توفي فجر السبت ، المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، وأحد أبرز رموز تيار استقلال القضاء في مصر، عن عمر ناهز 75 عامًا، بعد مسيرة قضائية مشرفة امتدت لعقود، تميز خلالها بنزاهته، وصلابة مواقفه، وحرصه الدائم على إعلاء كرامة القضاة واستقلال السلطة القضائية.
وقد فاضت روحه وهو يتوضأ لصلاة الفجر، بحسب ما رواه نجله في نعي مؤثر، قال فيه: "رحل أبي العزيز، الحر الأبي، شامخًا لم ينكسر، لم يركع إلا لله، وكان آخر كلامه قبل أن يُغشى عليه: (أنا كنت بتوضى للفجر)، وكأن روحه كانت قد بدأت رحلتها إلى عالم الطمأنينة والسكينة".
وبرحيل ،"أحمد سليمان" خسر القضاء المصري واحدًا من أنزه رموزه، وأحد القلة الذين حاولوا مواجهة مافيا القضاء من الداخل، لكنه سيبقى في ذاكرة زملائه وتلاميذه، قاضيًا شريفًا، ووزيرًا لم ينسَ من أين جاء، ولم يبدل تبديلاً.
وكان سليمان من القلائل الذين حاولوا إصلاح منظومة العدالة من الداخل، لا سيما خلال فترة توليه وزارة العدل في حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013، لكن قوى الطابور الخامس داخل القضاء—التي ارتبطت تاريخيًا بالمصالح والنفوذ—تصدت له بعنف، لتُجهض مشروعه الإصلاحي، وتقود لاحقًا إلى عزله ومحاصرته سياسيًا واجتماعيًا.
صوت نقي في زمن التواطؤ
ينتمي المستشار أحمد سليمان إلى جيل من القضاة الذين حافظوا على شرف المهنة في أحلك الظروف، رافضًا المساومة أو الانحناء أمام السلطة، ومتمسكًا باستقلال القضاء كمبدأ لا يخضع للصفقات أو الترضيات. لم يكن محسوبًا على نظام، بل كان محسوبًا على العدالة وحدها. وبرغم ما تعرض له من حملات تشويه واعتقال وإقامة جبرية غير معلنة، ظل شامخًا، مرفوع الرأس، لم تُكسر إرادته ولم يساوم على قناعاته.
محطات من النضال القضائي
وُلد أحمد سليمان عام 1950، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1970، ثم حصل على ماجستير في الشريعة والقانون عام 1977.
برز اسمه ضمن أبرز قضاة تيار الاستقلال في عهد مبارك، وتولى رئاسة نادي قضاة المنيا، كما عمل في محكمتي استئناف القاهرة وأسيوط، وأُعير للعمل بالمحكمة الاتحادية العليا في الإمارات.
تولى وزارة العدل في مايو 2013، ليكون أول قاضٍ من تيار الاستقلال يتولى هذا المنصب. إلا أنه سرعان ما قدم استقالته بعد انقلاب 3 يوليو، رفضًا لتقويض الشرعية وتدخل المؤسسة العسكرية في الحكم.
خلال فترة توليه الوزارة، وقف بقوة ضد محاولات خفض سن تقاعد القضاة، معتبرًا هذا القرار انتهاكًا لاستقلال القضاء، كما رفض اتهامات وجهها الرئيس مرسي لأحد القضاة، معتبراً أنها تمس بهيبة المنظومة القضائية بأكملها.
معارك قانونية ومواقف لا تُنسى
من أبرز مواقفه، تصديه لإحالة مئات القضاة من تيار "قضاة من أجل مصر" إلى مجلس الصلاحية، حيث تبنى الدفاع عنهم باعتبارهم لم يطالبوا سوى باحترام إرادة الشعب والدستور. كما خاض معركة قانونية طويلة ضد قرار عزلهم، انطلاقًا من قناعته بأن هذه المواجهة تمثل محطة فاصلة في تاريخ القضاء المصري.
وفي بداية مسيرته، عندما كان وكيلاً للنيابة في أواخر السبعينيات، وقف في وجه تعليمات أمنية حاولت تلفيق التهم لطالبين جامعيين اعتُقلا لمشاركتهما في مظاهرة ضد اتفاقية كامب ديفيد. أمر بفك قيودهما وإخلاء سبيلهما، مؤمنًا أن التحريات الأمنية لا ترقى لتكون دليل إدانة.
انسحاب بصمت.. وثبات حتى الرحيل
بعد استقالته من الوزارة، اختار سليمان الصمت النبيل، ورفض المتاجرة بموقعه أو تاريخه. عاش سنواته الأخيرة في عزلة قسرية، محاطًا بالمضايقات والتضييق الأمني، حيث اعتُقل عام 2018، وتعرض أبناؤه للفصل من وظائفهم، إلا أنه ظل صامدًا، محتفظًا بكرامته ووفائه لقسم العدالة.