تواجه دولة الاحتلال حالة من الشلل الاقتصادي؛ بسبب توقف العمل والإنتاج في الكثير من مؤسساتها وشركاتها عقب الضربات الإيرانية المدمرة التي تعرضت لها خلال 12 يوما من هذه الحرب غير المسبوقة، والتي يتوقع أن تغير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط لصالح إيران على حساب الكيان الصهيوني.
الكثير من الصهاينة اعترفوا بأن ما واجهوه خلال أيام الحرب هو الأكثر تدميرًا في تاريخ الدولة اليهودية، مؤكدين أن الضربات الصاروخية الإيرانية تسببت في أضرار هائلة قدرت بنحو 10 مليارات شيكل (3 مليارات دولار)، وفقًا لتقرير نشرته وكالة "بلومبرج"، نقلًا عن وزارة المالية وهيئة الضرائب الصهيونية.
ومع إعلان وقف إطلاق النار، تواجه دولة الاحتلال تحديات ضخمة في إعادة الإعمار، وتقديم الدعم إلى النازحين، واستعادة الاستقرار الاقتصادي، وسط تساؤلات حول قدرتها على تحمل هذه الأعباء في ظل استمرار التوترات الإقليمية والضغوط الداخلية.
وقدرت دولة الاحتلال حجم الخسائر التي لحقت بالمباني أثناء حرب الـ12 يومًا مع إيران بنحو 3 مليارات دولار، الأمر الذي دفع مسئولا صهيونيا بارزا إلى الاعتراف بأن بلاده لم يسبق لها أن رأت مثل هذا القدر من الخسائر في تاريخها.
رسائل عسكرية
يشار إلى أنه في خضم هذه المعركة، تعدّدت أوجه المكاسب والخسائر، فقد سجّل الطرفان نقاطًا مهمة على الصعيد الإستراتيجي، وأثبتت إيران قدرتها على إيصال رسائل عسكرية إلى عمق دولة الاحتلال، وعرّضت منشآت حيوية للخطر، ما أعاد الاعتبار إلى قوتها الردعية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، بينما وجهت دولة الاحتلال ضربات دقيقة إلى بنى تحتية عسكرية حساسة داخل إيران، وهو ما اعتبرته إنجازًا استخباراتيًّا ولوجستيًّا يُحسب لها في سجل المواجهة.
ولم تكن تلك المكاسب بلا ثمن، فأودت الضربات الصهيونية بحياة علماء ومسؤولين عسكريين بارزين في إيران، وتسببت في اضطراب داخلي انعكس في احتجاجات شعبية غاضبة على ضعف الاستجابة الحكومية، أما دولة الاحتلال فقد واجهت صدمة أمنية نادرة، بعدما وصلت صواريخ إيرانية إلى مناطق مثل حيفا وبئر السبع، متجاوزة أنظمة الدفاع، وتسببت في خسائر بشرية ومادية، وأثارت أسئلة صعبة حول جاهزية الجبهة الداخلية.
فيما امتدت الخسائر إلى البُعد السياسي والإقليمي، حيث أثارت الحرب مخاوف عالمية من اتساع رقعة الصراع ليشمل أطرافًا أخرى، كحزب الله في لبنان، والفصائل المسلحة في العراق، والدخول الأمريكي في المواجهة المباشرة، كما أثّر التصعيد على الأسواق العالمية، لا سيّما في قطاع الطاقة، وولّد ضغطًا سياسيًا على الحكومات الغربية للعب دور فاعل في تهدئة الأوضاع
تكاليف الحرب
وأكد شاي أهارونوفيتش، مدير عام هيئة الضرائب الصهيونية أن هذا الدمار يمثل أكبر تحدٍ واجهته دولة الاحتلال على الإطلاق مشيرًا إلى أن حجم الأضرار غير مسبوق.
