فضّل مراقبون الرد على ما قاله د. عبدالله النفيسي الأكاديمي الكويتي (90 عاما) بتصريحات سابقة له وإحصاء علمي موضوعي على ما ذكره، في حين أن مواقفه معروفة ومن قريب، إلا أن الثبات على آراء لم يتغير شخوصها يوحي عند المراقبين تكيفا بطريقة ما (محسوسة ولكنها غير مرئية إلى الآن).
ابتداء في 8 ديسمبر 2017، قبل اغتيال الرئيس الشهيد د. محمد مرسي بنحو عامين نقل عن د/ عبد الله النفيسي قوله: "دول الخليج أرادت ان تقضي على الإخوان المسلمين باستخدام الحوثي وعلي صالح، ولكن أقدار الله قلبت المعادلة لصالح الإخوان المسلمين، وأصبح خيار دول المجلس، إما الإخوان أو المجوس، وستختار دول الخليج الإخوان مرغمين وغصبا عنهم، وهذا ما سيحدث في كل الدول العربية، أقدار الله ــ تعالى ــ دائما تنصر المظلوم وتسخر غباء الظالم لنصرته فسبحان مقدر الأقدار، أرادو القضاء على الإخوان فسخرهم الله لنصرة الإخوان، وهذا أكبر دليل أن الإخوان مؤيدين بنصر من الله، قال الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ : "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب" فليستمروا في حرب الإخوان فهي نصرة لهم وتمكين، وسيحكم الإخوان كل الدول سبحان الله إن تركوهم امتدوا وإن حاربوهم اشتدوا ، بحسب ما نقل الداعية المصري في أفريقيا الشامي نصحي.
قرار طوفان الأقصى
وكان مما أخذه متابعون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن لقاء النفيسي الأخير مع برنامج "المقابلة" على قناة الجزيرة مستعرضا آراءه فقال: "صارحت المقاومة بتحفظي الكبير على 7 أكتوبر؛ لأنه كان اجتهاد لأفراد محددين وهم 3 عسكريين، ليس منهم سياسيون، وهذا الاستفراد بالقرار خلق واقعا ليس لصالح فلسطين، يا علي – يقصد المذيع – أهم شيء في السياسة النتائج وليس النوايا الطيبة".
مهاجمة مرسي والإخوان
المستشار الإعلامي السابق للرئيس الشهيد د. أحمد عبد العزيز مفتتحا رأيه بالإشارة إلى أن كلامه (كما أي صاحب منبر) يحتمل الصواب والخطأ، وهو نفس ما تحتمله قرارات الإخوان المسلمون أفرادا بل وجماعة وقال "عبدالعزيز": "أول مَن قرأتُ له من غير المصريين، وكان كتابه "الإخوان المسلمون.. التجربة والخطأ" أول ما قرأت له، في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم، وقد أثار هذا الكتاب لدي كثيرا من الأسئلة التي شرعت في البحث عن إجابات لها لمدة عام تقريبا، قبل بضع وثلاثين سنة، الأمر الذي أعاد تشكيل فكرتي عن الإخوان؛ لتصبح أكثر واقعية، فالشكر الجزيل للدكتور النفيسي".
لا يستحق الرد
وتحت عنوان (إساءة بالغة للرئيس مرسي!) أضاف أنه بعد مشاهدته لقاء (المقابلة)، علق من واقع قريب على تصريح الدكتور النفيسي: "مرسي عندما كان يجتمع مع الجنزوري [لعل الدكتور يقصد الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء وقتذاك] للتباحث في شؤون مصر، ويتخذون قرارات، كان مرسي يقول لهم: دقيقة واحدة، ويروح لمكتبه ويدق على مكتب الإرشاد، ترى إحنا أخذنا قرارات كذا وكذا، فيأتيه الرد: لأ.. فيتو من مكتب الإرشاد يلغي كل المباحثات اللي جرت في مجلس الوزراء"..
وقال "المستشار عبدالعزيز": "إن هذا الكلام لا يستحق الرد؛ لأنه الكلام نفسه الذي طالما رددته لجان الجنرال المنقلب ياسر جلال الإلكترونية، بوحي من الجنرال وزمرته؛ للنيل من الرئيس مرسي واغتياله معنويا، وقد أسفت أشد الأسف لتكراره على لسان الدكتور النفيسي الرجل الألمعي الحاذق.".
