قضاء تحت الضغط.. كيف يحوّل نظام السيسي العدالة إلى أداة سياسية؟

- ‎فيتقارير

 

منذ انقلاب يوليو 2013 على  الدكتور محمد مرسى أول رئيس مدني منتخب، يعاني القضاء المصري في زمن المنقلب السيسى من ضغوط غير مسبوقة أفقدته استقلاله وحولته إلى أداة في يد السلطة التنفيذية، وفق ما يراه حقوقيون ومحامون، ممن باتوا يشتكون علنًا من تسييس الأحكام وعرقلة العدالة، في بلد كان من أوائل من وضعوا أسس القضاء في التاريخ.

 

تضييق ممنهج في قضيتي "تيران وصنافير" و"وزير التعليم"

في تطور لافت، اشتكى محامو قضيتي الطعن على اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ودعوى عزل وزير التعليم الحالي محمد عبد اللطيف من تضييقات غير قانونية تمثلت في منعهم من الاطلاع على تقارير هيئة مفوضي الدولة، ما يعيق الاستعداد للمرافعة ويدفع نحو إصدار أحكام لا تعكس العدالة.

 

المحامي علي أيوب أكد في تصريحات صحفية أن سكرتير الجلسة رفض تصوير تقرير المفوضين الخاص بدعوى تيران وصنافير بناء على "تعليمات رئيس الدائرة"، مع أن التقرير يمثل ركيزة أساسية في إعداد الدفاع. المحكمة قررت التأجيل إلى 28 يونيو الجاري، وهو نفس موعد الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المحامين.

 

أما في قضية عزل وزير التعليم على خلفية شبهات تزوير شهاداته الجامعية والدكتوراه، قال المحامي مجدي حمدان إن المحكمة حجزت الدعوى للحكم دون تمكين الدفاع من الاطلاع على تقرير المفوضين أو استخراج المستندات المطلوبة لإثبات صحة الادعاءات. واصفًا ما جرى بأنه "إخلال جسيم بحق الدفاع يؤدي لبطلان الحكم".

 

فساد وابتزاز في أروقة النيابة

تجاوز الأمر حدود العرقلة القانونية إلى فضيحة فساد مكتملة الأركان، إذ كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن تورط اثنين من موظفي سكرتارية النيابة بمحافظة الشرقية في تمرير طلبات استئناف حبس المعتقلين السياسيين عبر توقيعات غير مختصة، مقابل مبالغ مالية تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات، في ظل وقف غير معلن لنظر استئنافات الحبس من قبل رئيس نيابة الزقازيق.

 

وصف حقوقيون هذه الممارسات بأنها "سوق سوداء للعدالة"، مؤكدين أن الحبس الاحتياطي تحول إلى أداة عقاب لا تخضع للرقابة القضائية، في مخالفة صريحة للدستور المصري (المادة 54) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

 

انتهاك ممنهج واستغلال سياسي

المحامي والبرلماني السابق ممدوح إسماعيل أكد أن ما يجري في القضاء المصري "يعكس حالة فساد مسيّس"، وأن تطبيق القانون مرهون فقط برغبة الحاكم، مؤكدًا أن العدالة أصبحت رهينة "مافيا أمنية وقضائية" تستغل المعتقلين وأسرهم في ظل غياب أي رقابة.

 

من جانبه، وصف أحد المحامين الداعمين لقضيتي "تيران وصنافير" و"عزل وزير التعليم"، –فضل عدم ذكر اسمه– ما يحدث بأنه "إخلال دستوري واضح بحق الدفاع"، موضحًا أن الحبس الاحتياطي لم يعد تدبيرًا احترازيًا بل تحول إلى عقوبة مفتوحة بلا مبرر قانوني.

 

قضاء تابع.. وأداة للقمع

يتهم حقوقيون وساسة مصريون النظام الحالي بتحويل القضاء إلى ذراع تنفيذية للأجهزة الأمنية، خاصة بعد تعديلات تشريعية خطيرة أقرها البرلمان تتيح للرئيس سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام، مما أفرغ مبدأ الفصل بين السلطات من مضمونه.

 

ويقول مراقبون إن هذه التعديلات عمّقت تبعية القضاء لجهاز الأمن الوطني، وأفقدت القضاة استقلالهم، حيث باتت الترقيات والتعيينات مرهونة باعتبارات أمنية وسياسية. وهو ما أدى إلى محاكمات جماعية تفتقر لأبسط ضمانات العدالة، ضد أكثر من 100 ألف معارض.

 

تقارير دولية تدين.. ولا مجيب

مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أكد في تقرير صدر في يناير 2025، أن "القضاء المصري تحول إلى أداة لمعاقبة المدافعين عن حقوق الإنسان"، مشيرًا إلى إفلات قوات الأمن من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق هؤلاء النشطاء.

 

كما وثّقت هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وخبراء الأمم المتحدة، انتهاكات ممنهجة تتعلق بغياب المحاكمات العادلة واستغلال القضاء في تصفية الخصوم السياسيين.

 

"مصر في بحر متلاطم من الظلم"

ختم ممدوح إسماعيل تعليقه بالقول: "مصر اليوم تغرق في بحر متلاطم من الظلم، فقدت فيه العدالة كل توازنها، وتحوّل القضاة إلى منفذين لأوامر سياسية، في ظل غياب حقيقي لمبدأ سيادة القانون".

 

وبينما يعاني عشرات الآلاف من المعتقلين وأسرهم من انتهاكات قانونية وابتزاز مالي، يبدو أن الطريق إلى العدالة في مصر بات أكثر وعورة، وأقل استقلالًا من أي وقت مضى.