يشهد السوق المصري هذه الأيام موجة جديدة من الارتفاعات في أسعار الأسمدة، في أزمة تكشف عن عمق الفشل الهيكلي لسياسات نظام السيسي على مدار أكثر من 12 عامًا، وتحديدًا في إدارة قطاعي الطاقة والزراعة، ما يهدد الأمن الغذائي لملايين المصريين ويضيف أعباء جديدة على كاهل محدودي الدخل.
فقد ارتفعت أسعار الأسمدة بنسبة 10% في السوق المحلية، لتسجل نحو 22 ألف جنيه للطن، وسط توقعات بتصاعدها إلى ما بين 28 و30 ألف جنيه إذا استمر توقف إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الإنتاج، بحسب تصريحات محمد الخشن، رئيس جمعية موزعي الأسمدة، لـ"المنصة".
توقف إمدادات الغاز للمصانع
ويأتي هذا الارتفاع نتيجة مباشرة لتوقف إمدادات الغاز للمصانع، بعد إعلان وزارة البترول تفعيل خطة طوارئ للطاقة، في أعقاب توقف الغاز القادم من الشرق – في إشارة غير مباشرة للغاز الإسرائيلي – بسبب تصاعد التوترات العسكرية في المنطقة.
هذا التوقف ألحق خسائر فادحة بالمصانع تقدر بنحو 100 مليون دولار نتيجة انخفاض الإنتاج بين 300 إلى 400 ألف طن، بحسب التقديرات الرسمية، فضلًا عن تراجع صادرات الأسمدة بنسبة 6.4% خلال الربع الأول من العام الجاري، وتسجيلها 619 مليون دولار فقط مقارنة بـ661.7 مليونًا في الفترة نفسها من العام الماضي.
الجمعيات الزراعية تحتفظ بمخزونات محدودة
ورغم أن بعض الجمعيات الزراعية تحتفظ بمخزونات محدودة، فإن مؤشرات السوق وتوقعات نقابة الفلاحين غير الرسمية تشير إلى مزيد من الزيادات مع اقتراب ذروة الموسم الزراعي في شهري سبتمبر وأكتوبر، وهو ما يهدد بزيادة أسعار الأرز والقمح والخضروات والفواكه، في ظل اعتماد الزراعة المصرية المكثف على الأسمدة النيتروجينية المستخرجة من الغاز.
تفادي أزمة غذاء محتملة
ويتوقع مراقبون أن تضطر الحكومة إلى توجيه كامل إنتاج الأسمدة للسوق المحلي، على حساب الصادرات، لتفادي أزمة غذاء محتملة، بينما سيظل الفقراء هم الضحية الكبرى، نتيجة انفجار أسعار المحاصيل الغذائية الأساسية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ركود حاد وارتفاع تاريخي في معدلات الفقر.
كما تؤكد مصادر من اتحاد الصناعات أن نحو ستة مصانع للأسمدة أوقفت الإنتاج، بطاقة تصل إلى 150 ألف طن شهريًا، في حين تواصل الحكومة إعطاء الأولوية لمحطات الكهرباء في استهلاك الغاز، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد، ويفضح هشاشة البنية الاقتصادية والإنتاجية التي بُنيت على الاستيراد والاقتراض وليس على التنمية الحقيقية.
ومع اتجاه شركات كبرى مثل "أبو قير" و"كيما" و"موبكو" إلى تنفيذ خطط صيانة إجبارية بسبب شح الغاز، يصبح استمرار أزمة الطاقة الزراعية مسألة وقت، خاصة مع التزام الحكومة ببرنامج صندوق النقد الذي يشترط تقليص دعم الطاقة، ما ينعكس في قرارات متتالية برفع أسعار الوقود، وكان آخرها في أبريل الماضي حين تم رفع أسعار النقل 80 جنيهًا للطن الواحد.
خلاصة المشهد أن النظام الحاكم في مصر، بعد أكثر من عقد من "الإصلاحات الشكلية"، ما زال يدفع ثمن الاعتماد المفرط على الغاز الإسرائيلي، ويورط الاقتصاد المحلي في أزمة غذائية جديدة، ستكون فاتورتها الأعلى على الفئات الفقيرة والمتوسطة التي لم تعد تتحمل أي زيادات جديدة، لا في الأسمدة ولا في الطعام.