وأكد "ليعلم الدكتور النفيسي وغيره، أن الرئيس مرسي خلع، منذ دخوله قصر الاتحادية، رداء الحزبية الضيق، وتصرف (من اليوم الأول) من موقع رئيس مصر الذي يرعى شؤون مواطنيه بكل مسؤولية، وليس بصفته مندوبا لمكتب الإرشاد في القصر الجمهوري، آمل من الدكتور النفيسي أن يصحح معلوماته..".
طوفان الأقصى
كما علق المستشار الإعلامي د. أحمد عبدالعزيز على سؤال الظفيري النفيسي: "7 أكتوبر 2023.. كيف تراه؟ قفزة في الظلام؟ مواجهة واجبة، وضرورية، وحتمية؟ خطوة غير محسوبة؟ كيف تنظر لها اليوم؟". فرأى أنه "سؤال افتتاحي غير منهجي، إذ إن تقييم الأحداث واستخلاص نتائجها لا يكون أثناء حدوثها، وإنما بعد انتهائها، نحن لا نزال في خضم الطوفان، بل في أعلى نقطة فيه، فكيف يمكن استخلاص النتائج والقطع بصحتها، ولم تَرْسُ السفينة على الجوديّ بعد؟ سؤال لا يغيب عن المحاور القدير وضيفه الكبير بكل تأكيد، فلماذا كان هذه السؤال الافتتاحي غير المنهجي؟".
وأوضح أن طرح السؤال بهذه الصيغة أوضحها النفيسي (ضيف صاحب الدعوة) الذي كان يعلم مسبقا الموضوع الذي جاء لتناوله في المقابلة قائلا: "أجاب الدكتور النفيسي على سؤال الظفيري "غير المنهجي": "أصارحك القول، وقد صارحت المقاومة، أنا لي تحفظي الكبير على ما حصل في 7 أكتوبر؛ لأسباب كثيرة، والسبب الأول، أنها كانت اجتهاد لأفراد معدودين في المقاومة، وأذكر منهم يحيى السنوار، ومروان عيسى، ومحمد الضيف، رحمهم الله، هؤلاء الثلاثة هم أصحاب القرار في هذه العملية، وأزعم أن القيادة السياسية في حماس لم يكن لها رأي مؤيد، ولم يكن لها -حتى- علم أن هذه العملية ستنفذ غدا"..
يتابع الدكتور النفيسي: "هذا الاستفراد بالقرار، وهذه المرارة التي عكستها عملية 7 أكتوبر ولَّدَت واقعا إسرائيليا ليس في صالحنا، ولَّدَت رعبا إسرائيليا، وشكّا إسرائيليا بأن هذه الهجمة ستهدد وجود إسرائيل في المنطقة، وليس أمن إسرائيل فقط".
مقاطعة من الظفيري: أليس هذا الأمر جيدا، أن يشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل بغض النظر عن نتائجه؟
النفيسي بلهجة قاطعة جازمة: "أبدا.. في السياسة – يا علي- أهم شيء النتائج، وليس النيّة، النيّة خليها حق المتدينين! صح و لأ؟ لكن السياسة.. نتائج.. إذا أردت أن تقوم بأي عمل سياسي، فعليك أن تدرس أولا النتيجة المحتملة.. هذا الاستفراد بالقرار الذي مارسه السنوار وعيسى والضيف بمعزل عن إخوانهم في القيادة السياسية في الخارج، وهؤلاء الذين في الداخل يعيشون مرارة يومية"
رد المستشار عبدالعزيز
وأضاف، أتوقف في كلام الدكتور النفيسي عند تعبيرات: القيادة السياسية لم يكن لديها علم، و"الاستفراد بالقرار"، و"الذين في الداخل يعيشون مرارة يومية"، "ولَّدَت شكّا ورعبا إسرائيليا".
فأكد "أبو حبيبة" أن "بعض هذه التعبيرات يوحي بأننا أمام عدو لا يعرف ماذا يريد، وجاهل بعقيدة المقاومة، وهذا غير صحيح البتة، وبعضها الآخر يوحي أيضا بأننا أمام تنظيم غير منظم، ولا أريد أن أقول "مهلهل"، ليس لديه نظام داخلي، ولا توجد لديه آلية لتحديد المهام والواجبات، وأن القرار لمن يستيقظ قبل الآخر، وليس لمن لديه صلاحية اتخاذ القرار، وأن قرار الطوفان كان بفعل المرارة التي يعيشها قياديو الداخل، أي أن الطوفان كان تنفيسا عن غضب وضيق كامنين في النفوس، وليس تنفيذا لخطة مدروسة تم إعدادها لسنوات، ضمن رؤية استراتيجية تنتهي بإزالة الكيان الصهيوني!".
