 2025 القادم، تمر بإذن الله الذكرى السابعة لدخول الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي قنصلية بلده في إسطنبول وعدم خروجه منها، ليقتل بدم بارد وتقطع جثته بالمنشار قبل أن تختفي للأبد.

وجمال خاشقجي هو صحفي سعودي مواليد المدينة المنورة سنة 1958، ودرس الصحافة بجامعة أنديانا الأمريكية، وبدأت رحلته المهنية في أواخر الثمانينيات، وقدم تغطيات صحفية في أفغانستان والجزائر والكويت وغيرها، وتنقل بين المناصب الصحفية بين رئاسة تحرير "عرب نيوز" وصحيفة الوطن المحلية وأقيل منها مرتان.

وفي 2015 أوقفت البحرين بث قناة (العرب) المملوكة للوليد بن طلال والتي كان يديرها خاشقجي، بعد ساعات من إطلاقها، حيث ظهر على شاشتها ضيف بحريني معارض.

وكان صوت خاشقجي محل جدل على الرغم من أنه لم يكن معارض بالمعنى الحرفي، فقط كان له توجه إصلاحي، اضطره في 2017 إلى المغادجرة إلى أمريكا خوفًا من البطش، واستمر في عمله الصحفي بكتابة عمود في صحيفة الواشنطن بوست.

وفي أمريكا لم يسلم من التضييق على أفكاره حيث منعت السلطات أسرته من السفر له في أمريكا، يتواجد في تركيا مع عام 2018 لاستخراج أوراق رسمية واتمام زواجه لكنهم قتل داخل السفارة.

وأنكرت السعودية على لسان محمد بن سلمان في البداية قتل خاشقجي في تصريح لبلومبرج، ومع متابعة الصحافة الغربية للقصة ونشرها تفاصيلها والضغط المتصاعد ضد الجريمة، اعترفت السعودية في 20 أكتوبر بمقتل خاشقجي في القنصلية بعد تطور مشادة كلامية مع عملاء أمنيين كانوا يريدون إعادته لسجون بن سلمان ليلقى مصير الشيحي والجاسر فيما بعد!

ونجحت الرواية التركية في الوصول للصحافة العالمية بتسجيلات فكانت الأقرب للدقة، حيث 15 عميل أمني سعودي مع 3 عناصر استخبارات وصلوا قبل اغتياله، وعندما دخل السفارة خنق حتى الموت وقطع جثمانه بمنشار العظام وإذابة جثمانه بمادة (الأسيد)، قبل نقلها لمكان غير معلوم حتى الآن!!

صعود بن سلمان وتركي والقحطاني

مع صعود الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد واستعداده للملكية اتخذ إجراءات لإرضاء الغرب فيما يخص ملف المرأة وإنهاء صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف وإنشاء السينمات وحبس رجال الأعمال السعوديين في فندق ريتز وتخلص من محمد بن نايف وساوم الأمراء لمجرد البقاء.

أما أعوان محمد بن سلمان فأغلبهم على شاكلته وابرزهم تركي آل الشيخ وهو من أبرز المتورطين في اعتقال الصحفيين، عنه يقول عبدالله العودة، المدير البارز لمكافحة الاستبداد في مركز الديمقراطية للشرق الأوسط(  (MEDC) – وهي منظمة غير ربحية تُعنى بالدفاع عن الحقوق ومقرها الولايات المتحدة – خلال العقد الماضي على التحقق من ادعاءات أشخاص سُجنوا بسبب انتقادهم لتركي آل الشيخ) لصحيفة The Athletic:

“لقد تحققنا شخصيًا من التهم أو الأحكام القضائية لأكثر من 10 حالات لأشخاص تم احتجازهم في السعودية بسبب انتقادهم لتركي آل الشيخ”، موضحًا أن ادعاءاتهم تم التحقق منها بمقارنتها مع سجلات المحكمة الرسمية.

ويضيف: “معظم الضحايا لم ينتقدوا الحكومة حتى، بل انتقدوا قرارات اتخذها آل الشيخ في مجالي الترفيه أو الرياضة خلال فترة عمله في الهيئتين”.

وتواصلت صحيفة The Athletic عبر وسيط مع رجل قال إنه تلقى اتصالًا من رقم مجهول، حيث قدّم المتصل نفسه على أنه من جهاز أمن الدولة، وأمره بمقابلته في مكان عام وبعد وصوله، تم اقتياده إلى سيارة دفع رباعي سوداء من قبل رجال ملثمين، ثم عُصبت عيناه، وكُبلت يداه، ونُقل إلى الرياض.

صحفيون خلف الأسوار

محطات تلفزيونية أغلق مقل محطة "فور شباب" واعتقل مطلقها الدكتور العمري كنا تسببت مقالات معارضة في اعتقال أصحابها وأصحاب الآرء.

ومن هؤلاء المترجم والكاتب نايف الهنداس الذي اكتمل في 13 يونيو الجاري، 2250 يومًا خلف قضبان السجون؛ حيث اعتقلته سلطات الرياض في أبريل 2019 على خلفية نشاطه القديم في مجال الدفاع عن الحريات ومساندة حقوق المرأة.

وفي 12 يونيو الجاري، أمضى الكاتب الصحفي طراد العمري أكثر من 9 سنوات خلف قضبان السجون، حيث اعتقلته السلطات في نوفمبر 2016 على خلفية تهمٍ تتعلق بالتعبير عن الرأي، وعرضت عليه السلطات إطلاق سراحه مقابل التعهد بعدم الظهور على وسائل الإعلام والحديث في السياسة، إلا أنه رفض، رغم سوء حالته الصحية.

ويقضي الصحفي علاء برنجي، 48 عاما خلف القضبان حكماً جائراً بالسجن مدة 7 سنوات بسبب تعبيره عن الرأي، واعتقل الصحفي علاء برنجي في مايو 2014 وبقي سنتين ملفه مهمل، ثم الحكم عليه بـ 5 سنوات سجن ظلماً وقد انتهت هذه المدة في 2019 وزاد القاضي حكمه ظلماً سنتَين أخرَيين.

وفي يناير الماضي، أمضى الشيخ د.وجدي الغزاوي عامه الـ13 ولا يزال خلف قضبان السجون، إذ اعتقلته السلطات في أغسطس 2012، وحُكم عليه جورا بالسجن 12 عاما تليها 20 سنة منع من السفر؛ على خلفية تهمٍ عدّة منها: "الإضرار بسمعة المملكة، التحريض على الفتنة، اتهام الحكومة بالفساد، تشويه النظام العام بالإعلام".

وفي نوفمبر الماضي، يقضي الشاب خالد الشهري سنته الرابعة وهو خلف قضبان السجون، إذ اعتقلته السلطات بسبب تعبيره عن رأيه من خلال مقاطع توعوية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومكث الصحفي الأردني عبدالرحمن فرحانة رهن الاعتقال التعسفي  منذ فبراير 2019، في سجن المباحث بالدمام بلا سبب قانوني وظل معتقلا  رغم تجاوز عمره ال66عاماً وكان يعاني أمراضاً عدّة.