رغم مرور 12 عاما على ارتقائه إلى ربه تداول ناشطون ومتابعون صور أول شهيد في أحداث المنصورة عبدالحميد صادق العناني والذي استشهد في مثل هذا اليوم 26 يونيو من عام 2013 عقب إصابته مباشرة وقبل نقله إلى المستشفى، أثناء مشاركته في مسيرة لتأييد الرئيس د. محمد مرسي، بالبلطجية على المسيرة بالأسلحة النارية والبيضاء.
وشارك العناني المئات في الخروج للتظاهر والتعبير ومناصرة الشرعية والرئيس المنتخب محمد مرسي وكافة المسارات الانتخابية المعبرة عن إرادة الأمة، خرج عبد الحميد في مظاهرة تحت عنوان "لا للعنف" التي كان المقرر انطلاقها من أمام مسجد الجمعية الشرعية بالمنصورة 28 يونيو 2013م عقب صلاة العصر في مظاهرة سلمية تجمع الرجال والنساء شباباً وشيوخاً.
وكان المجرمون وبلطجية نظام مبارك وتمرد والتيار الشعبي وبمعاونة مفضوحة من الفاسدين في وزارة الداخلية يتجمعون بالمئات ومعهم أسلحة نارية وخرطوش وأسلحة بيضاء، وقاموا بالاعتداء على المتظاهرين في الطرقات وأطلقوا النار في جريمة لا تراعي حرمة قتل النفس والاعتداء على المساجد والمصلين، فتلقى العناني رصاصات غادرة أثناء الصلاة ليكتب الله له شهادة وحسن خاتمة ليموت على ما عاش عليه طوال حياته.
وبشهادة أحد المرافقين أكد أن الشهيد العناني عندما كنا نصلي العصر بالمسجد أصابه البلطجية أثناء الصلاة بطلقة فرد خرطوش استقرت في قلبه، مما أعاقنا عن تكملة الصلاة من أجل إسعافه، وآخر ما قاله: "والله سينتصر الإسلام وننعم بالحرية في مصر الاسلام" ، وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها عند وصولنا إلى المستشفى.
وفي مشهد مهيب، شيّع الآلاف من أهالي قرية تفهنا الأشراف شهيد الشرعية في اليوم التالي 27 يونيو 2013، وشارك في الجنازة الحاج طلعت الشناوي مسئول المكتب الإداري لإخوان الدقهلية والنائب الدكتور خالد الديب ورموز وطنية وسياسية، وحمل شقيق الشهيد مسئولية دمه في رقبة محمود سعد ولميس الحديدي وكافة الإعلاميين الكاذبين.
والشهيد بإذن ربه هو أحد مؤسسي جمعية فجر الحرية التي كانت تتولى توزيع الخبز بـــ " تفهنا الأشراف " وأحد المشرفين عليها، وهو أحد الخطباء المعتمدين لدى وزارة الأوقاف والمعروف بدروسه التربوية بمسجد الأمين الكريم بعد صلاة العصر.
وتناقل مرتادو منصات "التواصل الاجتماعي" صور شهيد أحداث المنصورة عبدالحميد العناني عقب إصابته مباشرة وقبل نقله إلى المستشفى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وقبل ساعات من اليوم الخميس كتب نجله محمود العناني عبر Mahmoud Elenany: اثنا عشر عامًا، أو حين لا يمرّ الوقت أبدًا.
في ظهيرة صيفية كهذه، استُشهد الوالد رحمه الله، مغدورًا في مدينة المنصورة، أثناء مشاركته في تظاهرة لحماية وطنٍ كان أمله أن يراه عادلًا، للجميع وبالجميع.
قبل استشهاده بثلاث سنوات، خرج الوالد من سجون مبارك بعد قضائه شهورًا في الحبس الاحتياطي، على خلفية القضية التي عُرفت وقتها "اغضب للأقصى"، وهي حملة نظمها طلاب جامعة الأزهر، لرفض الاقتحامات المتكررة والاعتداءات على المسجد الأقصى، وقتها.
اعتُقل الوالد، ومعه عدد من طلاب الجامعة، وبعد أشهرٍ قضاها في الاعتقال، خرج بإفراجٍ صحي، وفي ساحة بيتنا، وأثناء استقباله المهنئين بسلامته، وبينما يدعو أحد الضيوف له بالثواب والأجر لتضحياته في سبيل الله والوطن وليالي السجن الطويلة، يأتي ردّه متواضعًا سريعًا، أنه لا تضحيات تُذكر، أمام من يضحّون بأعمارهم في سبيل أوطانهم.