وتساءل: "فلو كان كل ذلك صحيحا، فكيف استمرت المقاومة تؤدي دورها المذهل، على مدى عامين إلا قليلا، وحتى هذه اللحظة، رغم رحيل كل قيادات الصف الأول في كتائب القسام تقريبا؟ كيف خاضت هذه الثلة حربا ضروسا ضد ست دول عظمى سخّرت كل إمكاناتها؛ لتحرير الأسرى الصهاينة، ومحو حماس من الوجود؟ كيف؟ لماذا فشل العدو الصهيوني وحلفاؤه الدوليين والإقليميين في تحقيق هذه المهمة حتى الساعة؟".
قرار ليس مفاجئا
ولفت أحمد عبدالعزيز إلى أن "قرار طوفان الأقصى فهو معلن، أعلنه السنوار في غير مناسبة، منها كلمته في ختام شهر رمضان 1444 هـ (الموافق مارس 2023)، أي قبل الطوفان بسبعة أشهر:
"يا جماهير شعبنا في كل مكان، عليكم أن تتجهزوا لمعركة كبيرة […] أنا أقول لكم.. والله أراها رأي العين.. سيتغير شكل الكرة الأرضية؛ لأنها حرب إقليمية دينية ستحرق الأخضر واليابس، ولا يزال أمام العالم فرصة ليتحرك للحيلولة دون وقوع هذه المعركة الكبرى […] على كل فصائلنا المقاومة وأجنحتنا العسكرية أن تكون على أهبة الاستعداد والجهوزية، تكون على الندهة […] صورة المنطقة من الأقمار الاصطناعية يجب أن تكون نارا مشتعلة".
وتساءل "عبدالعزيز": "أليس هذا "إعلانا" صريحا عن قدوم الطوفان؟ هل يتصور عاقل أن هذا "الإعلان" تم دون التنسيق مع القيادة السياسية بالخارج؟ أليس هذا الإعلان بهذه الكيفية هو نوع من التنسيق؛ ليتأهب كلٌّ في موقعه لتحمل مسؤولياته؟ أي وضوح أكثر يريد الدكتور النفيسي؟".
وأضاف أن "الهدف المرحلي المنظور للطوفان، فقد صاغه السنوار على النحو التالي: "سنجعل الاحتلال أمام خيارين: إما أن نرغمه بتطبيق القانون الدولي واحترام القرارات الدولية ونحقق إقامة دولة فلسطينية، أو أن نجعل هذا الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية كلها"..
واستشهد المستشار "عبدالعزيز"، قائلا: " أليس هذا هو الذي حدث؟ ألا يعيش الاحتلال (اليوم) في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية كلها؟ ألم تعد قضية فلسطين، والعدوان الصهيوني على غزة هما الشغل الشاغل للنشطاء حول العالم؟ من كان يتصور خروج هذه الملايين في الغرب يوميا تقريبا؛ للتنديد بجرائم الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين؟ من كان يتصور أن تدخل إيران على الخط بهذه الضراوة، وتجعل أكثر البقع أمانا داخل الكيان المحتل صورة من غزة؟ والقادم أسوأ بكثير..".
وأعرب المستشار الإعلامي عن أسفه من لهجة السخرية البادية في رد الدكتور النفيسي، على رجل أراد أن يموت دون عرضه وأرضه وماله وأهله، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتِلَ دون نفسه فهو شهيد، ومَن قُتِلَ دون أهله فهو شهيد".. لكن الدكتور النفيسي كان له رأي آخر، وهو ما نعى على حماس عدم الأخذ به.