فيما كشفت صحيفة "فاينانشيال إكسبريس" أن تكاليف الحرب تشمل إصلاح المباني المتضررة جراء القصف الصاروخي، إلى جانب تعويضات للشركات الصهيونية التي عانت من توقف شبه كامل لأنشطتها الاقتصادية.
ووصفت صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس" الصهيونية، أضرار الضربات الايرانية بأنها "أضرار نهاية العالم"، مشيرة إلى أن الحد الأدنى لتكلفة الدمار يصل إلى 5 مليارات شيكل.
وكشفت الصحيفة أن الإنفاق الدفاعي لعام 2025 تجاوز الميزانية المعتمدة، حيث وصل إلى ما بين 20 و30 مليار شيكل، مع توقعات بزيادة إضافية تتراوح بين 25 و30 مليار شيكل في 2026.
وأكدت ارتفاع عجز الموازنة إلى 15.9 مليار شيكل (4.56 مليار دولار) في الأشهر الخمسة الأولى من 2025، حيث بلغ العجز 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية سبتمبر، قبل أن ينخفض إلى حوالي 5%، وفقًا لوزارة المالية الصهيونية.
اقتصاد مشلول
من جانبه كشف الدكتور محمد حمزة الحسيني، مستشار الجمعية المصرية بالأمم المتحدة، عن حجم الخسائر المُباشرة للحرب بين إيران والكيان الصهيوني، موضحًا أن كل من إيران ودولة الاحتلال تكبدتا خسائر لا تقل عن 150 مليار دولار، بخسائر يومية تتراوح بين مليار ومليار و300 مليون دولار .
وأكد “الحسيني” في تصريحات صحفية أن دولة الاحتلال تمر بـ "أصعب مراحلها" منذ إنشائها، بسبب الضربات الاقتصادية التي طالتها من جميع المحاور، مشيرا إلى أن دولة الاحتلال الآن ميناؤها الرئيسي يُعتبر مشلولًا، وتعتمد بنسبة 40 أو 45% في اقتصادها على توريد التكنولوجيا .
وأشار إلى أن إيران ضربت خلال الأيام الماضية مايكروسوفت وغيرها من الأماكن التي تعد عصب الاقتصاد الصهيوني، وحقول الغاز وكافة القطاعات الاقتصادية تضررت تماما، مؤكدا أن دولة الاحتلال يُعتبر اقتصادها مشلولا حاليًا، وهذا يُعد السبب الرئيسي الذي دفع الأمريكيين لوضع رسالة البدء بوقف إطلاق النار .
وتوقع “الحسيني” عدم تفكير دولة الاحتلال فى شن حرب على إيران لأن الجبهة الداخلية، الصهيونية مُمزقة، مشيرا إلى أن الجبهة الداخلية الإيرانية أيضًا مُمزقة، وبالتالي لن تشن حربا على الكيان الصهيوني في الفترة القريبة .
جهاز الاستخبارات
وقال: إن "هذه الدول عسكريًا لديها تطور في الضرب، لكن لا يمكن المراهنة اقتصاديًا ولا داخليًا ولا أمنيًا في هذه الدول على ثبات أن الحرب ستستمر حتى شهرين أو ثلاثة أشهر، الحرب كان معدلها أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الثلاثة أسابيع، وهذه رسالة مهمة جدًا" .
ولفت “الحسيني” إلى أن التصريحات الإيرانية الأخيرة، تميل إلى الثبات نوعًا ما، لكنها تفتقر للرؤية المستقبلية، موضحًا أن الحرب الأخيرة، على الرغم من دمار المنشآت المدنية والعسكرية في إيران جراء الضربات الصهيونية، إلا أنها أفادت طهران برفع مستوى جهاز الاستخبارات الإيرانية، لأن حجم الاختراق الذي كانت تُعاني منه الدولة الإيرانية كان موجودًا حتى في أذرعها بالشرق الأوسط، وهذا يوضح أن هذه الإدارة أو هذا التمدد كان شكليًا فقط، وليس جوهريًا.