رغم دعمه للانقلاب ..لماذا يُعادي نظام السيسي “المعارض الحقيقي” يحيى عبد الهادي؟

- ‎فيتقارير

 

رغم أن المهندس يحيى حسين عبد الهادي لم يكن من الرافضين لانقلاب عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب، محمد مرسي، إلا أن ذلك لم يشفع له لدى النظام الذي لا يحتمل حتى المعارضة "النزيهة"، التي لا تأتي من عباءته ولا تنضوي تحت مظلته الشكلية. ففي مقابل ما يعتبره النظام معارضة "تجميلية" يروّج من خلالها لصورة ديمقراطية زائفة، مثل حمدين صباحي وبعض رموز التيار الناصري الذين لا يتجاوز دورهم حدود المباركة الصامتة، فإن يحيى عبد الهادي يمثل النقيض: معارض صلب ومستقل، لا يخضع للترهيب، ولا يبحث عن تسوية أو موقع في مشهد محسوم.

 

نيابة أمن الدولة العليا واصلت، يوم الثلاثاء، تحقيقاتها مع عبد الهادي في القضية رقم 3916 لسنة 2024، ووجهت له لائحة اتهامات واسعة تتضمن: "الانضمام إلى جماعة إرهابية"، و"بث الشائعات"، و"تمويل الإرهاب"، و"التحريض على ارتكاب جريمة إرهابية"، فضلاً عن استخدام الإنترنت لنشر أخبار كاذبة. التهم، المعهودة والمكررة ضد كل من يخرج عن طوع النظام، استندت إلى مقالات وتدوينات نشرها عبد الهادي على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، اعتبرتها النيابة "تحريضاً ضد الدولة"، بينما تمسّك بها الرجل قائلاً: "كل كلمة كتبتها على حسابي أعتز بها وأتشرف بها"، في إشارة واضحة إلى موقف لا يُساوِم ولا يُساير.

 

التقرير الفني الصادر عن وزارة الداخلية زعم أن منشورات عبد الهادي "تحريضية" وتدعو للفوضى، وهو ما أعقبه توسيع للائحة الاتهام لتشمل "التحريض على استخدام القوة"، و"الترويج للإرهاب"، و"نشر أخبار كاذبة تضر بالأمن العام". قرار استمرار حبسه الاحتياطي، وإعادته إلى سجن العاشر من رمضان، يكرّس نمطاً من الاستهداف السياسي الصريح، لا لشيء إلا لأنه اختار أن يقول "لا".

 

قصة اختفاء عبد الهادي قبل ظهوره المفاجئ في نيابة أمن الدولة تحمل بصمات الاختطاف الممنهج، إذ أكد بلاغ رسمي تقدم به الدكتور عبد الجليل مصطفى، المنسق السابق لـ"الجمعية الوطنية للتغيير"، أن عبد الهادي جرى اختطافه في وضح النهار من وسط القاهرة، على يد أفراد يرتدون ملابس مدنية يُرجّح أنهم تابعون للأمن الوطني، بينما كان في طريقه لحضور ندوة سياسية. بعدها بساعات، ظهر محتجزاً دون إخطار مسبق أو احترام للإجراءات القانونية.

 

مصادر مقربة من عائلة عبد الهادي أفادت أن السبب الحقيقي وراء اعتقاله يعود إلى مقال نشره على صفحته بعنوان "إلى متى يصمت الجيش؟"، انتقد فيه الدور السياسي للمؤسسة العسكرية، مطالباً إياها بالعودة إلى دورها الطبيعي في حماية الحدود بدلاً من الانخراط في الاقتصاد والسياسة. رسالة مباشرة ونادرة في مناخ سياسي خانق، يندر فيه من يتجرأ على مخاطبة المؤسسة الأقوى في الدولة.

 

المهندس يحيى عبد الهادي، المتحدث السابق باسم الحركة المدنية الديمقراطية، ورمز المعارضة المدنية الوطنية، ليس وجهاً جديداً في ساحة النضال. كان من الأصوات القليلة التي دافعت باستماتة عن الحريات العامة، ورفضت القمع، وكشفت الفساد، ودعت لحوار وطني حقيقي لا تُقصى فيه الأصوات المستقلة. وربما لهذا السبب تحديداً، لا مكان له في مشهد تُديره الأجهزة الأمنية، وترسم ملامحه معارضة مفصّلة على مقاس النظام.

 

إن استهداف عبد الهادي بهذا الشكل، ليس مجرد تصفية حساب مع معارض، بل رسالة لكل من تسوّل له نفسه أن يعارض خارج "الحدود المرسومة". فالنظام لا يعادي من يصرخ، بل من يقول الحقيقة.