ودعا د. أحمد عبد العزيز الدكتور النفيسي (بكل محبة ولطف واحترام) أن يراجع فكرته بشأن مواجهة العدو الصائل؛ لأن الأمر ديني عقدي، قبل أن يكون سياسيا استراتيجيا.. إذ يجب (وجوبا) توظيف السياسي والإستراتيجي لإنجاز الديني والعقدي وليس العكس.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=10161777801966728&set=a.424887416727
ما سر عدم التألق المعتاد
الشيخ عبدالرحمن بشير إمام مركز دار الفرقان الباحث في الأفكار الإسلامية بمنيسوتا Sh. Abdirahman Bashir في مقال بعنوان (النفيسي لم يكن متألقا كعادته ) أوضح أن لقاء النفيسي الأخير على قناة الجزيرة "لم تكن الجلسة جيدة، بل كان الرجل يحمل في يده أوراقًا كثيرة ومبعثرة، وكان يبدو عليه أنه يريد قراءة المكتوب، ولكنه لم يتمكن من ذلك، فإن الشكل غير لائق به كمفكر وخبير، وحاول الصحفي أن يجره نحو قراءته كمواطن سعودي، لديه مخاوف من الحكومة السعودية، بل وعليه شروط الدولة السعودية بعد المصالحة القطرية السعودية، ومع ذلك حاول عبد الله النفيسي أن يمسك العصا من الوسط، ولكنه لم ينجح كعادته قول ما يريد من أنظمة الخليج، ومن النظام الإيراني، وكنت أشعر حين أستمع إلي كلام المفكر الكويتي غياب بعض المقاطع المهمة من كلامه مما جعلني أطرح هذا السؤال المهم، هل تم قطع بعض الكلام من السياقات ؟ ".
9 نقاط وردود
وقال بشير: إن "المفكر الكبير النفيسي تناول قضايا مهمة في الشرق الأوسط، وفى الصراع العربي "الإسرائيلي" وفي قضايا الحركات الإسلامية، ومستقبل المنطقة، وكذلك مستقبل الحركات الإسلامية، واستطعت أن أقرأ من كلامه ما لم يقل المفكر، وكان يجب أن يقول المفكر الخبير" :
أولا : التكامل العربي التركي الفارسي الكردي، فقد تحدث عن العقل الفارسي السياسي، كما تناول العقل العملي التركي، وغياب العقل العربي، ولم يتحدث عن العقل الكردي من جانب، كما لم يتحدث عن المنطقة التي لا يمكن لها أن تخرج من الكبوة إلا بوجود هذه القواعد الأربعة بل وغيرها من الشعوب المسلمة التي تمت تقسيمها جبرا .
ثانيا : تناول المفكر بأن الإيرانيين ليسوا مستعدين لإقامة علاقة صحية مع العرب، ويذكر مع الصحفي أن العرب مدوا أيديهم أكثر من مرة، ولكن المشروع الفارسي رفض ذلك، فهذه نظرية غير ناضجة، والسبب في عدم إيجاد علاقة صحية بين العرب وإيران، هو الغرب، فالغرب يريد كما قال النفيسي سابقا إيجاد منطقة منكوبة، ولا يحتاج منطقة مستقرة .
ثالثا : تحدث عن اليوم السابع من أكتوبر، وذكر بأنها كانت بلا تخطيط، أو أنها كانت بتخطيط ثلاثة أفراد فقط، وأدت إلي كوارث استراتيجية في المحصلة النهائية للقضية، ونسي المفكر بأن المحصلة النهائية لم تأت بعد، ولن تأتي قريبا، فهذا استعجال سياسي، وتسجيل موقف، وليست قراءة سياسية معمقة، فالجميع يتحدث عن خرق سياسي في داخل الكيان، وعن خوف وجودي لدي الكيان، وقد ذكر هو شخصيا ذلك، ولكنه لم يتوقف طويلا عندها، بل كغير عادته ناقش المسألة من السطح، وفي بعض الأحيان، حاول فقط هز الرأس دون قول يقوم علي دليل .
رابعا : لم يتناول المفكر ما العلاقة بين تجربة أحمد الشرع، وتجربة مرسي بشكل عميق وموسع، فأشاد تجربة أحمد الشرع، ولكنه أبدي مخاوفه في وقوعها مثل مآلات التجربة الحركية المصرية، ونحن نعلم يقينا بأن التجربتين مختلفتان، فالتجربة المصرية ورءاها جماعة حركية سياسية، مارست العمل السياسي في مصر وفي غيرها، والتجربة السورية وراءها حركة جهادية لم تمارس العمل السياسي، وقد تناول المفكر الكبير ظاهرة الدكتور مرسي رحمه الله بسذاجة غير عادية، حيث صور مرسي بأنه دُمية في يد مكتب الإرشاد، ونحن نعلم أن ذلك محض افتراء، ولا يليق بالمفكر الكبير أن يصل إلى هذه الدرجة، حيث قال إن مرسي حين يتوصل مع مجلس الوزراء بعض الأمور المهمة، كان يقوم من المجلس ليتصل بمكتب الإرشاد حتى يجد رأيهم في ذلك، لأنه إذا رفض واحد منهم المقررات، كان يرفض هو المقررات التي صدرت من مجلس الوزراء، وهذا لم يكن يقع إلا عند بعض أعداء الإخوان الذين ذكروا بأن الإخوان يسعون إلي أخونة الدولة المصرية .
