عادل الأنصاري
كثيرا ما تواجه جماعة "الإخوان المسلمون" تساؤلات أقرب للاتهام واستفسارات أميل للتوجس، تتكرر بشكل مطرد وتنتقل من موضع لآخر أشد ما تنتشر النار في الهشيم ، ومن بين التساؤلات الجدل المثار حول ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمون تعتقد فكرا وسلوكا ورؤية وممارسة بأنها جماعة من المسلمين أم جماعة المسلمين؟
ويظل الإلحاح على السؤال متواترا متكررا في غير موضع رغبة في التأكد من توفر هذه القناعة والتعرف على هذا المنحى لدى الجماعة، رغم ما تضج به أدبيات الجماعة وممارساتها بالتأكيد القاطع جملة وتفصيلا أنها جماعة من المسلمين، وأنها ليست بحال من الأحوال بديلة عن الأمة وأنها تسعى لوحدة المسلمين وبعث الروح فيهم ونشر الوعي بينهم والتعريف بالمخاطر التي تحيط بهم، ورغم كل ذلك تظل الشكوك ماثلة والتوجس مستمرا والمخاوف قائمة من أن يتسرب إلى أفراد الإخوان أوهياكلهم أنهم جماعة المسلمين.
إلا أن المفارقة العجيبة أن هناك بالفعل من يؤمن بأن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة المسلمين وليست جماعة تعمل في إطار الأمة كجزء أصيل من مكوناتها، والأغرب أن من يؤمن بذلك ويقتنع به أشد الاقتناع، ليس واحدا ممن ينتسبون للجماعة أو ممن يؤيدونها، ولكنهم – من العجب – نفر ممن يعارضون الجماعة ويحاربونها بكل الطرق وعلى كافة المستويات.
وتفصيل ذلك أن هناك ممن يعادون جماعة الإخوان المسلمون يسرفون في تحميلها كل ما وصلت له الأمة من خور وما بلغته من ضعف وما وصلت إليه من تراجع ، وكأن لسان حالهم يقول لهم : أنتم جماعة المسلمين وتقع عليكم كافة المسؤوليات وتتحملون كل التبعات ولستم – كما هي الحقيقة – جزءا من الأمة ، تتحملون – بالكاد – جانبا مما حل بها من أزمات وما بلغته من فشل ، وما تعرضت له من تخلف.
فتجدهم يحمّلون الجماعة المسؤولية عن بقاء الاستبداد واستمرار الدكتاتوريات ، والعجز عن التخلص منها على مدار عقود منذ نشأة الجماعة حتى قاربت مائة عام ، وهم يرفعون بذلك المسؤولية عن الأمة مجتمعة بكل مواردها ومكوناتها ويكتفون بتحميل المسؤولية لجماعة الإخوان المسلمين التي هي في حقيقتها جزء من المسلمين ولا تنوب عنهم.
وتجدهم ينسبون للجماعة أخطاء كل متدين وأفكار كل مجتهد من التيارالإسلامي بل ويحملونها أوزار كل سياسي وشطحات كل مفكر ونزقات كل جاهل، وكأن الجماعة هي الممثل الشرعي والوحيد عن الأمة كلها على اختلاف مكوناتها وتياراتها.
ويتم تحميلهم وحدهم دون غيرهم المسؤولية عن عدم القدرة على تطبيق الشريعة الإسلامية وفي تأسيس خلافة راشدة على منهاج النبوة ، دون أن يذكر أحد أدنى مسؤولية على آحاد الأمة ومؤسساتها وجماعاتها.
أما ثورات الربيع العربي فحدث ولا حرج حيث يتم تحميلهم كل ما آلت إليه وما وصلت له في كل البلدان، دون أن يتشارك معهم في المسؤولية سواهم أو يتحمل جانبا من الأدوار غيرهم، وكأنهم وحدهم من تصدر المشهد أو شارك في العمل العام.
بل تجد هناك من يحملهم المسؤولية عما تم ارتكابه ضدهم من جرائم وما وقع عليهم من أذى وما تعرضوا له من مذابح ، وما اقترفته أيدي غيرهم ضدهم ، فيحملونهم جريرة الجاني والمجني عليه على حد سواء.
ثم تجد من يحملهم نتيجة عمل العاملين وقعود القاعدين وفشل الفاشلين وتآمر المتآمرين ، كأن الإخوان هم العامل الوحيد المؤثر في كل الأحداث ، وكأن الأمة أصفار على الشمال ، لا وزن ولها ولا تأثير بما فيها كافة القوى الحية .
وفي المجمل يخلصون من كل ما ذكروا إلى حل حاسم ورأي قاطع يقضي بضرورة حل الجماعة والتخلص منها وإغلاق ملفها إلى غير رجعة ، كمخرج وحيد للأمة لإخراجها من كبوتها ، وسبيل ليس له بديل لإعادة نهضتها والتغلب على ما أصابها ، دون أن يحدد أحدهم بديلا أو خريطة طريق تصلح للوصول للهدف.
إذن هناك من يؤمن ويروج ويسوق بأن جماعة الإخوان المسلمون هي جماعة المسلمين وليست جماعة من المسلمين ، ولكنهم على وجه الحقيقة واليقين ليسوا ممن ينتسب إلى الجماعة أو يتعاطف معها أو يؤيدها ، فهؤلاء جميعا يدركون الحقيقة ويعونها ، بينما هناك ممن يعادون الجماعة ويسعون إلى التخلص منها من يحملون الجماعة تبعات كل ما يقع في الأمة من كوارث وما تتعرض له من أزمات ويقتصرون على محاسبتها دون أن يفتحوا ملف الحساب لكل مفردات الأمة ومكوناتها.
والحقيقة التي يتوجب الوقوف عندها بكل أمانة ، أن ما تتعرض له الأمة من شتات وضعف وخور يتقاسم المسؤولية عنه الجميع ويتشارك في تحمل أعبائه كافة القوى والتيارات الفكرية والدعوية والعلمائية ، بل وكل مكونات الأمة على جميع المستويات.
وإن الإنصاف يقتضي أن يكون النصيب الوافر من المسؤولية عما وصلت له الأمة على القاعدين أكبر وعلى المتقاعسين أعظم وعلى المتخاذلين أشد ، بينما يتراجع الإصر على كل من تقدم واجتهد وسعى وحاول وبذل.
إن الحاجة الملحة اليوم لتضافر جهود الأمة كلها بهدف إنفاذ مشروع حضاري ينطلق من ثوابت الأمة وعقيدتها ويوحد مكوناتها ويستنفر مكامن قوتها ويستخرج طاقتها في العمل لنيل استقلالها الكامل وتفعيل قدرتها على الاكتفاء الذاتي، وامتلاك القوة التي يرهبها عدوها ، ويتم ذلك كله بأن تتعاون كل المكونات ويتحمل الجميع تبعات الطريق، ويتشاركوا معا المسؤولية كما يتشاركون النتائج سواء بسواء.