أشهرٌ قليلة، وتقوم الثورة، يخرج الملايين إلى الشوارع، ويكون الوالد رحمه الله في قلب الجماهير لا يصدّق أنّ ما ناضل لأجله لعقود، يحدث.
وفور سقوط مبارك، اجتمع بنا الوالد ليخبرنا: سقط مبارك وعصابته، والآن عادت البلاد لأصحابها، نحن، فلا مكان اليوم سوى للمجتهدين الصادقين.
لكن العسكر وعصابتهم، كان لهم رأي آخر.
سنتان، ويُقتل الوالد في وضح النهار، برصاصٍ معلومٍ من أطلقه، وأمام الآلاف، ويُترك جسده المغطّى بالدماء ينزف، وتُمنع الإسعاف من الوصول، وتُعلَن وفاته، ويُعلَن بعدها بأسبوع الانقلاب العسكري، الذي نقف على أعتاب ذكراه.
قَتَل البلطجية المؤجَّرون أبي، وقَتَل من أجّرهم أحلام ملايين المصريين في عيشٍ بكرامةٍ وأمان، ولم ترَ البلاد النور منذ ذلك اليوم الأسود.
اثنا عشر عامًا، ولا ينقطع الألم، ليس على فقيدٍ جميلٍ كعبد الحميد، بل على وطنٍ، لو رآه اليوم، لمات حزنًا على حاله، مات خجلًا من حصاره لإخوانه والتآمر على قتلهم، مات كمدًا من جوعٍ يعيشه أهله.
12 عامًا، كيف تكون الأرقام بتلك القسوة؟
https://www.facebook.com/photo/?fbid=24363929676537451&set=a.210181799005576
وسبق لمحمود العناني أن سجل مشهد جنازة والده وكيف تولى مهام أخذ عزاء والده يقول في ذكرى عام على استشهاد والده: "سلَّمت على جميع المعزيين لأن الأصول تقول ذلك , ثمَّ فوجئت بأحدهم بعُلو صوته في أكبر مساجد القرية "انتقل إلى رحمة الله تعالى الحاج عبدالحميد صادق العناني والدفنة بعد صلاة العصر اتجهت إلى المسجد علَّ ذلك يُشفي بعضاً من النار الموقدة بداخلي، لكنني لم أتمالك وسقطت أرضاً فور وصول الجثمان للمسجد , لم أقدِر على سماع صوت أحدهم وهو يصفه بالفقيد أو حتى الشهيد , ألقابٌ لم تكُن على البال ولا الخاطر, لكن هذا قدر الله حاول بعضهم أن يسندوني إلى أن وصلت إلى مقابر القرية وما إن تم رفع الجثمان من "النعش" حتى سقطت أرضاً مرة أخرى لكن تِلك المرة لم أفِق منها إلا بعد نقلي للبيت في سيارٍةٍ لا أعلم سائقها أو حتى مرافقيَّ فيها حتى الآن .".
من قرية الشيخ الشعراوي
والشهيد عبدالحميد صادق العناني ، مواليد 1961م بقرية دقادوس مركز ميت غمر وهي قرية الشيخ محمد متولي الشعراوي، واستقر في قرية تفهنا الأشراف التابعة لنفس المركز، والده أحد علماء الأزهر الشيخ صادق العناني تعلم منه حب الدين والعمل في رحاب الدعوة الإسلامية ، واستكمال من بعده مسيرة أبيه في التعليم والتحق بكلية التجارة جامعة الأزهر .
وتميزت أسرة الشهيد بالعلم والعمل الجاد لهذا الدين والحماسة في الحق والخروج في العمل الأهلي التطوعي والخيري ، حيث زوجته خريجة أزهرية وكاتبة إسلامية في مجلة النور وجريدة آفاق عربية ، وهو أب لخمسة أبناء ، زينب -لم يمض على زفافها سوى خمسة أيام قبل استشهاد والدها- وعبد الرحمن – طالب بعلوم الأزهر ومحمود –طالب بالثانوي الأزهري- وعمر –طالب بالإعدادية- وعصام –بالابتدائية-.
بدأ عمله مديراً للحسابات بشركة القاهرة للأدوية ثم مفتشا بوزارة التموين، ووجد معاناة شديدة في عمله بالتموين نتيجة لوجود الفساد، فكان مجتهداً في عمله، يحاصر لصوص قوت الشعب ، ونتيجة لذلك تم تحويله لأعمال إدارية ثلاث مرات وما يلبث أن يعود لعمله مفتشاً بحكم قضائي .