خامسا : ربط حرب الدول علي الإخوان بالفشل، وهذا فخ من الصحفي السعودي الشاطر للمفكر، فالفشل كما ذكر المفكر سابقا مرتبط بالتنظيم، وليس بالفكر، وقد ذكر المفكر ذلك مرة أخرى، ولكنه لم يتعمق في ذلك، كما أنه ربط ما بين حل الجماعة نفسها وما بين الحزب الشيوعي الفرنسي، فالحزب الشيوعي الفرنسي فشل في الانتخابات الحرة، والإخوان في كل بلد نجحوا في الانتخابات الحرة والمستقلة، ولا علاقة بين النجاح والحزب، كما أنه لا علاقة بين الفشل والحزب، فالنجاح لديه شروط موضوعية، كما أن الفشل كذلك له شروط موضوعية، ومن هنا، أنا لست معه في تحليله غير المعمق في هذه المسألة .
سادسا : ذكر المفكر بأن التجربة السودانية المنبثقة من فكر الإخوان، والناتجة من انقلاب عسكري بأنها لم تكن فاشلة، ورفض رفضا قاطعا بذلك، بل ذكر بأن هذه التجربة المنبثقة من تحالف الحركة الإسلامية والعسكر لم تفشل، ولم يذكر الخلاف السياسي الذي جري بين المفكر الدكتور الترابي، والرئيس عمر البشير، ولم يحلل كعادته الانقلاب العسكري، والخلاف السياسي، والانشطار الذي حصل للدولة، ومن كان وراء ذلك، ولهذا، غاب في هذه المعضلة وجود المفكر الكبير الدكتور عبد الله النفيسي .
سابعا : غاب عن الحوار مآل الدولة في الخليج، ولم يتحدث كعادته عن مستقبل الدولة في الخليج الواقع بين رغبات إيران، وبين تطلعات تركيا، كما أن الصحفي السعودي حاول تصوير السعودية بأنها دولة كبيرة وندية لإيران، ولكن الرجل تحفظ من ذلك، ولم يعلق بشكل معمق بيد أنه أخبر بأن العرب مغيبون، بينما إيران تبحث عن دور، ولو حصلت هذا الدور لانتهى الخلاف القوي بين الغرب وإيران .
ثامنا : في التحليل المستقبلي، ظهر ( الشيخ ) عبد الله النفيسي، ولم يظهر ( المفكر ) النفيسي، فقد ذكر بأن مستقبل الأمة جيد، لأنه مرتبط بإرادة الله، ولكن الرجل لم يحاول قراءة الواقع السياسي وارتباطه بالخلافات الجوهرية بين القوي السياسية العالمية، فالرجل يقرأ الواقع السياسي من خلال الوجود الغربي، ولكنه لا يحاول كعادته الخروج من هذه الورطة التاريخية، فالعالم اليوم ليس كما كان قبل عقد من الآن، بل العالم اليوم لا يبدو كما كان قبل مجيئ ترامب، ولهذا، فالمفكر عبد الله النفيسي لم يكن متألقا في تحليل مآلات المستقبل السياسي للمنطقة .
تاسعا : قرأت تحليلا للمفكر الكبير الكسندر دوغين عن مستقبل العالم، وذكر بأن العالم الغربي في سيطرته المطلقة قد انتهي، ولكنه ما زال موجودا بأثر رجعي، كما قرأت للمفكر الأمريكي هانتغتون في كتابه ( من نحن ) ؟ وذكر بأن أزمة أمريكا ليست في القوة، بل هي في الهوية، وأنها لن تحكم العالم بالقوة، بل سوف تحكم بالثقافة، ولكن ذكر بأن ثقافتها تتعرض لهزات فكرية ونوعية، ومن هنا، فالعالم اليوم يتجه نحو التعددية، وليس نحو القطبية، كما أنه يتوجه نحو التمرد، وليس نحو الطاعة، ومن هنا، يجب أن نخرج من التحليل الآني، وأن نكون حذرين من الفخ الذي يصنعه الصحفيون للمفكرين