هو أحد مؤسسي جمعية فجر الحرية التي كانت تتولى توزيع الخبز بتفهنا الأشراف وأحد المشرفين عليها، وهو أحد الخطباء المعتمدين لدى وزارة الأوقاف والمعروف بدروسه التربوية بمسجد الأمين الكريم بعد صلاة العصر.
وتعرض العناني للتضيق والاعتقال إبان حكم مبارك وتعددت هجمات أمن الدولة له ولبيته وتكررت بتكرار الأحداث السياسية والقضايا الإسلامية التي كان –رحمه الله- يخرج ويشارك فيها بفاعلية ويساهم في تنظيم بعضها ، مثل انتخابات 2000 و 2005 ومظاهرات 2008 ضد العدوان الصهيوني على قطاع غزة وغيرها من الفاعليات ، وكان آخر هذه الاعتقالات على خلفية قضية حملة "اغضب للأقصى" والتي أعتقل فيها أكثر من 13 طالباً من طلاب جامعة الأزهر بالدقهلية وعضوين آخرين من أعضاء في شهر أبريل عام 2010 م حتى خرج بعد ثلاثة شهور بإفراج صحي.
ويقول عنه الدكتور محمد طه وهدان عضو مكتب الإرشاد وأحد المرافقين للعناني في آخر فترة اعتقال: ما عهدنا على أخينا عبد الحميد إلا سعة الصدر وسلامة السريرة وصفو القلب فلم يكن أبداً إلا متسامحاً مع الجميع لا يغضب من أحد مهما أذاه حتى وإن كان هذا الشخص أحد السجانين في المعتقل.
ويقول الحاج طلعت الشناوي مسئول إخوان الدقهلية: والله ما رأينا أخينا عبدالحميد إلا مبتسما حتى في أحلك الظروف وأكثرها ظلما للدعوة الإسلامية ولم نعهده أبدا كاحل الوجه غير مبتسم .
وعنه قال الدكتور خالد الديب عضو مجلس الشعب السابق: في إحدى اللقاءات الجماهيرية كان عبد الحميد أحد المنظمين للقاء وأغلظت عليه في بعض الملاحظات ما أثار دهشة عبدالرحمن ابني وفور انتهاء الفاعلية ، ضمني عبد الحميد ضمة دفئ وتسامح وعطاء ، ولما سألني عبدالرحمن عن ذلك ، قلت له: أخوك عبدالحميد عمره ما زعل من حد وﻻ كشر في وش حد ، حتى لو كان الشخص ده غلطان في حقة 100 قيراط .
ويقول الحاج شفيق الديب عضو مجلس الشعب السابق: الحاج عبدالحميد عمره ما جالي في مصلحة شخصية ، دوما كان يسعى في حاجة الناس ، ولما سألته في إحدى المرات: إنت مافيش ليك مصلحة عاوزها؟ فقال بابتسامته المعتادة: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
البلطجة وصلت للسجون
إلا أن البلطجية الذين اعتدوا على الإخوان في المسيرات أعادهم السيسي والعصابة للسجون وسمحوا لهم بالأسلحة البيضاء لاستكمال وظائفهم "مواطنين شرفاء" مع المعتقلين من الإخوان في سجن ميت غمر حيث طال ذلك من هم ذوي صلة بالشهيد عبدالحميد العناني.
وفي يوليو 2014، سخرت أجهزة الأمن المعتقلين الجنائيين لإلحاق الضرر النفسي والجسدي بالمعتقلين السياسيين وفي 21 يوليو 2014 اعتدى محمد مجدى محمد عبد الله المحتجز في مركز شرطة ميت غمر و الشهير بـ « بالسنفاوي» مسجل شقى خطر فئة « أ» سرقات بالإكراه وحيازة أسلحة نارية على المعتقلين السياسيين بسجن مركز "ميت غمر" تحت مرأى ومسمع من ضباط وأمناء شرطة القسم مما أدى إلى إصابة " أحمد زكريا " بـ إصابة خطيرة في الرقبة والطالب "صادق العناني" بــ إصابة خطيرة فى الصدر وجارى اجراء عملية جراحية و الطالب "أحمد حجازي" بإصابات متفرقة بالجسد.
وأُصيب صادق صلاح الدين العناني، 27 سنة الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الشريعة والقانون بجرح في منطقة الصدر بطول 15 سم وتقريبا 21 غرزة وأثناء التعدي عليه لم يتم الدفاع عن الثلاثة الذين أصيبوا ولم يتدخل مأمور السجن إلا بعد أن أشبعوا ضرب وتركوا ينزفون غارقين بدمائهم أكثر من نصف ساعة .